وجهة نظر

مع مبادرة النقد والتقييم (4 من 4): في إطار مؤتمر عادي قوي

في المقالات الثلاثة السابقة حول موضوع “مع مبادرة النقد والتقييم”، أكدنا في المقال الأول على احترام “المبادرة” كفكرة يستوعبها منهج الحزب من الناحية المبدئية. وسجلنا في المقال الثاني عددا من الانتقادات على مستوى خطاب مذكرة المبادرة الذي انزلق إلى أخطاء كبيرة تناقض مقاصدها وتصب موضوعيا في حساب خصوم الحزب. وفي المقال الثالث قيمنا جدوى الشكل التنظيمي الذي تقترحه المبادرة لتفعيل مبدئي النقد والتقييم، وبينا كيف أنه لم يكن واقعيا، حيث لم يستحضر السياق الذي يحكمه استحقاقان كبيران، هما الانتخابات وما يصاحبها من تحديات تفرض توفير جهود الحزب لمواجهتها، والمؤتمر العادي للحزب الذي من شانه أن يستجيب لمطلب المبادرة دون ضياع الجهود في مؤتمر استثنائي. وفي هذا المقال سوف نقترح مقاربة لتفعيل فكرة النقد والتقييم بشكل يجعلها أكثر قوة وأكثر نفعا.

إن الطبيعي في السياق الذي نعيشه اليوم هو الاستثمار الجيد في الاعداد الأدبي للمؤتمر التاسع للحزب، ففي خلاصات مناقشتنا للمبادرة، أكدنا أن المؤتمر العادي للحزب هو الإطار الطبيعي والأنسب لتحقيق أهداف النقد والتقييم، وتتويج ذلك كله بقرارات ملزمة، تجعل عمليات النقد والتقييم، جسورا نحو التغيير المنشود، خاصة وأن المؤتمر الوطني العادي سيفرز أيضا قيادات وطنية جديدة تتحمل مسؤولية تفعيل مخرجاته حول الاصلاح.

إن المؤتمر الوطني التاسع ينبغي أن تكون له رهانات سياسية وتنظيمية واضحة وقوية، وهذا يتطلب أمرين أساسيين:

الأمر الأول، يتعلق بجعل جهود الاعداد الأدبي للمؤتر ورشا حقيقيا ينخرط فيه جميع أعضاء الحزب، يتيح لهم الفرصة الكافية للنقد والتقييم، وفرصة إعادة تقييم مخرجات الحوار الداخلي وتحويل الصالح منها إلى مشاريع قرارات، وفرصة تقييم أطروحة الحزب وتجديدها بما يناسب المرحلة والتطلعات، وفرصة تجديد برنامجه العام بما يحوله إلى منهاج فعال يحشد الهمم، ويرسم معالم عمل الحزب في مختلف المجالات وفق أطروحة جديدة قوية وفعالة.

إن إشراك جميع أعضاء الحزب في الاعداد الأدبي للمؤتمر الوطني، ينبغي أن يكون وفق مقاربة تشاركية شاملة وموسعة. وهذا يفرض إخراج ذلك الإعداد الأدبي من الضغوطات التي تحول دون إعطاء الفرصة للمناضلات والمناضلين للمساهمة بآرائهم وانتقاداتهم، ومقترحاتهم، في ورش الإعداد الأدبي للمؤتمر. وهذا يتطلب من جهة إخراج ذلك الإعداد من أي ضغوط كيفما كانت، وإعطاء الوقت الكافي لورش الإعداد الأدبي للمؤتمر ليكون في مستوى التطلعات.

إن ما سبق يفرض إعادة النظر في أجندة تنظيم المؤتمر العادي، فالحزب سيدخل غمار الإعداد للإنتخابات، وهذه الأخيرة تتزامن مع تاريخ تنظيم مؤتمره العادي، وتزامن الورشين سيكون واحد منهما على حساب الآخر. وبما أن الحزب لا يملك إمكانية الدفع بتاريخ الانتخابات، فالطبيعي أن ينظر في إمكانية تأجيل عقد مؤتمره التاسع بوقت يكفي لحسن الإعداد الأدبي بالشكل الذي يسمح بتحقيق التطلعات في ظروف طبيعية تضمن ذلك.

إن فكرة تأجيل عقد المؤتمر التاسع للحزب ليس بشيء جديد على تجربته، فقد سبق للحزب أن أجل مؤتمره الأخير لنفس الأسباب المباشرة القائمة اليوم. لكن الجديد الذي ينبغي تسطيره، هو أن يكون التأجيل على أساس دفتر تحملات واضح ودقيق يضمن تحقيق مرامي التأجيل المتعلقة بإعطاء الوقت الكافي لأبناء الحزب ليشاركوا جميعا في نقد وتقييم تجربة حزبهم، وتجديد أطره النظرية والعملية بما يستجيب لتطلعاتهم ويحقق أهدافهم. ويكون دفتر التحملات المشار إليه هو خارطة الطريق التي ينبغي على القيادة الالتزام بها في كل تفاصيلها.

إن الأساس الذي ينبغي على الحزب مراجعته في إطار فكرة تأجيل عقد المؤتمر لتحقيق أهداف الإشراك الواسع والشامل لأعضاء الحزب في عمليات النقد والتقييم، وعمليات تجديد أطروحة الحزب وبرنامجه العام، ونظام ديموقراطيته الداخلية، وفلسفته التنظيمية، وغير ذلك من القضايا الحيوية، هو منهجيته في الإعداد الأدبي. هذه المنهجية التي ينبغي أن تتأسس على شرطين أساسيين:

  • تخصيص وقت كاف للإعداد الأدبي للمؤتمر والذي لا ينبغي أن لا يقل عن سنة كاملة.
  • الإشراك الواسع (جميع الأعضاء) والشامل (في كل القضايا) .

وهذا يتطلب اعتماد مقاربة فعالة في تنظيم ورش الاعداد الأدبي بما يحقق الإشراك الواسع والشامل، وإنضاج تصورات وقرارات في ظروف طبيعية وتكون في مستوى التطلعات وما تفرضه المستجدات في الواقع.

الشرط الثاني، يتعلق بحسن استثمار مخرجات الحوار الداخلي الذي نظمه الحزب بدعوة من مؤتمره الثامن وقرار من مجلسه الوطني الذي تلاه. فعكس ما ذهبت إليه مبادرة النقد والتقييم من تبخيس للجهود فيه، فقد شكلت محطة ذلك الحوار فرصة ثمينة للنقد والتقييم، سمحت بتسليط الضوء على كثير من نقط القوة ونقط الضعف في عمل الحزب، وكذا الكثير من الفرص والتهديدات التي تحيط بعمله على مختلف الأصعدة. ومن الطبيعي في هذا الصدد أن يثار سؤالان كبيران حول تلك المحطة، يتعلق السؤال الأول بمدى تحقيق الأهداف التي رسمها المؤتمر لذلك الحوار، والتي جاءت في الفقرة الرابعة من بيانه الختامي، والتي تهم ثلاثة أهداف: الأول يتعلق بتوفير قراءة جماعية للمرحلة، والثاني يتعلق بترسيخ ثقافة سياسية مشتركة في التعاطي مع المتغيرات، والثالث يتعلق بتقييم شامل للمرحلة الفاصلة بين المؤتمرين السابع والثامن.

السؤال الثاني يتعلق بأشكال استثمار مخرجات الحوار الوطني تثمينا للجهود المبذولة فيه، وتحقيقا للغاية منه؟

وهذان السؤالان ينبغي، منطقيا وأخلاقيا، ان يشكلا مكونا أساسيا من مكونات أرضية أي تقييم لعمل الحزب في المرحلة الراهنة. وهذا يعني أيضا أن حصيلة ومخرجات الحوار الداخلي ينبغي أن تستثمر بشكل فعال في إغناء ديناميكية الإعداد الأدبي للمؤتمر التاسع وأن تصبا فيها.

وخلاصة القول إن الرهان الحيوي اليوم، بعد رفع رهان تحقيق نجاح مستحق في الانتخابات المقبلة بحول الله، هو الإعداد الأدبي الجيد للمؤتمر التاسع، والذي ينبغي أن يستند على ورش داخلي للحوار والنقد والتقييم، يتمتع بالوقت الكافي، ويستوعب جميع مناضلي الحزب، ويستثمر حصيلة الحوار الوطني، وتستجيب مخرجاته للتطلعات. وهو ما يفرض منطقيا تأجيل تاريخ انعقاد المؤتمر التاسع لوقت يكفي لذلك الإعداد الأدبي الجيد، ويحقق مطالب النقد والتقييم، ويعزز قوة الحزب الذاتية والسياسية والنضالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *