منتدى العمق

خواطر فوسفاطية 2‎

جاءت اللحظة الحاسمة، زملائي المتدربون كل واحد منهم أمام دفتي كراسته يستحضر المعارف المهنية لاجتياز المقابلة الشفوية مع مدير مركز التكوين الفوسفاطي، وجدتني منزويا إلى ركن ركين بالفصل، أنسج في ذهني ما سأقابل به أسئلة المسؤول الفوسفاطي في مقابلة هي أشبه باستنطاق داخل مخفر للشرطة، خصوصا وأني مررت بهذه اللحظة في مناسبتين سابقتين قبل أن تحرمني شعيرات ذقني من الالتحاق مبكرا بالمجمع. نصحني من ذي قبل أحد أفراد العائلة بأن أحلق ذقني إلى حين تثبيت القدم وترسيخها، وبعد ذلك أفعل ما أشاء.. آخر اقترح علي أن أقتزع من رأسي على شاكلة الملاكم “تايزن” حتى لا يشك أحد في تهمة الالتحاء.. صديق مقرب، قال لي إن الله إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون..لم أكن حينها أدرك أن ذقني مهم إلى هذا الحد.

مرّ الشطر الأول من المقابلة الخاص بالمعارف المهنية في جو مشجع كوني حديث عهد بالعمل الميداني في ذات الاختصاص…الآن دور المدير، أجلسني أمامه كالطفل الصغير، وكزني بنظرة ثاقبة قبل أن يزيل شفتيه عن أسنانه مبتسما في وجهي بمقدار غير مبالغ فيه، قال وهو يحافظ على ابتسامته غير البريئة؛ مؤهلاتك المعرفية في اختصاصك المهني تؤهلك كي تكون معنا هنا بالمؤسسة… فصمت برهة من الزمن، تاركا خيالي يجول حبوا في عالم المفاجآت الصادمة، قبل أن يفاجئني بالقول، فلماذا إذن هذا الذقن الكثيف، أجبته على مضض؛ بعض من الأجر سيدي، إن أراد الله ذلك… أوْمأ لي بكلمات لم أفهم مغزاها من قبيل؛ السلامة البدنية، نشوب الحرائق، إلى غيرها من الكلمات المشفرة، غير أن السيد المدير الذي أرسلني إلى الاختبار الطبي كان رحيما بي من غيره خلال المقابلات السابقة.

في الممر المؤدي إلى طبيب الشغل، جميعنا يجلس على صفائح من نار، إنه الطبيب الفوسفاطي الأكثر قساوة وشهرة في أوساط الفوسفاطيين إلى درجة أن أحدهم نفث في صدره حين ذكرته في محفل…أعترف وأنا أنتظر دوري، أن أطرافي لم تهدأ من الاهتزاز الصامت، إلى أن قصدني أحد الممرضين، رحمة الله عليه، وهو يحمل أنبوبا زجاجيا لإجراء تحاليل البول، قلت له في صمت كيف سأتبول وأنا محصر منه من شدة الخوف الممزوج بضراوة الترقب.

مرت مقابلة الطبيب في جو عادي، وإن كان قد أمرني بغلظة متناهية لم أتقبلها وقتئذ؛ انزع سروالك وانظر إلى السقف أعلاه!!
بعد ذلك جلست مع صديق طيب الخلق سيحكم عليه لاحقا فيكون فوسفاطيا قبل أن يُستأنف الحكم فيصير نقابيا، بعد ذلك ستضاعف له العقوبة فيصبح سياسيا…جلسنا نتفرس في نتائج الاختبار الطبي، فأسر لي زميلي بأن الطبيب اكتشف اعوجاجا خفيفا في أصبعه فطفق يتوسل إليه، غير أن الطبيب قال له إنك كغيرك من العمال تتمسكن حتى تتمكن وبعد ذلك أجدك أمام مكتبي معتصما إن رفضت في يوم من الأيام إعطاءك رخصة مرض في غير مناسبة…فقلت له إذن أنت اجتزت الاختبار بنجاح…

يتبع