وجهة نظر

ماذا لو افترضنا أن لكل حزب “جمعية جود للتنمية”

المنافسة السياسية، هذا العنوان، فاقع لونه يسر المراقبين في العمل السياسي، لأنه يرقى به إلى إيجاد كل ما فيه المنفعة للبلاد والعباد. لكن للأسف هو عند البعض محدد في عمره بقرب الانتخابات ليتحول من المنافسة السياسية إلى المراقبة السياسية، (وللمعلومة فالمراقبة تقتضي التجسس على عمل الغير في حين أن المنافسة تقتضي الإبداع وخلق الفرص), وما تعرفه الأحزاب السياسية في زمن العشوائية في تدبير شؤونها الداخلية هو عنوان عريض للفراغ التأطيري للعمل السياسي، مما دعا إلى النفور وانعدام الثقة من المواطن المغربي لكل ما من شأنه أن يرتبط بالسياسة، حيث أصبحت عنوانا للانتهازية واستغلال النفوذ.

لقد صار أي نموذج تحفيزي في عصر الانكماش السياسي، عنوانا كذلك للاستغلال واستدراج المواطن، وهو ما دأبت على ترسيخه بعض التصرفات الارتجالية من حيث ردة الفعل المضاد لكل ما من شأنه أن ينسب للعمل الحزبي، على يد بعض الأمناء والرؤساء الحزبيين الذين امتهنوا وظيفة الترقب للركوب على الحدث، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على غياب تصور استراتيجي لما هو تحدي في تسيير شؤون البلاد والعباد، وغياب لما هو طرح للحلول الجادة والقوية بإبداء الأفكار البناءة ذات التوجه المنقد من الهبوط نحو السكتة القلبية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا في وطننا الحبيب المغرب. وهذا ما كشفت عنه الحركة الخيرية التي تتبناها ( جمعية جود للتنمية ). وحيث لا يقال بلغة الانتساب للحزب أو الجمعية أنها هي المحفز في كتابة هذه الأسطر، وحتى لا يقال بالنعت المجاني والاتهام بالاستئجار، نقف على افتراضات تضع نفسها في لغة المصلحة العامة للتقييم، وتعتمد على :

– افتراض التعميم : والقصد من ذلك، أن يكون لكل حزب جمعية كبيرة في تدبيرها، تهدف إلى فك العزلة الاستهلاكية عن الفقراء وخاصة أصحاب المعيش اليومي، الذين انهكوا في زمن كورونا نفسيا وماديا، مما سيدفع بكل حزب أن يستثمر جهدا لا بأس به في تجويد العمل الخيري المؤسساتي، ليبقى في الأخير المنتفع الأول والأخير المواطن المغربي. وقاعدة العمل الخيري في هذا المنحى ستنعكس إيجابا على كل المشاريع السياسية التي تتبناها الأحزاب تحت غطاء المثل المغربي ( عمل الخير ونساه ).

– افتراض زعماء يجيدون القيادة : وهذا المعنى فرض نفسه للمناقشة من خلال السؤال التالي، هل قيادة الحزب تحتاج إلى شروط؟ نعم تحتاج، حيث يفترض أن تكون الزعامة الحزبية ذات قوة اقتراحية وفي نفس الوقت قوة استشارية، لأن النخب في الممارسة السياسية بدأت تتغير ملامح قناعاتها في فهم السياسة، وهذا يولد قناعات داخل الأحزاب تتجذر تدريجيا نحو الاختلاف مستقبلا، رغم موافقتها على سذاجة التصور الحالي في التدبير الداخلي، وهو ما يضع تاريخ الكثير من الأحزاب للموت تحت رحمة بزوغ فكر سياسي جديد يفرض نفسه في زمن التقلبات الداخلية والتأثيرات الخارجية، فالقيادات الحالية ( إلا ما رحم ربي ) صورية المشهد، فارغة المحتوى لا تقتنع بنفسها في الغالب الأعم، فكيف ستعكس الاقتناع بقوتها في المستقبل، فالسياسة إن عانت من فراغ الزعامة، صارت هوائيات تسبح في الفضاء الخارجي البعيد عن تطلعات الناس ومتطلباتهم.

– افتراض ما سيكتبه التاريخ: القاعدة التي تخفى علينا في الغالب الأعم، أننا نكتب ما سيشهده التاريخ علينا في المستقبل عند أجيالنا، فإما أن تكون شهادة يحصد المقربون ثمارها أو يشربون علقم مرها، فالأحداث في التاريخ تتكرر فيما هو عام وتختلف فيما هو خاص، والعمل الخيري سيف ذو حدين وخاصة عندما يقترن بالمؤسسات، لذا فإن كل مؤسسة معنية بضبط مقومات السند المادي لعملها، دون النظر لما هو شخصي، وللأسف أن النموذج الذي وضع للنقاش وخلق البلبلة حوله من طرف رؤساء وأمناء الأحزاب، ذهب لما هو شخصي وليس لما هو مؤسساتي، ما يفيد أن المغزى هو الاستهداف السياسي، في حين كان من باب أولى طرح البديل الخيري باسمهم دون استحضار ما هو سياسي.

– افتراض العمل السياسي البناء: وهي المعادلة التي يحن الشباب والغيورين على وطننا إيجادها في كلمة السياسة، فالعمل السياسي البناء هو العمل الذي يضع استهداف الأشخاص إلى بديل صناعة الأفكار، ومن تزييف الحقائق إلى تصحيح النقائص، ومن كثرة الكلام إلى جودة العمل، ومن الجبهة( تسنطيح ) إلى البرامج الواعدة التي تحافظ على لحمة المواطنة، ومن الحسابات الذاتية إلى الحسابات المواطنة، ومن الاستفادة الكلية إلى الاستفادة الجزئية والكل للدولة والوطن.

– افتراض التبعية المؤسساتية: أن يكون فرضا لكل حزب جمعيته الخيرية فهذا ليس عيبا ما دام مقترن بالعطاء، فكيف إن كانت الجمعية منتسبة لشخص أو أشخاص يمارسون السياسية، فهل ستحاسب المؤسسة بنتائجها أم بمنتسبيها، وهذا هو عين الخلط الذي يستسيغه المنشغلون بهموم الانتخابات، حيث يختلط عندهم الفهم بين استهداف الشخص أو استهداف المؤسسة، وفي الغالب الأعم يلتفت الكثير على المؤسسات رغم امكانية استقلالها للضرب في شخص منتسبيها تحت شعار ( إياك أعني ) وهو إن دل على شيء يدل على، ضرب العمل الخيري دون احتساب عواقب غيابه وآثاره على المنتفعين منه، وضرب الشخص المعني على أمل قسم إرادته السياسية في تفعيل قناعاته وممارسته واقعيا.

ليث لكل حزب ( جود )، لكان المغربي في استفادته أن يجود مما جاد عليه أهل الجود، لأن روحه تاريخيا طباعها الخير والعطاء، فبئست السياسة التي تنخر مكارم الجود، وبئس السياسيون الذين يحاربون أنفسهم قبل غيرهم.

* د.عبدالله أبوعوض أستاذ باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة عبدالمالك السعدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *