وجهة نظر

المغرب ويوم المهاجر

إذا كان الاحتفال بيوم المهاجر سُنة حميدة يحتفل بها المغرب كل سنة في العاشر من شهر غشت، فإنه ومع غياب المحتفى بهم هذه السنة وجب على الحكومة مراجعة طريقة احتفائها بنقله من مناسبة احتفالية رمزية تتجلى في القيام ببعض الاستقبالات والحفلات تتخللها خطب يسمع فيها مغاربة العالم ولا يُسمع لهم، إلى مناسبة حقيقية تكون بمناسبة فرصة لاتخاذ مبادرات حقيقية تُشرك مغاربة العالم في مسار التنمية الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية التي بات يعيشها المغرب.

للوصول إلى هذا وجب على المسؤولين في المغرب أن يأخذوا بعين الاعتبار التحولات التي عاشها مغاربة العالم.
لا زال الكثير من مغاربة الداخل ينظرون إلى مغاربة العالم كيد عاملة مغربية، بل لا زال الكثير من السياسيين يخاطبون مغاربة العالم كما ذي قبل ‘عمالنا في الخارج’.

نعم، من بين مغاربة العالم يوجد عمال مغاربة لكن الإحصاءات تدل على أن نسبة الأطر والكفاءات المغربية بالخارج تفوق بكثير نسبة مغاربة المغرب، مع فارق كبير بين اليد العاملة والتي رغم تصنيفها في هذا الباب إلا أن نسبة كثيرة منها تدخل فيما يسمى اليد العاملة ذات التأهيل العالي.

إذن أول إجراء، هو تغيير النظرة تجاه المهاجرين من مجرد ‘يد عاملة تقوم بالتحويلات المالية’ إلى ‘كفاءات وخبرات بشرية’ يمكنها المساهمة في النهوض بالمغرب وتحويله إلى دولة متطورة.

مرة، وفي لقاء حزبي سمعت إحداهن كانت آنذاك برلمانية تقول ‘حنا قادين بالمغرب، انتما ديروا غير اللي عليكم’ وبقيت في أذني هذه الكلمة وكأنها تقول لنا’ اشتغلوا وقوموا بالتحويلات وهذا يكفي، غير هذا لا يمكنكم القيام به’.

اختزال الاعتبار المعطى لمغاربة العالم في كونهم بقرة حلوب بالمفهوم التجاري في علم التسويق، ظلم كبير لهذه الفئة التي إن كانت تمثل سدس المغاربة عددا، فإنها تمثل المرتبة الأولى من حيث المداخيل الاقتصادية بل الجهة رقم 13 الأكثر غنى ومردودية على الاقتصاد الوطني.

الاحتفال يجب أن يكون أيضا بتغيير السلوكيات التي أكل عليها الدهر وشرب.

على المغرب وهيئاته القنصلية ومؤسساته المختلفة المكلفة بمغاربة العالم القيام بتحول حقيقي في السياسة المتبعة تجاه مغاربة العالم.

على المغرب، أن يوظف من يقوم بتسويق ‘المنتوج المغرب le produit Maroc’ إلى مغاربة العالم لتحفيزهم للاستثمار في بلدهم في كل المجالات وليس فقط في المجال العقاري.

على المغرب، أن يفتح داخل القنصليات مكاتب استثمار وإعطاء المعلومات اللازمة لمن أراد أن يقوم بذلك مع جرد للمجالات التي يحتاجها المغرب، وتقديم دراسات شبه جاهزة للسوق المغربي والفرص المتاحة.

على المغرب، أن يوظف ‘ صياد رؤوس chasseurs de tête’ كي يقوموا بالبحث عن الكفاءات العليا المغربية الموجودة بالخارج. ولا ننتظر أن يعين الرئيس ترامب إحداها لتقوم بالتصفيق افتخارا وتفاخرا.

على المغرب، أن يعي أن تعبئة مغاربة العالم لا يمكن أن يتم إلا من قبل بعضهم، فالعقليات تغيرت والثقافة الديمقراطية تجذرت والتحولات الاجتماعية قد ترسخت، ثم وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم.

على المغرب، أن يفتح المجال للكفاءات المغربية في الخارج كيف تدلو بدلوها في كل المجالات ومنها وبطبيعة الحال المجال السياسي الذي يقوم باختيار وتسطير الاستراتيجيات والسياسات المتبعة.

على المغرب، أن يعرف أن الكفاءات الحقيقية هي تلك التي لا تحتاج للمغرب لتبيان تفوقها وتميزها، هي تلك التي لا تأتي في مثل هذه المناسبات لانشغالاتها ولأولوياتها المتعددة وبالتالي وجب القيام بتغيير شبه جذري في الوجوه التي اعتدنا رؤيتها في مثل هذه المناسبات منذ عهد الحسن الثاني رحمه الله تعالى وطيب ثراه.

على المغرب، أن يقوم بإدماج فعلي وحقيقي لمغاربة العالم بإشراكهم في الاختيارات الكبرى للبلاد وتلك قصة أخرى.

أخيرا، إن كان هذا الكلام موجها للمسؤلين في المغرب، وخاصة أولئك الذين يملكون حقيقةً القرار السياسي دون أن يكونوا بالضرورة في الواجهة، فإن هذا لا يعني أن يبقى مغاربة العالم مكتوفي الأيدي دون أخذ يد المبادرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *