وجهة نظر

كفى استهتارا.. !

شكل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعب الإنذار الأخير لعموم المغربيات والمغاربة قبل السقوط في “الكاو”واللاعودة، بعد أن سجلت الوضعية الوبائية بالمغرب منحى تصاعديا، ملفتا وخطيرا، منذ الرفع التدريجي للحجر الصحي، مما جعل المغرب يدخل في السرداب الضيق للجائحة، بفعل اللامبالاة والاستهتار اللذين نضحا عن سلوك العديد من المغربيات والمغاربة بعدم التزامهم بتدابير الاحتراز والحيطة التي كان معمولا بها خلال فترة الحجر الصحي، مما أوقع البلاد في انفلات بُؤَري للجائحة كلف، ويكلف، السلطات العمومية والصحية الكثير. بل أصبح الاقتراب من مرحلة “الاستسلام”، مسألة وقت ليس غير. كل هذا بسبب التراخي ، والاستهتار بخطورة هذه الجائحة، وبالتعليمات الرسمية من قبل جماعة من المحسوبين على الوطن، والوطن منهم براء.
إن سفينة الوطن، ستبقى في خطر وشيك، ما لم يتحرك عقلاء البلاد ومسؤولوها لإيقاف هذا الاستهتار الذي نشاهده يوميا في أزقة، وشوارع، ومقاهي، وشواطئ، مدن هذا الوطن.
فإما أن ننجو جميعا أو نهلك جميعا. ولكن لن ندع للمستهترين بصحة المغاربة، وحياتهم مجالا للتنفس في أزقتنا، ونشر الوباء في صفوفنا. لا بد أن ينهض الجميع، من منطلق المسؤولية الملقاة على عاتق كل فرد، وهيئة، وتنظيم، وسلطة،… لمواجهة الاستهتار واللامبالاة، والضرب بقوة على هذه النتوء الشاردة التي تنشر الموت في صفوفنا، وتتأبى على التوجيهات، وتخرق مبادئ المواطنة، قبل فوات الأوان.
إننا أمام وباء خطير لا يرحم. وأخطر ما فيه أنه مُعْدٍ إلى أقصى حد. وهذا ما شاهدناه، وتابعناه في أكثر من بؤرة، عائلية أو صناعية، عرفها المغرب. حيث تتنقل العدوى بين الأفراد المخالطين كما تتنقل النار في الهشيم. وهو ما تؤكده التحليلات المخبرية يوميا. ورغم ذلك لازال بعض أشباه المواطنين يتأَبَّوْن على النصائح والتوجيهات الرسمية وغير الرسمية، ويتعاملون مع هذا الوباء بسخرية، وبعضهم بتَحَدٍّ عير مفهموم، يظهر في مختلف الشوارع والمرافق بدون كمامات، أو بكمامات تحت الأنف أو الذقن، أو محمولة باليد، أو داخل الجيب، بل منهم من يبالغ في العناق، والمصافحة، والاحتكاك… حتى بلغ الأمر ببعضهم أن يغمز ويلمز الملتزمين بالتدابير الاحترازية وينظر إليهم نظرة استصغار وسخرية !.
وعلى ذات اللامبالاة، انشغلت هيئات حزبية، ونقابية، وجمعوية، بتفاهاتها التنظيمية، واهتماماتها الصغيرة عن الانخراط المواطن والمسؤول في توعية المواطنات والمواطنين، والنزول إلى الشارع لمخاطبتهم وتنبيههم. وبعضها قد تملص، بالفعل، من هذا الواجب الوطني، وأخذ يشرئب إلى استحقاق 2021، يُعِد له العدة، ويقدم السيناريوهات في حفلة التحالفات السرية والعلنية، في غفلة عن هَمِّ الوطن، وشغل المواطن !
ورغم المجهودات الاستثنائية التي تقوم بها السلطات العمومية بمختلف مراتبها من عمال، وقياد، وشرطة ، ودرك، وقوات مساعدة،.. لفرض الالتزام بالتدابير الاحترازية المقررة، لا زال التساهل والاستهتار ما يطبعان سلوك العديد من المواطنات والمواطنين في الطرقات، والمقاهي، والشواطئ، والمنتزهات، والأسواق، والحافلات.. مما يستلزم المزيد من الصرامة في تنزيل العقوبات، وترتيب الجزاءات على الأفعال المخالفة.
كما على الحكومة، من جهتها، أن تراجع موقفها الجديد في ترتيب أولوياتها، وتتواضح مع المغاربة بالجواب على السؤال “الوجودي” : هل اقتصاد البلاد أولى من صحة وحياة المغاربة أم العكس؟. أو بعبارة أدق و أكثر وضوحا : هل صحة وحياة المغاربة أولى، أم مصالح اللوبيات المتنفذة في عالم السياحة، والمقاولة، والمؤسسات الخاصة؟
أجل، لقد صفقنا طويلا للقرار الجريء للدولة المغربية في مستهل الجائحة والقاضي باتخاذ قرار الحجر الصحي العام، وتقديم صحة المواطنات والمواطنين على اقتصاد البلاد، واعتبرناه، ساعتها، قرارا مواطنا وحكيما (*). واليوم، وبعد ما شهدناه من الاستهتار واللامبالاة، ورغم ما تم سنُّه من القوانين الصارمة التي أطرت المرحلة، ورتبت الجزاءات على الأفعال المخالفة؛ لا نطلب سوى التزاما صارما ومسؤولا من الجميع بحفظ البلد من السقوط في “الكاو”، واللاعودة. ولن يكون ذلك إلا بالتطبيق الصارم للعقوبات المنصوص عليها في القانون، دون محاباة، ولا تساهل. بما في ذلك تشديد المراقبة على الشواطئ (أو إغلاقها بالمرة)، والحافلات، والفنادق، والمقاهي، و كذلك الوحدات الصناعية، والشركات، لفرض التباعد الجسدي، وتطبيق التدابير الاحترازية تحت طائلة إنزال عقوبات، الإغلاق، والتوقيف، وسحب الرخص،… أما الرجوع إلى الحجر الصحي العام، فنعلم أن كلفته الاقتصادية والاجتماعية ستكون ، هذه المرة، ثقيلة جدا، رغم أنه سيكون أحد السيناريوهات الممكنة التي قد يعاد إليها إذا استمر هذا التراخي والاستهتار، ولم تنجح المساعي العاقلة والصارمة سواء، في تكسير هذا العناد، وإلزام المستهترات والمستهترين باحترام القانون، والانصياع للتوجيهات.. أنذاك، فقط، لن يلوم أحد إلا نفسه !.
في حديث السفينة، قال رسول الله (ص):” مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا”.. رواهُ البخاري.
ونحن اليوم جميعا في سفينة الوطن، فإما أن ننجو جميعا أو نغرق جميعا. فإما أن نأخذ على يد المستهترين، ونمنعهم من خرق السفينة، أو نتركهم فيهلكون ونهلك معهم..
فكفانا استهتارا.. !
دمتم على وطن.. !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *