أما بعد

أما بعد.. حكومة الصمت واللاتواصل

رئيس الحكومة

لعل رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني لما وصف حكومته بـ”حكومة الإنصات” خانته العبارة مرة أخرى حيث كان يقصد القول “حكومة الصمت”، أو لربما كان الانزياح عن الأول إلى الثاني مستدعيا قدرته المجازية، فكان ذاك منه تعبيرا بليغا عن نوع التواصل الذي اختارت حكومته نهجه، وفي كلتا الحالتين فقد أثبتت الحكومة الحالية استحقاقها للتنافس على عرش “أسوأ الحكومات تواصلا في تاريخ المغرب”.

لقد اختارت الحكومة منذ تعيينها مواجهة معظم الملفات التي تحظى بالاهتمام الواسع للمواطنين بالصمت والسكوت، وإذا تحدثت اختارت تواصلا رديئا، فاتحة الباب على مصرعيه للإشاعة والخوف والتأويلات الكثيرة، وعلى رأس هذه القضايا: “تدبير جائحة كورونا”، وأزمة “المغاربة العالقين في الخارج”، و”أحداث العرجة”، و”لقاح كورونا”، و”تعنيف الأساتذة المتعاقدين”، و”قطع العلاقات مع ألمانيا”، “وإغلاق معبري سبتة ومليلية”… وغيرها من القضايا التي لا يسع المجال لحصرها.

ففي تدبير الجائحة مثلا، لا يمكن أن ينس المغاربة توالي بلاغات منتصف الليل للإخبار بقرارات ستطبق في الصباح الموالي، أو بعد ساعتين مثل بلاغ عيد الأضحى الذي تسبب في حوادث سير وإزهاق أرواح، وهي السياسة التواصلية ذاتها التي مازالت الحكومة تدبر بها الجائحة حيث مازالت مصرة على عدم الوضوح، وترك المواطنين ينتظرون الأسبوعين تلو الأسبوعين، دون تقديم أي توضيح أو شرح للمغاربة الذين ضاقت حياتهم اليومية حول علاقة التصدي للوباء بالإغلاق في الثامنة مساء بالتحديد، أضف على ذلك الصمت الطويل عن التساؤلات عن الزوبعة المثارة حول لقاح أسترزينكا وهل سيستمر المغرب في استعماله أم سيأخذ احتياطات ما بعد التطورات التي شهدتها البلدان الأوروبية.

وفي الوقت الذي مازلت غصة المغاربة العالقين في الخارج عالقة في حلق من علق من بقي في الوطن، أبت الحكومة إلا أن تعيد في الذكرى السنوية الأولى للفضيحة صناعة فضيحة مماثلة، إذ بإغلاقها الحدود مع بعض الدول مؤخرا تكررت أحداث السنة الماضية، ووصلت حدتها هذا الأسبوع باحتجاج العالقين في تركيا، هذه الدولة التي سارعت حكومته إلى إجلاء مواطنيها ومواطني دول أخرى من المغرب منقذة إياهم من تبعات إغلاق الفجائي والذي أعلنته سفارات الدول الأخرى قبل حكومة العثماني رغم أنها صاحبته.

أما إذا وصلنا إلى الأزمة التي افتعلتها الجزائر في الحدود على مستوى إقليم فكيك، وطردها لمزارعين من أراضي أجدادهم، فلا يمكن أن نصنف مستوى تواصل الحكومة سوى في خانة “الفضحية” و”الشوهة” و”الفشل المبين”، حيث ظل المغاربة لعشرة أيام كاملة، وهي المدة التي أعطتها للجزائر للمزارعين للمغادرة، ينتظرون من الحكومة تفسير ما يقع، وشرح ما دخل الجزائر في أراضي المغاربة؟ وما دور الحدود؟ وهل توجد أصلا أم لا؟ وغيرها من الأسئلة التي كان يجب أن تكون من دروس مقررات مادة الاجتماعيات وتلقن لكل المغاربة قبل أن يصدمهم بها الجيران، غير أن الحكومة إلى غاية كتابة هذه الأسطر مازالت تمارس فعل “الإنصات” الذي تحدث عنه الدكتور سعد الدين العثماني.

بل إن الأغرب في قضية العرجة، هو صدور بلاغ مقتضب غير شارح للوضع من طرف السلطة الإقليمية وليس الحكومة، رغم أن القضية تتعلق بقضية سيادية وحدودية، ويمكن أن تتطور إلى الأسوأ لا قدر الله، جميع المغاربة في حاجة للاطمئنان وفهم الملف، وليس لمنع الصحافيين من أخذ تصريحات المواطنين المتضررين والسعي نحو التعتيم على الملف.

إن مآلات الصمت واللاتواصل الغريب للحكومة، والذي لو أردنا إحصاء أمثلته لكفى لتأليف كتاب من عشرين مجلدا، لن يخدم سوى مزيد من فقدان الثقة في المؤسسات وهي الثقة التي باتت تقارب خط الانعدام، ولن تخدم سوى عشاق الإشاعة وتزوير الحقائق، وحتما فإنها تنسف كل ما بناه المغرب في ترسيخ الحق في المعلومة، كما أنها بلا شك ستزيد من حدة التوتر والاحتقان الاجتماعي الذي سار يأخذ منحى تصاعديا، ولن يتناقص ما دام السيد رئيس الحكومة مستعد للجولات المكوكية لإقناع أعضاء حزبه بطرحه في الخلاف الداخلي، وغير آبه بالخروج إلى الإعلام لشرح الملفات المثيرة للتساؤلات، وغير قادر على السفر أو فتح مكتبه على أضعف الإيمان للحوار مع محتجي الفنيدق، ومتضرري قطاع السياحة، والأساتذة أطر الأكاديميات… الخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *