أدب وفنون

الحمداوية.. فنانة عاصرت ثلاثة ملوك وعذبها وسجنها الاستعمار الفرنسي

ابنة اعويطة

بعد أكثر من 71 عاما من العطاء داخل الساحة الفنية المغربية ترجلت اليوم صاحبة “حاضية لبحر لا يرحل” عن صهوة الحياة تاركة وراءها إرثا فنيا وازنا سيعمر لقرون.

الحمداوية والبدايات

دخلت الحمداوية المعروفة لدى المغاربة بالحاجة الحمداوية المجال الفني في سن الـ19 من عمرها من خلال باب المسرح حيث انضمت لفرقة الفنان الراحل بوشعيب البيضاوي، الذي اكتشف جمال بحة صوتها أثناء تجسيدها لأدوارها على الخشبة.

لم تكن تعلم أيقونة العيطة المغربية التي ورثت عشق المجال الفني عن والدها، الذي كان يحرص على إحضار الشيخات في جميع المناسبات، أنها ستحفر اسمها بقوة في المجال وأنها لن تفارقه إلا قبل أشهر قليلة على ضعف جسدها وخروج روحها.

الحمداوية والسجن

كان للحاجة الحمداوية دور بارز في مرحلة الاستعمار الفرنسي، حيث عملت من خلال “العيوط” سلاحها الفني على الدفاع عن بلدها وحشد همم المغاربة والمقاومين وتحفيزهم.

تعرضت أيقونة الفن المغربي للاعتقال والتحقيق عدة مرات على يد الاستعمار الفرنسي، حيث كان يتم استجوابها بعد إصدارها لكل أغنية من أجل الوقوف على معاني كلماتها والهدف من ورائها.

سُجنت الفنانة الراحلة وذاقت مرارة التعذيب بعد إصدرها لأغنية “آش جاب لينا حتى بليتينا آ الشيباني.. آش جاب لينا حتى كويتينا آ الشيباني”، وذلك بسبب اتهام سلطات الاستعمار لها بذم “ابن عرفة” الذي كانت قد عينته فرنسا سلطانا على المغرب بعد نفي الملك الراحل محمد الخامس.

غادرت الحمداوية المغرب باتجاه فرنسا بحثا عن الأمان بعدما ضاقت درعا بالتضييق الذي كان يفرض عليها وزملائها الذين يغنون “العيوط”، قبل أن تقرر الرجوع بعد عودة السلطان محمد الخامس من منفاه نتيجة عدم توقف المضايقات تجاهها.

عاصرت ثلاثة ملوك

بدأ نجم الحاجة الحمداوية يسطع ونجاحاتها تبرز وشهرتها تتزايد بين عموم المغاربة بعد استقلال المغرب، حيث جالست الملوك في قصورهم وأطربتهم بأغانيها الوطنية.

عاصرت الحمداوية الملك محمد الخامس، والحسن الثاني، ومحمد السادس، وشاركت في عدد من الحفلات الخاصة لأهم رجالات الدولة منها إحياء حفل زفاف الملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد.

 الحمداوية والأمومة

تزوجت الحاجة الحمداوية وهي في سن الـ17 من عمرها زواجا تقليدا أثمر ابنها الوحيد “إدريس” قبل أن تنفصل عن والده وعمرها 19 عاما.

فقدت أيقونة العيطة المغربية فلذة كبدها الوحيد في أكتوبر 2017 بعد معاناته مع داء السكري تاركا وراءه أحفاد يذكرونها به ويؤنسون وحدتها.

منذ أربع سنوات والمقربين من الحاجة الحمداوية يعلمون أنها ماتت روحيا مع وفاة ولدها الذي كان يحرص على مرافقتها في جميع حفلاتها داخل وخارج المغرب، فلم تستطع المرأة التي لم تهب الاستعمار الفرنسي والسجون والتعذيب، مقاومة إحساس فقدان ابنها الوحيد.

الضعف بعد القوة

لم تكن تتوقع الفنانة التي ذاع اسمها المغرب وتداولت أغانيها أجيال أن يتسبب السرطان اللعين بالنيل من جسدها ويختم نهايتها.

أصيب الحمداوية بسرطان الدم خلال سنواتها الأخيرة، ما تطلب ولوجها للمستشفى بشكل دائم حيث كانت تعمل على إضافة الدم كل أسبوعين بمستشفى الشيخ زايد بالرباط من أجل البقاء على الحياة.

قاومت أيقونة العيطة المغربية المرض وتجاهلته لمدة طويلة فحرصت على الاستمرار في التواصل مع جمهورها وامتاعه بوقفتها الشامخة المعتادة أمامه وهي ترتدي القفطان وتحمل “البندير”، قبل أن تقرر في غشت 2020 الاعتزال قائلة أمام الصحافة “أنا عييت”، وتعلن ترك جميع أعمالها الفنية لكزينة عويطة من أجل التصرف فيها كما تشاء.

لم يمنح السرطان الفنانة التي تداولت إشاعة وفاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا، المزيد من الوقت حيث تعرضت الخميس 1 أبريل لوعكة صحية خطيرة نُقلت على إثرها لقسم الإنعاش بمستشفى الشيخ زايد بالرباط، لتخرج منه بعد ذلك جثة هامدة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *