وجهة نظر

دعم وزارة الثقافة.. المتسولة والطبيب، أي رسالة لشباب الوطن الحبيب؟

من المستملحات الطريفة التي كنا نتداولها بيننا أيام الدراسة؛ أن طبيبا شغف حبا بفتاة أمها متسولة (كلنا نسعاو الله)، لكن أمها رفضت الموافقة على زواجهما اعتبارا للفوارق الإجتماعية ومخافة أن يحتقرها ويشتمها بمهنة أمها (بنت الطلابة).

وأمام تعلقه الكبير بها وإصراره على طلب يدها اشترطت الأم على الطبيب شرطا واحدا ووحيدا فقط، وهو أن يخرج ثلاثة أيام متتالية للتسول في شوارع وأحياء المدينة حتى لا يستطيع أن يشتم ابنتها بسبب التسول.

استغرب الطبيب من طلبها هذا وحاول أن يقايضها بأي طلب مادي آخر، لكنها رفضت رفضا باثا.

وضع صاحبنا بين خيارين أحلامها مر إما أن ينفد الشرط أو الافتراق على حبيبة القلب.

ولأن الحب “يديرها” كما يقال، فكم أعز من ذليل وأذل من عزيز.

يا من هواه أعزه وأذلني ***كيف السبيل إلى وصالك دلني.

فقد اختار الطبيب أن ينزل من برج كبريائه وينصاع صاغرا لطلب الأم.

مع بداية اليوم الأول ضاقت عليه الدنيا بما رحبت ولام رجليه وعينه “لهوما لاثنين لسبابو في هذه الكية خلاو القلب شاعلةفيه نار قوية” على حد تعبير الراحل العربي الكوكبي.

وبمرارة أقل مر اليوم الثاني من هذه التجربة الفريدة والمريرة.

وفي منتصف اليوم الثالث رجع المسكين لحماته المستقبلية يبكي بحرقة شديدة فأخذت تواسيه وترفع من معنوياته” مابقى قد ما فات ” نصف نهار فقط وها قد أتممت المهمة ونلت المطلوب. فبادرها لا سيدتي لا أبكي مما وجدت ولكنني أبكي على عمري الذي ضيعته في الدراسة، أبكي على سبع سنوات من الكد والجد والسهر والمعاناة والاجتهاد قضيتها بكلية الطب. يا ليتني كنت اعرف قبل هذا مكانة مهنة “السعاية والتسول “.

بكاء شديد ودموع غزيرة تسيل من عيون الكثيرين وهم يتابعون مهزلة الدعم السخي بالملايين لمن يسمون بأهل الفن ( مع احترامي الكبير لمن يحترم رسالة الفن النبيلة).

كأني بالكثير يبكي حرقة على أعوام من المعاناة والتحمل و سهر الليالي من أجل بلوغ المعالي، كأني بهم نادمون على سنوات ضاعت كان عليهم أن يتعلموا فيها الغناء والطرب والعزف على كل الأوتار والآلات بما فيها آلة الغسيل.

ما الرسائل والإشارات التي تسعى الجهات المتنفذة في هذا البلد الحبيب لإيصالها من خلال التهميش والإهمال والتجاهل المعتمد في حق شباب مبدع تواق للتميز والعطاء استطاع بامكاناته الذاتية في كثير من الأحيان التفوق في تظاهرات علمية وأدبية عالمية وأعطى صورة رائعة عن الشباب المغربي، نذكر على سبيل المثال لا الحصر (مريم أمجون في القراءة /وطلبة كلية طب وجدة /يوسف العزوزي في الاختراع/واخرون في التجويد والحفظ وغيرهم كثير).

وفي المقابل تحضى فئات أخرى برزت في مجال الغناء والرقص باهتمام مبالغ فيه من وسائل الإعلام الرسمية، وتقدم وكأنها حققت إنجازات عظيمة للوطن. فتستقبل في المطارات استقبال الابطال، ويصنع منها “نجوم” وتنال حضوة الدعم والتبني والإشهار ، حتى بات راسخا في ثمثلاث شبابنا ألا خيار آخر لتحقيق المجد والأحلام غير هذا المسلك والسبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *