وجهة نظر

أي دور لمغاربة العالم في النموذج التنموي الجديد؟

تطرق تقرير النموذج التنموي الجديد إلى الكثير من المفاهيم والاقتراحات، لكننا سنركز على مفهومين جديرين بالاهتمام. هذان المفهومان يشكلان لبنة أساسية في أي تنمية منشودة. نتحدث عن مفهوم “إطلاق الطاقات” ومفهوم “الميثاق الوطني للتنمية”. إطلاق الطاقات هو مفهوم يرتكز على أساس توفير المناخ المناسب لكي تشتغل الكفاءات وتتمكن من العمل بكل طاقتها وقوتها. لكن هذا الهدف لن يتحقق إلا إذا استطاع النموذج التنموي الجديد تحويل إطلاق الطاقات من مجرد مفهوم إلى منظومة تُوفر عوامل النجاح. أما مفهوم الميثاق الوطني للتنمية فمن شأنه خلق تعبئة عامة لتنخرط كل شرائح المجتمع في مشروع التنمية، وتشكل دفعة شاملة وقوية للنموذج التنموي.

النموذج التنموي هو مشروع يهم الوطن وليس مرتبطا بالرقعة الجغرافية للبلد، وإنما يشمل المغاربة سواء داخل الوطن أو في بلدان المهجر. وبذلك نقول إن مغاربة العالم لهم دور كبير في النموذج التنموي الجديد وذلك لاعتبارين اثنين: الاعتبار الأول يتجلى في كون مغاربة العالم مرتبطون بوطنهم، وعلاقتهم مع بلدهم الأصلي تزداد كلما ازداد بُعدهم عن بلدهم سواء البعد الجغرافي أو البعد الزمني أي المدة التي قضاها المهاجر في المهجر. الاعتبار الثاني يتلخص فيما راكمه مغاربة العالم من تجربة وكفاءة، خاصة وأنهم في الغالب مستقرون في بلدان متقدمة وصناعية، وهو ما يجعلهم يراكمون تجارب كبيرة كلٌّ حسب موقعه. وإذا استحضرنا اندماج مغاربة العالم في بلدان المهجر وما حققه البعض منهم من مواقع متميزة في مجالات مختلفة سواء في البحث العلمي أو الاستثمار بل حتى مناصب سياسية كالتمثيلية في البرلمان وباقي المؤسسات السياسية… إذا استحضرنا هذا الواقع يتضح لنا بشكل جلي القيمة التي يمكن أن يضيفها مغاربة العالم في النموذج التنموي الجديد.
ننتظر من النموذج التنموي الجديد إعطاء دور جديد لمغاربة العالم يتجاوز الدور الحالي الذي يتجلى أساسا في جلب العملة الصعبة لبلادنا. والمواقع التي يشغلها مغاربة العالم في بلدان الإقامة، تجعل بإمكانهم لعب دور كبير في تنزيل النموذج التنموي الجديد وتطوير أداء البرامج التنموية في بلادنا.

إذا أخذنا بعين الاعتبار هذا الواقع الذي تَمكَّن مغاربة العالم من تحقيقه في بلدان الإقامة، يمكننا أن نُلخِّص دور هؤلاء في النموذج التنموي الجديد في ثلاث دعامات: الدعامة الأولى تتجلى في الاستثمار المباشر في المغرب، سواء بالاستثمار مع الاستقرار في المغرب أو خلق فرع استثماري في بلدهم الأصلي. الدعامة الثانية تتلخص في تشجيع المناولة(la sous traitance) مع الشركات المغربية وخاصة الصغرى والمتوسطة. مواقع المسؤولية التي تتحملها بعض كفاءات مغاربة العالم في كثير من الشركات العالمية، تجعلها في مراكز تسمح لهم بخلق شراكة مع الشركات المغربية وإسناد لها بعض المشاريع في إطار علاقة المناولة. الدعامة الثالثة تتعلق بجلب بعض كفاءات مغاربة العالم في مجالات يحتاجها المغرب، وإسناد لهم مسؤوليات مباشرة في مؤسسات الدولة لتطوير قدرات هذه المؤسسات وجعلها تستفيد مما وصلت إليه البلدان الصناعية والمتقدمة.

أكيد أن لمغاربة العالم دور كبير في النموذج التنموي الجديد، لكن نجاح هذا النموذج في الاستفادة من كفاءات وطاقات هؤلاء، يتطلب أولا توفير المناخ السليم لهم، حتى يكون هذا النموذج الجديد عامل جذب واستقطاب للكفاءات. فالذي نشأ في بلاد متقدمة يكون قد انسجم مع طريقة معينة في التعامل وفي خدمة الإدارة وألف جوا مساعدا على الاستثمار. ولعل تجربة الهند في الاستفادة من الكفاءات الهندية المستقرة في البلدان الصناعية، جديرة بنسخها واعتمادها في النموذج التنموي الجديد. باختصار، قامت الهند بتشجيع مواطنيها في المهجر على الاستثمار في بلدهم، لكنها تعرف جيدا أن الإدارة الغارقة في البيروقراطية تشكل عائقا كبيرا أمام هذا الهدف. فقامت الحكومة الهندية بإنشاء مؤسسة خاصة بتتبع مشاكل جاليتها في الخارج التي تريد العودة والاستثمار في بلدها، وجعلت هذه المؤسسة تابعة مباشرة لرئيس الحكومة لتكون لها سلطة قوية على حل المشاكل التي يمكن أن تعيق رجوع المهاجرين إلى وطنهم.

ولعل استقبال جلالة الملك لبعض كفاءات مغاربة العالم، وإنصات جلالته لعروضهم حول مشاريعهم المستقبلية، يعكس إرادة سياسية من هرم الدولة لجعل مغاربة العالم جزءا لا يتجزأ من النموذج التنموي الجديد. فأهلا وسهلا بمغاربة العالم، وأهلا وسهلا بهم في النموذج التنموي الجديد الذي سيجعلهم يحتلون مكانة كبيرة في تنمية البلاد لا تقتصر على جلب العملة الصعبة، بل تتعداه إلى شراكة موسعة تشمل جميع جوانب التنمية.

* باحث في التنمية وتكنولوجيا المعلومات والإتصال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *