منوعات

10 صراعات مرتقبة في عام 2017.. ماذا عن المنطقة العربية؟

يدخل العالم الزمن الأكثر خطورة منذ عقود. فالتنامي الحاد للحروب على مدار السنوات الأخيرة يفوق قدرتنا على مواكبة تبعاتها. بدءاً من أزمة اللاجئين العالمية، وصولاً إلى انتشار الإرهاب، يؤدي فشلنا الجماعي في حل تلك الصراعات إلى ظهور تهديداتٍ وأزماتٍ جديدة. وحتى في المجتمعات التي يسودها السلم، تتسبَّب السياسات القائمة على التخويف في الاستقطاب الخطير والديماغوغية.

وفي ظل كل ذلك، جاء انتخاب دونالد ترامب رئيساً مقبلاً للولايات المتحدة، وهو بلا شك أهم أحداث العام الماضي، وستكون له تبعاتٌ جيوسياسية بعيدة المدى في المستقبل. وقِيل الكثير حول الغموض الذي يحيط بأجندة السياسة الخارجية الخاصة بترامب. لكن أمراً وحيداً نعلمه هو أنَّ حالة عدم اليقين في حد ذاتها قد تكون عاملاً مزعزعاً للاستقرار، خصوصاً عندما تمتد تلك الحالة لتشمل الفاعل الأقوى على الساحة الدولية؛ الولايات المتحدة.

لا إجابات

وبالفعل، يدرس الحلفاء القلقون من أوروبا إلى شرق آسيا تهديدات ترامب الرسمية، وتلك التي يطلقها في تغريداته على تويتر. هل سيعقد صفقةً مع روسيا على حساب الأوروبيين؟ هل سيحاول إلغاء الاتفاق النووي مع إيران؟ هل سيطلق فعلاً سباق تسلُّح جديد؟

من يدري؟ وتلك هي المشكلة تحديداً، أن لا أحد يعلم إجابات هذه الأسئلة.

عانت السنوات الستون الأخيرة من حصتها من الأزمات، بدءاً من حرب فيتنام، مروراً بمجازر رواندا، ووصولاً إلى حرب العراق. لكن رؤية النظام الدولي القائم على التعاون التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، ودافعت عنها وتزعَّمتها الولايات المتحدة، نظَّمت العلاقات بين القوى الكبرى منذ نهاية الحرب الباردة.

كان هذا النظام في حالة تغيُّرٍ مستمرٍ حتى قبل فوز ترامب بالانتخابات. وبدأ انسحاب واشنطن، من كلٍ من الأمور الجيدة والسيئة، خلال رئاسة أوباما.

لكنَّ أوباما عمل على تعزيز المؤسسات الدولية لملء ذلك الفراغ الناشئ عن انسحاب الولايات المتحدة. واليوم، لا يمكن أن نفترض بعد الآن أنَّ الولايات المتحدة التي تشكِّلها عقيدة “أميركا أولاً” ستظل موجودةً في النظام العالمي وتضمن استمراره. فالقوة الأميركية الصلبة، عندما لا تكون مصحوبةً ومحكومةً بقوتها الناعمة، سيُنظَر إليها على الأرجح على أنَّها تهديدٌ بدلاً عن كونها مصدراً للاطمئنان، كما اعتادت أن تكون لفترةٍ طويلة.

تحديات لبقاء أوروبا موحدة

وفي أوروبا، تُفاقم الفوضى التي أعقبت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حالة عدم اليقين التي تحيط بالموقف السياسي الجديد للولايات المتحدة. وحازت التيارات القومية القوة، وستمثِّل الانتخابات المقبلة في فرنسا، وألمانيا، وهولندا اختباراً لمستقبل المشروع الأوروبي. ويُعَد التفكُّك المحتمل للاتحاد الأوروبي أحد أكبر التحديات التي نواجهها اليوم، وهي حقيقةٌ تاهت في خضم العديد من التطورات الأخرى المثيرة للقلق التي تتنافس على جذب الاهتمام. وليس بمقدورنا تحمُّل فقدان صوت أوروبا الذي يحفظ التوازن في العالم.

وتغيِّر الخصومات الإقليمية المتفاقمة هي الأخرى المشهد، كما يتَّضح على وجه الخصوص في التنافس بين إيران وبلدان الخليج العربي حول النفوذ في الشرق الأوسط. إذ كان لحروب الوكالة الناجمة عن ذلك التنافس آثارٌ مدمِّرة في مناطق عديدة، بدءاً من سوريا، مروراً بالعراق، ووصولاً إلى اليمن.

ويرى كثيرٌ من قادة العالم أنَّ الطريق للخروج من هذه الانقسامات العميقة يتمثَّل في التوحُّد حول الهدف المشترك في محاربة الإرهاب. لكن هذا وهم: فالإرهاب مجرد تكتيك، ولا يمكن لاستراتيجية ما أن تكون مبنيةً فقط على مواجهة تكتيك. إذ تستغل التنظيمات الجهادية الحروب وانهيار الدولة لتعزيز قوتها، وتزدهر في ظل الفوضى. وفي النهاية، ما يحتاجه النظام الدولي حقاً هو استراتيجية لمنع الصراعات التي تُضعف، وعلى نحوٍ شاملٍ، الدول، التي هي بالأساس وحدات بناء هذا النظام. ويحتاج النظام الدولي إلى ما هو أكثر من التذرُّع بوجود عدوٍ مشترك من أجل دفعه للحفاظ على نفسه.

ومع مجيء إدارة ترامب، يبدو أن سياسة التوصل إلى الاتفاقات عن طريق الدبلوماسية، والتي بدأت تظهر على الساحة بالفعل، ستحقق مزيداً من الانتشار. وستَحِلّ التسويات التكتيكية محل الاستراتيجيات طويلة المدى، والسياسات القائمة على القيم.

إذ يحمل التقارب بين روسيا وتركيا بعضاً من الأمل في تخفيض مستوى العنف في سوريا. ومع ذلك، يجب على موسكو وأنقرة أن تساعدا في نهاية المطاف على تمهيد الطريق نحو حكمٍ أكثر احتواءً، وإلا فإنَّهم بغير ذلك يخاطرون بالانزلاق بشكلٍ أعمق من أي وقتٍ مضى في المستنقع السوري. ومن غير المُرجَّح أن يؤدي الدعم المرحلي للنظم السلطوية التي تتجاهل مطالب الغالبية من شعوبها إلى نشأة شرق أوسط مستقر.

وأبرم الاتحاد الأوروبي، الذي كان مدافعاً عن الدبلوماسية القائمة على القيم لفترةٍ طويلة، صفقاتٍ مع تركيا، وأفغانستان، ودولٍ إفريقية من أجل وقف تدفُّق اللاجئين، وذلك في ظل وجود تداعياتٍ على المستوى العالمي. ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن أن تستفيد أوروبا من أي تحسُّنٍ في العلاقات الأميركية الروسية من أجل إعادة ضبط سباق التسلُّح لكلٍ من القدرات التقليدية والنووية، وهو هدفٌ مشروع ومناسب وخال من الانتهازية.

ويُظهِر النهج المتصلِّب لبكين في علاقتها مع الدول الآسيوية الأخرى، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية، الصورة التي سيكون عليها العالم إذا فقد الاطمئنان الضمني الذي توفِّره الولايات المتحدة.

مثل هذه الترتيبات التي تقوم على منهج الصفقات ربما تبدو إحياءً لنظرية الواقعية السياسية (وهي السياسة أو الدبلوماسية التي تستند في المقام الأول على السلطة وعلى العوامل والاعتبارات العملية والمادية، بدلًا من المفاهيم العقائدية أو الأخلاقية).

شد وجذب

لكن من غير المُرجَّح أن يكون نظامٌ دولي قائم على إبرام الاتفاقيات قصيرة المدى مستقراً. فالاتفاقيات ربما يُترَاجع عنها عندما لا تعكس استراتيجياتٍ طويلة المدى. وبدون نظامٍ يمكن التنبوء بتطورات الأحداث فيه، وذي قواعد مقبولة على نطاقٍ واسع، وبه مؤسساتٌ قوية، سيكون هناك مجالٌ أكبر لحدوث النزاعات.

وقد أصبح العالم على نحوٍ متزايدٍ في حالةٍ من الميوعة والتعددية القطبية، ويتعرَّض لحالةٍ من الشد والجذب من قِبَل مجموعةٍ من الفاعلين من الدول ومن غير الدول، كالجماعات المسلحة، والمجتمع المدني. وفي عالمٍ تتجاذب فيه السيطرة القوى الكبرى جنباً إلى جنبٍ مع القوى الصغرى والفاعلين من غير الدول، لا يمكن للقوى الكبرى بمفردها أن تحتوي أو تسيطر على الصراعات المحلية، بل ويمكن التلاعب بها وإغراقها فيها: فالصراعات المحلية يمكن أن تكون الشرارة التي تشعل صراعاتٍ أكبر.

وسواءً أعجبنا ذلك أم لا، فإنَّ العولمة حقيقة. جميعنا مرتبطون ببعضنا. فحرب سوريا أطلقت أزمة لاجئين ساهمت في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو الخروج الذي ستؤثر تبعاته السياسية والاقتصادية العميقة على الدول الأخرى. وقد ترغب الدول في الانغلاق على نفسها، لكن ليس هناك سلامٌ ولا رخاءٌ دون تعاونٍ أكبر في إدارة شؤون العالم.

وهذه قائمةٌ بعشرة صراعاتٍ مرتقبة في عام 2017، توضِّح بعض الاتجاهات الأوسع نطاقاً، لكنَّها كذلك تستكشف سُبُلاً لعكس هذه الأحداث الخطيرة.

1. سوريا والعراق

بعد حوالي ست سنواتٍ من القتال، وما يُقدَّر بـ500 ألف قتيلٍ، ونحو 12 مليون نازحٍ، يبدو احتفاظ بشار الأسد بالسلطة إلى الآن أمراً مرجَّحاً، لكن حتى في ظل وجود دعمٍ أجنبي لقواته، ليس بمقدوره إنهاء الحرب واستعادة كامل السيطرة على البلاد.

وظهر ذلك واضحاً في استعادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للسيطرة على مدينة تدمر مؤخَّراً، بعد تسعة أشهر فقط من طرد الحملة العسكرية التي دعمتها روسيا للتنظيم من المدينة. وعملت استراتيجية الأسد لإيقاف المعارضة المعتدلة على تمكين التنظيمات المتطرِّفة مثل داعش وجبهة فتح الشام (النصرة سابقاً). وأضعفت الهزيمة الأخيرة في حلب المعارضة المعتدلة بشكلٍ أكبر؛ وتظل المعارضة منقسمة على نفسها وضعيفة بسبب الرؤى المتباينة للدول الداعمة لها.

ومثَّلت استعادة النظام لحلب الشرقية في ديسمبر/كانون الأول نقطة تحوُّل قاسية، إذ “انتصر” النظام وحلفاؤه عن طريق الحصار القاسي وقصف المدنيين. وفشل الدبلوماسيون الغربيون الذين أعربوا عن شعورهم بالرعب والغضب حتى الآن في الحشد لردٍ ملموس. وتم، بخطواتٍ متعثِّرة، أخيراً إجلاء المدنيين والمعارضة بعد أن أبرمت فقط روسيا، وتركيا، وإيران اتفاقاً.

وأعقب هذا الثلاثي ذلك باجتماعٍ في موسكو من أجل “إحياء العملية السياسية” لإنهاء الحرب. ولم تُدعَ الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة إلى هذا الاجتماع، كما لم تُستشارا بشأنه. وبدا أنَّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بوساطةٍ روسيةٍ تركية في نهاية ديسمبر/كانون الأول قد انهار خلال أيام، إذ واصل النظام هجماته العسكرية على ضواحي دمشق. ويمثِّل هذا المسار الدبلوماسي، برغم التحديات الهامة التي تواجهه، الفرصة الأفضل من أجل تخفيض مستوى العنف في سوريا.

وعلى الأرجح ستستمر الحرب ضد “داعش”، وهناك حاجةٌ ملحَّة لضمان ألّا يؤدي ذلك إلى مزيدٍ من العنف وعدم الاستقرار. ففي سوريا، يتداخل جهدان متنافسان لمواجهة التنظيم، الأول تقوده تركيا، والآخر يقوده الفرع السوري لحزب “العمال الكردستاني”، مع الصراع بين الدولة التركية وحزب “العمال الكردستاني” داخل تركيا.
وقد دعمت واشنطن كلا الجهدين، في حين حاولت الحد من الصدام المباشر بينهما. وعلى إدارة ترامب المقبلة أن تمنح الأولوية لعدم تفاقم الصراع بين شركائها الأتراك والأكراد على حساب السيطرة على الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم. فإذا تفاقم الصراع بين الطرفين، سيكون الفائز الأكبر هو “داعش”.

ولا يزال تنظيم “داعش” يدَّعي الخلافة في مناطق من العراق وسوريا، على الرغم من أنَّه فقد أراضي مهمة على مدى العام الماضي. وحتى إذا هُزِم عسكرياً، قد يظهر “داعش”، أو مجموعةٌ متطرِّفة أخرى، من جديدٍ، ما لم تُعالَج قضايا الحكم الأساسية. فـ”داعش” ذاته تنامى نتيجة فشلٍ مماثل في العراق. وينشر التنظيم فكراً لا يزال يحشد الشباب عبر العالم، ويشكِّل تهديداتٍ خارج حدود العراق وسوريا، كما أظهرت الهجمات الأخيرة في إسطنبول وبرلين.

وضع سيئ

وفي العراق، قوَّضت المعركة ضد داعش قدرة الدولة على الحكم، وسبَّبت دماراً واسعاً، وحوَّلت الشباب إلى عسكريين، وتسبَّبت في صدمةٍ للمجتمع العراقي. وقسَّمت الأحزاب السياسية الكردية والشيعية إلى فصائلٍ متناحرة، ومجموعاتٍ شبه عسكرية تعتمد على داعمين إقليميين، وتتنافس حول موارد العراق. وفاقمت المعركة من أجل هزيمة “داعش”، الذي ظهر وتغذَّى على المظالم العميقة في أوساط العرب السُنَّة، الضرر الذي سبَّبه حكم التنظيم. ولتجنُّب الأسوأ، كلٌ من بغداد وحكومة إقليم كردستان في حاجةٍ إلى الدعم والضغط لكبح جماح المجموعات شبه العسكرية.

ويمكن أن يتحول نجاح الحملة العسكرية الحالية المدعومة من الولايات المتحدة في استعادة الموصل، في حال أُسيء التعامل معه، إلى فشل. فإلى جانب الجيش العراقي النظامي، والقوات الخاصة لمكافحة الإرهاب، والشرطة الاتحادية الذين يقودون الجهود داخل المدينة، تشارك كذلك مجموعاتٌ محلية، تسعى إلى الحصول على غنائم النصر. وكلما طال أمد المعركة، استغلَّت تلك المجموعات المختلفة الفرصة لكسب ميزةٍ استراتيجية من خلال السيطرة على الأرض، ما يعقّد سُبُل التسوية السياسية.

ينبغي على العراق، بدعمٍ من الولايات المتحدة وشركاء آخرين، مواصلة الدعم العسكري واللوجستي للقوات العراقية التي تتقدم داخل المدينة، وإنشاء قوات لحفظ الاستقرار من السكان المحليين في المناطق التي استُعيدَت من “داعش”، لضمان عدم خسارة هذه المكاسب العسكرية مرةً أخرى. وسيحتاجون كذلك إلى تحسين نظام الحكم، ليشمل الفاعلين السياسيين المحليين، والمقبولين محلياً.

تركيا

نُفذ هجوم في رأس السنة في إسطنبول، وقتل على الأقل 39 شخصاً، وتبنّى “داعش” المسؤولية عن الهجوم، في خروجٍ عن عادة التنظيم في تركيا بعدم تبنّي الهجمات، وذلك من شأنه أن يكون إشارةً إلى مزيدٍ من التصعيد.

وتواجه تركيا، بالإضافة إلى التداعيات المتفاقمة من الحروب في سوريا والعراق، صراعاً متصاعداً مع حزب “العمال الكردستاني”.

ويواصل الصراع بين الدولة وميليشيات حزب “العمال الكردستاني” التفاقم في أعقاب انهيار وقف إطلاق النار بينهما في يوليو/تموز 2015. ومنذ ذلك الحين، دخل الصراع مع حزب “العمال الكردستاني” أحد أكثر فصوله دمويةً في تاريخه البالغ ثلاثة عقود، إذ تسبَّب في مقتل 2500 شخص على الأقل من الميليشيات، وقوات الأمن، والمدنيين، وذلك بعد أن اختار كلا الجانبين اللجوء إلى مزيدٍ من التصعيد.

وتسبَّبت الاشتباكات والعمليات الأمنية في تشريد أكثر من 350 ألف مدني، وهدم عدد من الأحياء في مدن جنوب شرق تركيا الذي تقطنه غالبيةٌ كردية. وقَتَل تفجيرٌ مزدوج مرتبطٌ بحزب العمال الكردستاني 45 شخصاً قرب أحد ملاعب كرة القدم بإسطنبول في ديسمبر/كانون الأول. وردَّاً على ذلك، سجنت الحكومة مرةً أخرى ممثِّلي الحركة الكردية.

ويدفع تركيا في تصعيدها هذا، بالإضافة إلى ترسَُخ الصراع في المشاعر المحلية، قلقها المتنامي حول المكاسب الكردية التي تحقَّقت في شمال سوريا والعراق. وقد أقنع ذلك، بالإضافة إلى الخطر الذي يمثِّله “داعش”، تركيا بإرسال أولى كتائب قواتها العسكرية إلى داخل الدولتين.

تركيا وعلاقاتها الدولية

وعلى الصعيد المحلي، تمضي تركيا نحو تعديلاتٍ دستورية تُفضي إلى نظامٍ رئاسي، ومن المُرجَّح أن يُطرَح للاستفتاء العام أوائل الربيع المقبل. وفي أعقاب محاولة الانقلاب في يوليو/تموز الماضي، شنَّت الحكومة حملةً واسعة، وأبعدت أكثر من 100 ألف مسؤول.

ويُضاف هذا إلى التوترات التي ظهرت نتيجة الركود في المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة حول انضمام تركيا إلى الكتلة الأوروبية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، ردَّ أردوغان بغضبٍ على انتقادات بروكسل، وهدَّد بتمزيق اتفاق مارس/آذار 2016 الخاص باللاجئين، والذي وافقت أنقرة بموجبه على منع تدفُّق اللاجئين السوريين باتجاه أوروبا. ويوجد أكثر من 2.7 مليون لاجئ سوري الآن مسجَّل في تركيا؛ يشكل اندماجهم تحدياً كبيراً للدولة، وللمجتمعات التي تستضيفهم.

وتوتَّرت العلاقات التركية مع واشنطن على خلفية التصعيد العسكري التركي ضد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا، وكذلك بعد مطالبة تركيا لواشنطن بتسليمها العقل المدبِّر المزعوم لانقلاب يوليو/تموز في تركيا، فتح الله غولن. وحقَّقت أنقرة تقارباً صعباً مع موسكو، وأدَّى اغتيال سفير روسيا إلى تركيا في ديسمبر/كانون الأول، حتى الآن، إلى مزيدٍ من التقارب بين الدولتين. وتقلِّل أنقرة من قيمة تحالفاتها الغربية، وتسعى جاهدةً إلى إقامة ترتيبات مع روسيا وإيران. ومع ذلك، لا تزال تركيا وإيران متجهتين في مسارٍ محفوفٍ بالمخاطر، تغذِّيه الخلافات العميقة حول المصالح الأساسية لكلٍ منهما في العراق وسوريا.

 

3. اليمن

أدَّت الحرب في اليمن إلى ظهور كارثةٍ إنسانيةٍ أخرى، تسببت في دمار البلد الذي كان في الأساس الأفقر في العالم العربي. وفي ظل وجود ملايين اليمنيين الآن على حافة المجاعة، تبدو الحاجة إلى وقفٍ شامل لإطلاق النار والتسوية السياسية أكثر إلحاحاً من أي وقتٍ مضى. وبحسب الأمم المتحدة، قُتِل ما يقارب 4 آلاف مدني خلال الحرب.

ودخلت المملكة العربية السعودية الصراع في مارس/آذار 2015، للتصدي للتقدُّم الذي أحرزه الحوثيون، وهؤلاء يخدمون مصالح طهران في إبقائهم السعودية عالقةً في حلقة الأزمة المفرغة في اليمن.

ويبدو كلاهما محبوساً داخل دائرةٍ من العنف والاستفزازات المتصاعدة، بما يعرقل محادثات الأمم المتحدة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، رفضت الحكومة اليمنية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي، خارطة الطريق التي اقترحتها الأمم المتحدة.

كما رفض الحوثيون المساعي الدولية الهادفة لوضع حد لشلال الدماء المستمر في اليمن ما زاد من تعقيد الوضع في البلد المنكوب.

وفي الشهر نفسه، شكَّلت حركة الحوثي وحلفاؤها، التي هي بالأساس القوى الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، حكومةً جديدةً. وبرغم التحديات، ربما مازال من الممكن إقناع الطرفين بقبول خارطة الطريق كأساسٍ للتسوية التي من شأنها أن تنهي الجوانب الإقليمية للحرب، وتعيدها إلى كونها عمليةٍ يمنيةٍ-يمنية داخلية.

يتوقَّف الكثير على حسابات السعودية واستعداد حلفائها الدوليين، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، لتشجيع الرياض على الدعم الكامل للتسوية السياسية المقترحة. وينطوي الفشل في إعادة العملية إلى مسارها الصحيح على مخاطر لجميع الأطراف المعنية، وذلك في ظل تنامي التنظيمات الجهادية العنيفة، بما في ذلك تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وداعش، مستفيدين من فوضى اليمن.

4. منطقة الساحل الكبرى وحوض بحيرة تشاد

تسببت النزاعات المتداخلة بطول منطقة الساحل الكبرى وحوض بحيرة تشاد في معاناة إنسانية كبيرة، منها تهجير حوالي 4.2 ملايين نسمة من منازلهم. إذ تتصارع الحركات الجهادية، والجماعات المسلحة، والشبكات الإجرامية على السلطة بطول هذه المنطقة الفقيرة، حيث الحدود ملآى بالثغرات، والحكومات سلطتها ضعيفة.

عام 2016، شنَّت الحركات الجهادية المتمركزة في مركز منطقة الساحل هجماتٍ قاتلة على غرب النيجر، وبوركينا فاسو، وساحل العاج، مؤكدين بذلك على هشاشة هذه المنطقة. ولا زال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة المرابطين، نشطين، في الوقت الذي بدأت جماعةٌ جديدة تدَّعي تبعيتها لتنظيم داعش في التكوُّن. ويبدو من المحتمل أنَّ الهجمات التي تستهدف المدنيين والقوات الدولية والوطنية سوف تستمر. فبعثة قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي، تُعَد أخطر بعثات الأمم المتحدة، بعد مقتل 70 من أفرادها نتيجة “عمليات غاشمة” منذ 2013.

وربما تواجه مالي أزمةً كبرى هذا العام، إذ توجد احتمالات بتوقُّف تنفيذ اتفاقية باماكو للسلام الموقعة عام 2015. ذلك أنَّ الانقسام الأخير لتحالف المتمردين الأساسي في الشمال، تنسيق حركات أزواد، قد ساهم في تكاثر الجماعات المسلحة، وامتدَّ العنف إلى وسط مالي. وينبغي للقوى الإقليمية استخدام القمة القادمة للاتحاد الأفريقي، المقرر عقدها في شهر يناير/كانون الثاني، لإنعاش عملية السلام، وربما جلب المجموعات المهملة حالياً إلى القمة. وللجزائر، التي تُعَدُ وسيطاً مهماً لتحقيق الاستقرار في المنطقة، دورٌ مهم، باعتبارها الوسيط الأساسي في الاتفاق.

وقد رفعت القوات الأمنية في منطقة حوض بحيرة تشاد، التابعة لكلٍ من نيجيريا، والنيجر، والكاميرون، وتشاد، من وتيرة حربها ضد متمردي بوكو حرام. فقد أعلن الرئيس النيجيري، في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، عن “القضاء النهائي على إرهابيي بوكو حرام في آخر معاقلهم” في غابة سامبيسا، ومع ذلك فالجماعة لم تختف بعد. وقد أدى النزاع حول الزعامة إلى انقسام الجماعة الجهادية، لكنها مازالت مرنة وعدوانية. وعلى الرغم من الاهتمام الدولي، الذي ركز على اختطاف بوكو حرام للبنات والنساء والإساءة لهن، فإنَّ صانعي السياسات ينبغي لهم أيضاً ملاحظة أنَّ بعض النساء قد انضممن إلى الحركة طوعاً، بحثاً عن فرصٍ اقتصادية واجتماعية. إنَّ فهم الطرق المتعددة التي يؤثر بها النزاع على النساء ينبغي أن يكون الموجه المباشر للاستراتيجيات الموضوعة للتعامل مع جذور هذا التمرد.

تمرد جماعة بوكو حرام، والاستجابة العسكرية العنيفة له، وعدم تقديم المساعدة الفعالة لأولئك المتورطين في هذا النزاع، كل هذا يهدد بخلق دائرة لا نهاية لها من العنف واليأس. لو لم تتصرف الحكومات بمسؤولية تجاه الكارثة الإنسانية، فإنَّ ذلك قد يؤدي إلى شعور هذه المجتمعات بالمزيد من الاغتراب، وغرس بذور تمرد مستقبلي. وينبغي للدول أيضاً أن تستثمر في التنمية الاقتصادية وتقوية الحكم المحلي من أجل تضييق الخناق على الجماعات المتطرفة.

5. جمهورية الكونغو الديمقراطية

تلقَّت جمهورية الكونغو الديمقراطية بعض الأخبار الجيدة بعد وقتٍ قليل من منتصف ليلة رأس السنة، عندما أعلن أسقف الكنيسة الكاثوليكية الوصول إلى اتفاقين لحل أزمة البلاد السياسية. ولم يُوقِّع الرئيس جوزيف كابيلا بعد على الاتفاقية، التي تشترط تنحيه بعد إقامة الانتخابات في وقتٍ ما قبل نهاية عام 2017. ورغم ارتفاع مستويات عدم الثقة بين الأطراف، إلا أنَّ الاتفاقية التي توسطت الكنيسة الكاثوليكية الكونغولية للوصول إليها، مازالت أفضل فرص البلاد للخروج من الأزمة. التحدي الأكبر حالياً يتمثل في التمهيد للانتخابات والانتقال السلمي في وقتٍ قصير، وهو الأمر الذي يتطلب دعماً دولياً قوياً.

فقد قوبل إصرار كابيلا على البقاء في السلطة بعد نهاية فترته الثانية، في تحدٍ للدستور الكونغولي، بمعارضةٍ قوية، ومظاهراتٍ عارمة في الشوارع طوال عام 2016، وهو الأمر الذي يهدد بالمزيد من العنف. فالفساد المستشري في الكونغو، وسياسة استحواذ الفائز على كل شيء، تعني أنَّ حاشية كابيلا لديهم الكثير ليخسروه، لذا فربما لن يستسلموا بسهولة. وتحتاج القوى الأفريقية والأوروبية لتنسيق جهودها من أجل سحب الكونغو من حافة الانهيار، ومنع المزيد من الاضطرابات الإقليمية. وليست قوة حفظ السلام في الكونغو التابعة للأمم المتحدة، والتي تعد أكبر بعثات حفظ السلام عدداً، مؤهلةً للتعامل مع هذه التحديات، وسوف تكون أكثر فاعلية لو قلت مسؤولياتها، وانتقلت بعيداً عن بناء المؤسسات إلى الوساطة ومراقبة حقوق الإنسان.

وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي، قُتِلَ ما لا يقل عن 53 شخصاً، معظمهم على يد قوات الأمن، عندما تحولت المظاهرات المعارضة لحكم كابيلا بعد نهاية فترته إلى العنف. وقيل إنَّ الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين مع اقتراب نهاية مدة كابيلا، والتي وقعت بين يومي الـ19 والـ20 من شهر ديسمبر/كانون الأول، قد أودت بحياة ما لا يقل عن 40 شخصاً. ومن المحتمل أن يستمر العنف لو أُجِلَت الانتخابات مرةً أخرى. وتحالف المعارضة الرئيسي، “التجمع”، سوف يكون مستعداً لتسخير مظاهرات الشوارع لإجبار كابيلا على التنحي. أيضاً يساهم التوتر السياسي في مدينة كينشاسا في زيادة العنف في عدة مناطق في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الشرق الذي تمزقه النزاعات.

6. جنوب السودان

بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية، فإنَّ أصغر دول العالم عمراً مازالت متورطة في نزاعاتٍ متعددة. فالمظالم ضد الحكومة المركزية، ودوائر العنف العرقي، تشعل وقود الاقتتال الذي أدى إلى تهجير 1.8 مليون شخص داخلياً، وأجبر حوالي 1.2 مليون شخص على الفرار خارج البلاد. وكان هناك بعض القلق الدولي المتزايد بخصوص تقارير تفيد بارتكاب مذابح جماعية، وعدم إحراز أي تقدم في تطبيق اتفاق السلام الذي أقِرَ عام 2015. وفي شهر ديسمبر/كانون الأول، دعا الرئيس سلفا كير لتجديد وقف إطلاق النار، وبدء حوار قومي من أجل تعزيز السلام والمصالحة. ويتوقف نجاح هذه المحاولات من عدمه على رغبة الحكومة الانتقالية في التفاوض العادل مع الجماعات المسلحة، والتعاون مع المجتمعات الساخطة على المستوى الشعبي.

انحرفت اتفاقية السلام، المدعومة دولياً، عن مسارها في شهر يوليو/تموز 2016، عندما اندلعت الاشتباكات بين القوات الحكومية والمتمردين السابقين. وفر زعيم المعارضة، ونائب الرئيس السابق، رياك مشار، الذي كان قد عاد مؤخراً إلى جوبا بموجب الاتفاق. وقد قوى كير من موقفه في العاصمة والمنطقة عموماً منذ ذلك الحين، ما خلق فرصةً للدعوة إلى التفاوض مع عناصر من المعارضة المسلحة، بما في ذلك المجموعات غير الموجودة حالياً في الحكومة الانتقالية.

وتحسن الوضع الأمني في جوبا في الشهور الأخيرة، رغم استمرار القتال والعنف العرقي في أماكن أخرى. وتُرَكِّز الجهود الدبلوماسية الدولية على نشر قوة حماية إقليمية قوية من 4 آلاف مقاتل، وهو إلهاءٌ لن يكون ذا فائدةٍ كبيرة في وقف انتشار العنف بمعدلاتٍ ضخمة، ومن شأنه أن يسحب الانتباه بعيداً عن المشاركة السياسية الأعمق اللازمة لتعزيز السلام. كذلك فإنَّ بعثة حفظ السلام في جنوب السودان بحاجة إلى إصلاحٍ عاجل، وهو الأمر الواضح بعد فشلها في حماية المدنيين أثناء موجة العنف التي وقعت في شهر يوليو/تموز في جوبا. لكنَّ بصيصاً من الأمل ظهر في وسط مأساة جنوب السودان، تمثَّل في التقارب الهش الذي يجري حالياً بين جنوب السودان، وأوغندا، والسودان، والذي ربما يؤدي إلى ضمان استقرارٍ أكبر.

7. أفغانستان

الحرب وعدم الاستقرار السياسي في أفغانستان يشكلان تهديداً خطيراً للسلام والأمن الدوليين، وذلك بعد 15 عاماً من قيام التحالف الذي كانت تقوده الولايات المتحدة بإزاحة طالبان من السلطة، وقد كان ذلك جزءاً من حملة أوسع لهزيمة تنظيم القاعدة. واليوم، فإنَّ طالبان تكسب أراضي جديدة، فشبكة حقاني، إحدى الجماعات المتحالفة مع طالبان، مسؤولة عن هجماتٍ وقعت في مدنٍ كبرى، وأعلن تنظيم “داعش” عن مسؤوليته عن سلسلة من الهجمات التي استهدفت المسلمين الشيعة، والتي يبدو أن الهدف منها هو إشعال فتيل العنف الطائفي.

وقد وصل عدد الاشتباكات المسلحة العام الماضي إلى أعلى مستوى له منذ بدأت الأمم المتحدة تسجيل الحوادث في 2007، وقد أدت هذه الاشتباكات إلى مقتل عدد كبير من المدنيين. وأي إضعافٍ أكبر لقوات الأمن الأفغانية من شأنه أن يؤدي إلى ترك أماكن واسعة بلا حماية أو سلطة، يمكن استغلالها من قبل الجماعة المسلحة الإقليمية والعابرة للحدود.

والحرب الأميركية في أفغانستان، وهي الحرب الأطول بالنسبة لأميركا، تم التعامل معها خلال انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة باعتبارها مجرد مسألة سياسية. ولا زالت نوايا ترامب ناحية أفغانستان غير واضحة، رغم أنه قد عبر مراراً عن شكه في إمكانية إعادة بنائها. وكان اختياره لمستشار الأمن القومي، الجنرال المتقاعد مايكل فلين، الذي عمل مديراً للمخابرات لإدارة العمليات المشتركة الخاصة في العراق وأفغانستان، مثيراً للجدل.

فالتركيز العلني لفلين على “إرهاب الإسلام المتطرف”، باعتباره التهديد العالمي الأوحد والأكثر أهمية، هو تشخيصٌ خاطئ للمشكلة، وسوف يترتب عليه تبعاتٌ خطيرة، يتجاوز خطرها أفغانستان. ينبغي أن يكون التوجه الاستراتيجي بمرور الوقت متجهاً ناحية التسوية مع طالبان عن طريق المفاوضات، وهو الأمر الذي سوف يتطلب حكماً إقليمياً أكبر ومشاركة صينية. في غضون ذلك، فإنّ روسيا، وباكستان، والصين قد كونوا مجموعة عمل حول أفغانستان بغرض خلق “هيكل إقليمي معاد للإرهاب” . وحتى الآن، كابول مستبعدة من هذه المشاورات الثلاثية.

لطالما كانت علاقة أفغانستان مع باكستان متوترة بسبب دعم إسلام آباد، عاصمة باكستان، لطالبان وجماعاتٍ مسلحة أخرى. وقد زاد هذا التوتر الخريف الماضي، عندما أُجبِرَ آلاف اللاجئين الأفغان في باكستان على الفرار بسبب العنف المتزايد، والاعتقالات، والمضايقات. وساءت أزمة اللاجئين الأفغان بعد خطة الاتحاد الأوروبي التي قضت بترحيل 80 ألف من طالبي اللجوء إلى أفغانستان، والتي كانت استجابةً سياسية لظرفٍ إنسانيٍ طارئ. كل هذا، بالإضافة إلى أزمة البلاد الاقتصادية، يضيف ضغوطاً ثقيلة على هذا البلد الضعيف بشكلٍ خطير.

8. ميانمار

تعهدت الحكومة الجديدة، التي تقودها أونغ سان سو تشي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، بأن يكون إحلال السلام والمصالحة الوطنية على رأس قائمة أولوياتها؛ ورغم ذلك، فقد تسببت موجات العنف الأخيرة في تعطيل الجهود المبذولة لإنهاء الصراع المسلح الدائر في ميانمار، والمستمر لقرابة الـ70 عاماً. وفي نوفمبر/تشرين الثاني المنقضي، قام “تحالفٌ شمالي” من أربع جماعاتٍ مسلحة بشن هجماتٍ مشتركة غير مسبوقة على أهدافٍ داخل مناطق سكنية في منطقةٍ تجارية رئيسية على الحدود مع الصين، مما أدى إلى تصعيدٍ عسكري شمال شرقي البلاد. وهو الأمر الذي لا يُبَشِّر بالخير قبيل الدورة المقبلة من مؤتمر بانغ لونغ للقرن الـ21، المزمع إقامته في فبراير/شباط المقبل كجزءٍ من عملية السلام الجديدة التي تهدف إلى التوفيق بين معظم الجماعات العرقية المسلحة في البلاد.

وفي الوقت نفسه، يستمر قلق المجتمع الدولي حيال مصير أقلية الروهينغا المسلمة. إذ شهد أبناء هذه الطائفة تآكل حقوقهم بشكلٍ تدريجي في السنوات الأخيرة؛ خاصةً بعد أعمال العنف التي شهدتها ولاية راخين عام 2012. واندلعت موجة أعمال العنف الأخيرة في ولاية راخين بعد سلسلةٍ من الهجمات في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، والتي استهدفت قوات الشرطة الحدودية والجيش في منطقةٍ تقع على مقربةٍ من الحدود الشمالية الغربية لميانمار مع بنغلاديش.

وقامت قوات الأمن بالرد بعنف على هذه الهجمات، في حملةٍ لم تُفَرِّق كثيراً بين المسلحين والمدنيين، زُعِمَ تضمنها لعمليات إعدام دون محاكمات، وحالات اغتصاب، وحرق عمد. وبحلول منتصف ديسمبر/كانون الأول، قدَّرت الأمم المتحدة أعداد النازحين إلى بنغلاديش من طائفة الروهينغا بحوالي 27 ألف شخص. وقام عشرات الزملاء من الحاصلين على جائزة نوبل للسلام بتوجيه الانتقاد لأونغ سان سو تشي بسبب عدم الإفصاح عن الانتهاكات الجارية، مطالبين بمنح حقوق المواطنة الكاملة لأبناء طائفة الروهينغا كباقي المواطنين.

نفذت الهجمات الأولية جماعةٌ مسلحة تُعرف باسم “حركة اليقين”، والتي تسبب ظهورها في تغيير قواعد اللعبة بميانمار. وعلى الرغم من أن الروهينغا ليسوا من الطوائف المتشددة، سيتسبب رد الفعل العسكري العنيف من الحكومة في تصاعد خطر موجات العنف. ومن المحتمل أن يتم استغلال مظالم هذه الطائفة بواسطة الحركات الجهادية الدولية في محاولاتهم لتحقيق أجنداتهم الخاصة، وهو الأمر الذي قد يتسبب في إشعال موجةٍ من التوترات الطائفية داخل البلاد التي تقطنها غالبيةٌ بوذية.

9. أوكرانيا

بعد حوالي ثلاث سنواتٍ من الحرب، ومقتل حوالي 10 آلاف شخص؛ مازال التدخل العسكري الروسي يتحكم في كل جوانب الحياة السياسية في أوكرانيا. وتتجه أوكرانيا نحو مستقبلٍ مجهول المعالم؛ إذ تعطل مسيرتها الانقسامات الناجمة عن الصراع، ويعرقل تقدمها الفساد. ويثير إعجاب ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذعر في كييف؛ خاصةً مع الشائعات المتناثرة عن نية الولايات المتحدة إقرار إلغاء العقوبات الموقعة بحق روسيا. كما توقَّف تفعيل اتفاقية مينسك للسلام التي تم التوصل إليها في فبراير/شباط عام 2015، وهو ما يُقرب روسيا بشدة من تحقيق اثنين من أهدافها في الصراع الأوكراني: تأسيس كياناتٍ سياسيةٍ دائمة موالية لروسيا في شرق أوكرانيا، بالإضافة إلى تفعيل سيطرتها على شبه جزيرة القرم التي بدأت بسببها الحرب عام 2014.

أما على الصعيد الداخلي؛ تزداد خيبة الأمل الشعبية بسبب الزعماء الذين وصلوا إلى السلطة على خلفية التظاهرات المعروفة باسم “الميدان الأوروبي”، التي اندلعت في أوائل 2014، ولكنهم أصبحوا الآن يكررون نفس تصرفات الأقلية الحاكمة الفاسدة التي تم خلعها من السلطة بالأمس القريب. ويشهد الدعم الغربي للرئيس بترو بوروشينكو انخفاضاً نتيجة عدم رغبة وعدم قدرة كييف على الوفاء بوعود الإصلاح الاقتصادي ووضع التدابير الصارمة لمكافحة الفساد. ومن المحتمل أن تتفاقم التحديات التي تواجه بوروشينكو في حال عقد انتخاباتٍ برلمانية مبكرة عام 2017، إذ أنه من المتوقع أن تحصد الأحزاب الموالية لروسيا الكثير من المكاسب.

ويتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الضغط بقوة على كييف لتنفيذ الإصلاحات، واستخدام سياسة الضغط الدبلوماسي مع موسكو، بما في ذلك استمرار العقوبات المفروضة. ويجب أن يقتنع بوتين أن الأوضاع لن تعود لسابق عهدها في أوروبا طالما تُستَخدَم مختلف أساليب الحرب لإبقاء أوكرانيا غير مستقرة. وقد تسببت التكتيكات الروسية، بما في ذلك استخدام القوة، والهجمات الإلكترونية، ووسائل الدعاية، والضغوط المالية، في بث رسالة ذعر في المنطقة بأسرها.

10. المكسيك

قد لا يكون هناك مفرٌ من اندلاع موجةٍ عالية من التوتر بين الولايات المتحدة والمكسيك بعد وعود حملة ترامب ببناء جدارٍ حدوديٍ عازل، وتهجير ملايين المهاجرين غير الشرعيين، وإنهاء اتفاقية نافتا (اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية)، علاوةً على قيام ترامب علناً بوصف المهاجرين المكسيكيين بأنهم تجار مخدرات، ومجرمون، ومغتصِبون، معتمداً في ذلك على دعم مجموعات البيض ذات النزعة القومية. وفي محاولةٍ استباقيةٍ لتفادي المواجهة المستقبلية، وجه الرئيس المكسيكي إنريكه بينيا نييتو الدعوة لترامب من أجل زيارة البلاد في سبتمبر/أيلول المقبل، وهي الخطوة التي أدت لنتائج عكسية منذ البداية من الرأي العام المكسيكي الغاضب بشدة من ارتفاع معدلات الجريمة، والفساد، وضعف الاقتصاد الوطني.

يعلم بينيا نييتو جيداً أن المكسيك ليس بوسعها أن تعادي جارتها القوية. وتسعى حالياً نخبة السياسيين ورجال الأعمال المكسيكيين بقوة في محاولة إقناع ترامب ومستشاريه بالعدول عن مواقفه المعلنة بخصوص الهجرة والتجارة الحرة.

وفي حال انتهجت الولايات المتحدة سياسة الترحيل على نطاقٍ واسع، فسيكون ذلك نذيراً بالخطر من شأنه أن يتسبب في أزمةٍ إنسانيةٍ وأمنية أشد خطورة. فاللاجئون والمهاجرون من المكسيك وبلدان أميركا الوسطى يأتون إلى الولايات المتحدة هرباً من مستوياتٍ مرتفعة من العنف والفقر المدقع. إذ أثبتت دراسةٌ أُجريت عام 2016 أن العنف المسلح في المكسيك وبلدان أميركا الوسطى قد تسبب في مقتل قرابة 34 ألف شخص، وهو رقمٌ أكبر من ضحايا العنف المسلح في أفغانستان خلال الفترة نفسها. وستؤدي الزيادة في عمليات الترحيل وزيادة الضوابط الحدودية بالمهاجرين غير الشرعيين إلى سلك طرقٍ أكثر خطورة، وهو ما يصب في مصلحة العصابات الإجرامية والمسؤولين الفاسدين. ويمكن للولايات المتحدة أن تخدم مصالحها بشكلٍ أكبر من خلال تقوية علاقتها بالمكسيك، ومواجهة القصور المنهجي بالنظام المكسيكي الذي يؤدي إلى ازدياد العنف والفساد.

هافنتغتون بوست عربي