وجهة نظر

المقاولات والمؤسسات العمومية: وأخيرا قد يبدأ الإصلاح

قيل منذ سنين ان المقاولات و المؤسسات العمومية تشكل دولة داخل الدولة و هذه حقيقة بالنسبة لكثير من المحللين و الفاعلين السياسيين. تعددت الخطابات و التقارير التي توخت إصلاح منظومة عمومية تفعل في الإقتصاد بفعل حجم رأسمالها و عددها و تدخلاتها القطاعية و تأثيرها على سوق العمل و أسواق المال. يكفي أن نذكر القارىء أن صندوق الإيداع و التدبير و مجموعة القرض الفلاحي و القرض العقاري و السياحي و المكتب الشريف للفوسفاط و الصندوق المغربي للتقاعد و الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و كثير من المؤسسات تشكل إحدى مكونات القطاع العام و أن الرقم الإجمالي لمعاملاتها يكاد يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي أي ما يتجاوز 1000 مليار درهم بكثير وأن استثماراتها تفوق ميزانية إستثمار كل الوزارات.

و رغم كل هذا لا زالت المقاولات و المؤسسات العمومية تشكل ثقلا ماليا على الميزانية العامة. ففي الوقت الذي تظل فيه تحويلات هذه المقاولات ضعيفة بالنسبة لمجموع موارد الميزانية ، تقوم الدولة بصرف مبالغ ضخمة على شكل تحويلات لفائدة عدد كبير من المؤسسات العمومية. و الإيضاح فقد بلغت تقديرات قانون المالية لسنة 2021 بخصوص موارد الدولة التي سوف تستخلص من هذه المقاولات مبلغا سوف يقترب من حوالي 15 مليار درهم سوف تزيد مصاريف الدولة على هذا القطاع ضعف المبلغ الوارد في توقعات الموارد المذكورة.

الوضع يدعو منذ عقود الى القلق و كثير هي التقارير التى أوصت بإعادة النظر في حكامة مقاولات و مؤسسات يقال أنها تابعة للدولة و مندمجة في رؤيتها الإستراتيجية و لكنها تظل سجينة أساليب تدبيىرية اكل الدهر عليها و شرب. و لكل هذا وجه عاهل البلاد بضرورة إعادة النظر في حكامة هذا القطاع برمته. و وصل مشروع قانون إلى البرلمان و تم التعامل معه بسرعة قد لا تبشر بخير في نهاية ولاية تشريعية. ولأن الأمر يتعلق أساسا بالحكامة، فقد جاء في مشروع القانون الذي تم التصويت عليه في قراءة أولى إحداث وكالة للتدبير الإستراتيجي لهذا القطاع المهم الذي يشكل أكبر مساهم في الكثير من القطاعات الإنتاجية في كافة القطاعات.

و نظرا لأهمية الموضوع و راهنيته فقد قدمت الحكومة آليات التغيير المطلوب في شكل قانون إطار و وكالة للتدبير الإستراتيجي أوكلت إليها الكثير من المهام الخاصة بتتبع التدبير الإستراتيجي. و قد بين وزير المالية و الإقتصاد و إصلاح الإدارة أن الإصلاح المزمع فتح ورشه يمتد على خمس سنوات و يتعدى الجانب الرقابي ليشمل الدور الإستراتيجي في مجال حكامة طلبها الجهاز التشريعي و أوصت بها مؤسسات رقابية و أشار إليها تقرير لجنة النموذج التنموي .

أن يفتتح ورش إصلاح المؤسسات و المقاولات العمومية، فهذا جميل جدا . و لكن الأمر يتطلب الكثير من الكفاءة و الحكمة و المشاورات مع من يعرفون هذا القطاع عن قرب. ليس من سمع كمن رءى. صحيح أن تجربة الخصخصة خففت في كثير من الأحيان ضغط التحويلات عن ميزانية الدولة، ولكن الكثير من المقاولات و المؤسسات العمومية عاشت خارج سلطة الحكومة لعقود. و قد جرب الكثير من الوزراء حالات تجاوز مديري المؤسسات العمومية لتوجيهاتهم و عدم خضوعهم لوصاية الوزارات بل و إعلان العصيان في كثير من الأحيان على السلطة التنفيذية. و قد أبانت أزمة بعض هذه المؤسسات عن الهشاشة التمويلية لجزء كبير منها و لجوءها لطلب المال العام في إطار “عقد البرنامج”.

و لكل ما سبق ظهر جليا أنه أصبح ضروريا إعادة النظر في الحكامة. و كان للتوجيه الملكي الخاص ” بمثالية المؤسسات ” في التدبير أثر في إنعاش فكرة الإصلاح. و لكي تتحول الفكرة إلى ورش حقيقى وجب القطع مع الحرية المطلقة التي حظي بها مدبرو المقاولات و المؤسسات و تأطير عملهم بمقاييس المحاسبة و التقييم و مدى بلوغ الأهداف. إنه المال العام يا سادة. ضياعه عنوان لضياع منظومة قيم و مبادىء تشكل ذلك البنيان القوي الذي نفتخر بكونه وطننا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *