وجهة نظر

محاولة مكشوفة لتزييف الوعي بخصوص نتائج الانتخابات المهنية

احتفت العديد من الجهات، بما فيها جهات إعلامية أجنبية، بنتائج الانتخابات المهنية بشكل غير مسبوق، وحاولت توظيفها في التمكين لوهم كبير تراهن عليه تلك الجهات لتزييف وعي الناخبين المغاربة في الاستحقاقات المقبلة. ورغم الفشل الذريع الذي حققته تلك المحاولات في ربط نتيجة انتخابات المأجورين بالانتخابات التشريعية والجماعية المقبلة، فإن محاولة تحويل نتائج انتخابات المهنية إلى مؤشر دال على توجهات الانتخابات المقبلة ستعرف نفس الفشل والاندحار. لماذا؟

إننا أمام مشاريع سياسية وإعلامية تربط بين ما لا رابط بينه موضوعيا. فليست هذه أول مرة تجري فيها الانتخابات المهنية، ولا المرة الأولى التي يحصد فيها حزب العدالة نتائج متوسطة. ورغم ذلك يبوئ المغاربة حزب العدالة والتنمية صدارة نتائج الانتخابات التشريعية، ويسجل تقدما متناميا قويا في الانتخابات الجماعية، بشكل لا علاقة له بنتائجه في الانتخابات المهنية ولا بنتائج انتخابات المأجورين.

وبالعودة إلى معطيات نتائج الانتخابات المهنية لسنة 2015 نجد أن حزب العدالة والتنمية حصل على 8.89% من 2179 مقعدا المتبارى حولها على المستوى الوطني، وجاء في المرتبة السادسة، فيما تصدر حزب الجرار تلك النتائج بنسبة 18.72%، يليه حزب الاستقلال بنسبة 16.15% ثم حزب الأحرار بنسبة 14.96%، وهكذا.

هذه الخريطة التي رسمتها نتائج الانتخابات المهنية لسنة 2015 لم تخضع لها مطلقا نتائج الانتخابات التشريعية والجماعية التي جاءت بعدها، كما لم تخضع لها قط من قبل. وقد حاول حزب الجرار حينها أن يلعب لعبة الربط بين تلك النتائج والنتائج المتوقعة للانتخابات التشريعية لسنة 2016، وقد كتب أمينه العام حينها، إلياس العمري، تدوينة بتاريخ 9 غشت 2015 على فايسبوك يقول فيها “تبوُّؤنا للمركز الأول في الانتخابات المهنية مؤشر على ما سيكون في الاستحقاقات المقبلة”. لكن نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2016 خيبت آمال العمري وآمال أمثاله، ولم تساير متمنياته، وجاء حزب العدالة والتنمية في المركز الأول بأكبر عدد مقاعد غير مسبوق في تاريخ انتخابات المغرب، ونفس الشيء بالنسبة للانتخابات الجماعية، والتي أعطت الحزب رئاسة مجالس جميع المدن الكبرى والجماعات الكبيرة، وشارك في التسيير في جل الجماعات الأخرى. إنه نفس المصير الذي ستعرفه الانتخابات المقبلة، لماذا؟

لأن الانتخابات التشريعية والانتخابات الجماعية تحكمها اعتبارات سياسية تختلف بشكل حاسم مع الاعتبارات التي تحكم الانتخابات المهنية. فتلك الانتخابات تشرك قاعدة من الناخبين تعد بالملايين، وتموقع حزب المصباح فيها تنامى بشكل اكتسب فيه الحزب قاعدة ناخبة وفية. وإضافة إلى هذا الاعتبار الحاسم، فتجارب الحزب سواء في التدبير الحكومي أو الجماعي سجل نجاحات كبيرة ونوعية، ولم يسجل في تلك التجربة شيء مما يمكن أن يؤثر في توجهات قاعدته الانتخابية، والتي بالعكس يتوقع توسعها.

إن الذي سيكون له أثر سلبي على نتائج الانتخابات التشريعية والجماعية المقبلة، بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، ليس هو الأوهام التي يتم ترويجها اليوم، بل نتائج المؤامرة التشريعية التي مكنت للفساد الانتخابي في نص القانون المنظم للانتخابات (حذف العتبة واعتماد قاسم انتخابي غريب وغير مسبوق في التجارب الديموقراطية عبر العالم)، والذي إنما وضع لسرقة مقاعد حزب العدالة والتنمية وتوزيعها على باقي الأحزاب وبلقنة المجالس المنتخبة. ورغم ذلك فالتوقعات الموضوعية تفيد بأن تأثير تدابير تلك المؤامرة سيكون محدودا على حزب المصباح، في الوقت الذي ستكون تلك التأثيرات كارثية على المؤسسات المنتخبة وتشكيلة الحكومة المقبلة، وصورة المغرب ومصالحه.

إن الهدف الأكبر من ترويج وهم ارتباط نتائج الانتخابات المهنية بالانتخابات التشريعية والمهنية المقبلة هو محاولة تبرير استباقي لنتائج المؤامرة التشريعية المشار إليها سابقا، والتأسيس لقراءة تحريفية تجعل النتائج المتوقعة “منطقية”، ومحاولة إضفاء الشرعية السياسية عليها بحكم “المنطق” الذي يربطها بالانتخابات المهنية، وجعلها تعبر عن إرادة الناخبين، في الوقت الذي تعبر فيه عن إرادة المتآمرين.

إن المغاربة أذكى من أن تنطلي عليهم مثل هذه الألاعيب التي ينخرط فيها جيش من “المحللين” والإعلاميين “الكاريين حناكهوم” كما يقال، كما ينخرط فيها بقوة إعلام أجنبي معروف بتورطه حتى بمحاولة التلاعب بالرأي العام المغربي، والتدخل في شؤون المملكة الداخلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *