وجهة نظر

علاقتي مع الطبيب: بين التقدير والخوف من الاستغلال

عاش مغربنا و المواطنون في الماضي القريب علاقات كلها ثقة مع مستوصف الحي و تلك الممرضة و ذلك الممرضو ذلك الطبيب الذين يعرفهم سكان الحي بالاسم و الذين يحظون باحترام كبير. ماذا حصل خلال السنين الأخيرة؟ ضاعت الثقة و ارتفعت أسعار الولوج إلى الخدمات الصحية و ظهرت الرشوة و المحسوبية كمفاتيح للإستفادة من خدمات صحية و أصبح “هروب ” بعض الأطباء خلسة إلى القطاع الخاص مجرد سلوك عادي .ظهر قطاع خاص في مجال العلاجات داخل مستشفيات خاصة و ظهرت معها مساحات لم يتمكن القانون من تأطيرها. و هكذا تحولت فاتورة استشارة طبيب ” فرنسي أو مغربي” من مبلغ 20 درهما في السبعينيات إلى مبالغ مبالغ فيها بالنسبة للكثير من أصحاب الدخل الضعيف و المحدود.. و أصبح بعض الأطباء خداما للمختبرات الطبية و أصحاب المقاولات المتخصصة في التحليلات و كافة أنواع الصور عالية الدقة و العمليات الجراحية بأسعار لا تخضع لأية مقاييس قانونية.

لا يمكن اعتبار جميع من يشتغل في القطاع الخاص الطبي سماسرة و متسابقين من أجل الاغتناء السريع و لكن بعض الممارسات في هذا القطاع تبين جشع من أدوا القسم إثر تخرجهم من كليات الطب. هذا الجزء من الكل بما فيهم أولئك الذين يشتغلون في جنح الظلام داخل المصحات الخاصة في الوقت الذي كان يجب عليهم أن يتواجدوا في المستشفيات العموميةزاغوا عن الطريق فنسوا أنفسهم و مواطنيهم . و هؤلاء يرتكبون انذل الخطايا حين يتخلون عن واجبهم المهني و يتركون مرضاهم عرضة لليأس و يشترطون الأداء عدا و نقدا حتى يفلتون من التصريح بمداخيلهم الحقيقية.د أمام الضرائب. و قد تجد بينهم متشدقين بالمبادىء و أصحاب الخطب الرنانة حول حق المواطن في الصحة. و لأن المنافقين لا يمكن ضبط أعمالهم بسهولة، فقد تمكنوا من السيطرة على مؤسسات تمثيل المهنيين و من آليات مواجهة الدولة حين يتعلق الأمر بأداء الضرائب. و لعل مشهد المشادة الكلامية بين الكاتب العام السابق لوزارة الإقتصاد و المالية و ممثلي القطاع الخاص الصحي خلال المناظرة الضريبية الأخيرة خير مثال على حساسية موقف مؤسسات القطاع الخاص الطبي اتجاة موضوع الشفافية.

و سيظل السؤال المركزي هو ذلك الذي يتعلق بغياب منظومة لحماية المواطن المستهلك للخدمات الطبية من جشع جزء هام من مؤسسات هذا القطاع الخاص. لا زال المنكرون لما يسمى ب” النوار ” أي ما يدفع نقدا و لا يظهر على الفاتورة أسياد لحظات الضعف التي يستغلها ضعاف النفوس و هم لحسن الحظ جزء من جسم لازال فيه من يؤمن برسالة الطب . أن تكون من الأقلية المستفيدة من التأمين الإجباري عن المرض، فهذا لا يقي من السقوط بين أيادي مافيا لا يهمها إلا الربح السريع. و لا أتكلم هنا عن مجرد معطيات استقيتها من مصادر موثوقة جدا بل كذلك مما عشته عن قرب حين شاء القدر أن أضطر إلى السعي للاستشفاء في مؤسسات خاصة ، لا أراكم الله مكروها و لكن وجب إتخاذ الحيطة والحذر و مواجهة من تنكروا لمبادىء ممارسة الطب. “النوار ” حقيقة ” شاء من شاء و أبى من أبى وتتطلب حماية للمواطن من طرف أجهزة الدولة و منظمات المجتمع المدني. هنا وجب التأكيد على ضعف مراقبة الدولة لمؤسسات القطاع الخاص. و لعل الداخل إلى مستشفى عمومي قد سمع بعض الأطباء ينصحونه بالذهاب إلى مصحة خاصة لكي يتمكن من السهر على علاجه بوسائل أكبر و أنجع. و لعل نفس هذا الداخل قد يفاجأ بفاتورة انتفخت فجأة لتضم تحليلات و صور و حتى قارورة ماء بسعر فنادق خمسة نجوم و قد تكون تلك التحليلات و الصور بالسكانير أو غيره غير ضرورية أصلا. و المجربون كثر في هذا المجال.

و للتذكير يقدر مبلغ مداخيل القطاع الخاص من مؤسسات التأمين الإجباري عن المرض بحوالي 85% من مجموع الاداءات. و إذا أضفنا إلى هذا المبلغ ما تصرفه وزراة الصحة في مجال الاتفاقيات بين القطاع العام و الخاص و التي تهم عل سبيل المثال إحراق النفايات و عمليات تصفية الدم و اقتناء الأدوية و خدمات التحليلات فنصل إلى مستويات كبيرة جدا. لكل هذا أصبح من الضروري تنظيم مناظرة وطنية ثالثة للصحة في بلادنا. لقد أظهرت جاءحة كوفيد أن قطاع الصحة يحتاج إلى كثير من الحس المواطناتي و الضبط الجباءي. استشارني أحد الأطباء في موضوع حجم الضرائب التي طلب منه أن يؤديها. أظهرت له إستعدادي للدفاع عن أي شطط يصيبه و نصحته بالإتصال بمديرية الضرائب. و بعد فترة إتصل بي ليكشف لي عن مدى إطلاع هذه المديرية على كافة مداخيله و ما تم اقنتاؤه من عقاري و سيارات و أشياء أخرى . نصحته بالتصريح بكافة عملياته و مداخيله و أنا أعلم بمدى حرصه على أداء واجبه نحو وطنه، فقام بتصفية وضعيته الضريبية.

و سألت مدير الضرائب عن حماية المواطنين من طغيان قواعد الضريبية، فقال لي أن الأهم هو حماية دافعي الضرائب و ضمان تقوية حقوقهم و لكن الواجب المقدس هو تطبيق ما ينص عليه الدستور من توزيع عادل لتحمل الأعباء المالية من طرف كافة المواطنين لضمان استمرارية العقد الإجتماعي. و وللتوضيح يجب القول أن مداخيل الضريبة لا تتحمل سوى حوالي 60% من مداخيل الدولة. أما الباقي فجله لجوء إلى المديونية. و للعلم فإن نسبة المديونية إلى الناتج المحلي الإجمالي يتجاوز حاليا أكثر من 90%. من تهرب من الضرائب مجرم يسرق حق مواطن في الإستفادة من حقوقه. الموضوع كبير و الرجوع إليه استراتيجي بكل المقاييس لأن صحة المواطن أمانة في عنق الدولة و الأحزاب و المجتمع بكافة مكوناته. و تظل حكامة القطاع أولوية في ظل تزايد ما يتم تخصيصة من ميزانيات هامة لا يظهر أثرها على الخدمات الطبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *