انتخابات 2021، سياسة

مسار مشوق لمنتخب محلي .. أول معركة انتخابية في 1976 (الحلقة الثالثة)

يسر جريدة “العمق المغربي” أن تقدم لقرائها الكرام مقتطفات من كتاب “مسار منتخب. لقطات من ذاكرة آيت سغروشن” لمؤلفه الأستاذ بناصر أحوجيل. وهو كتاب غني بالمعلومات والتفاصيل عن سلسلة طويلة من الانتخابات المحلية التي خاضها الكاتب باسم عدد من الأحزاب منذ 1976.

هذه اليوميات المفصلة والمعززة بعشرات الأسماء والصور تعتبر شهادة فريدة من نوعها للتاريخ وللباحثين.

خاض بناصر أحوجيل تجربة رئيس جماعة في قرية صغيرة بالأطلس المتوسط هي “آيت السبع” طيلة 45 سنة قبل أن ينطلق إلى السياسة على الصعيد الوطني، وهو ما جعله يتعرف على عدة شخصيات مثل: المحجوبي أحرضان، عبد الكريم الخطيب، عبد الله القادري، إدريس البصري… وغيرهم.

الحلقة الثالثة: أول معركة انتخابية في 1976

لما تمت عملية الترشيحات ودخلنا مرحلة الحملة الانتخابية، كان علي أن أمر مباشرة إلى عملية التنسيق مع شركائي المترشحين في مختلف الدوائر بالجماعة. كانت هذه الأخيرة آنذاك تتألف من 15 دائرة انتخابية موزعة على 8 مشيخات وهي :
– مشيخة آيت وادفل بدائرتين : آيت وادفل وآيت بووشاون – إسرارن.
– مشيخة آيت صالح بثلاثة دوائر : آيت صالح وآيت لحسن وحساين
وآيت بوعزة.
– مشيخة آيت السبع بدائرة واحدة: ضمنها تالعلامت وتاجموت
وإحوفين )حاليا(،
– مشيخة آيت عبد الله بدائرتين: آيت ترجة وآيت عبو.
– مشيخة آيت لحسن ويخلف بدائرتين : عين جراح – سهب عشار
وآيت بلقاسم – آيت مزيان.
– مشيخة آيت يدير بدائرتين.
– مشيخة الحجاج بدائرتين.
– ومشيخة آيت داود وموسى بدائرة واحدة.

وللتذكير، فإن الأحزاب كان بإمكانها في ذلك الوقت أن تمنح التزكية لأكثر من مرشح واحد بنفس الدائرة الانتخابية بألوان مختلفة بدل الرموز
المعمول بها حاليا. وهنا أفتح القوس مرة أخرى لأقول بأن أحرضان لم يكن مخطئا، ولم يتصرف عبثا لما منحني تزكية الحركة الشعبية ومنحها
في نفس الوقت للمرحوم الحاج سعيد أمزيان، لأنه كان يعلم بأن فوز أي منا في الانتخابات سيكون في صالحه. كان من ضمن أنصاري البارزين المرحوم الحسين ولحسن الصغير، والذي لعب دورا هاما في دعم مجموعتنا بأفكاره وتجربته منذ بداية الحملة الانتخابية إلى غاية انتخاب الرئيس. فكان له الفضل أن أقترح علينا مغادرة المنطقة والاختفاء طوال مدة الحملة الانتخابية للرئاسة في أماكن بعيدة عن جماعة آيت السبع إلى حين تاريخ انتخاب مكتب المجلس. فمن هو الحسين ولحسن الصغير؟

كان الحسين ولحسن رجلا متكامل البنية، طويل القامة، أبيض اللون. ولد وترعرع بجماعة آيت السبع، قبيلة آيت سغروشن، وينتمي إلى دوار آيت لحسن وحساين. كان إنسانا عصاميا تعلم ما تيسر من القراءة والكتابة بالعربية بنفسه دون التحاقه بأي مدرسة سوى أيام قليلة بالكتاب لم يحفظ خلالها إلا بعض السور من القرآن الكريم، كما حكى لي هو بنفسه. كان رحمه الله يتمتع بدهاء خارق وبشجاعة قل مثيلها إلى حد التهور أحيانا. واستطاع بفضل كل هذه المؤهلات أن يحقق المعجزات ويصبح ثاني رئيس بلدية إيموزار كندر بعد الاستقلال رغم انتمائه لمنطقة قروية؛ بل أكثر من ذلك، حقق معجزة أكبر لما استطاع أن يصبح رئيسا للغرفة الفلاحية التي كانت تضم إقليم فاس الشاسع، وكانت تنتمي إليه آنذاك تاونات، وقرية بامحمد، وصفرو، وبولمان.

في الفترة نفسها، كان الحاج سعيد أمزيان رئيس جماعة آيت السبع. فكان الرجلان لا يفارق بعضهما الآخر، وينسقان ويتشاوران في كل أمورهما الخاصة والعامة. وكانا ينتميان معا للحركة الشعبية. وبفضل اتحادهما وموقعهما الاجتماعي والسياسي، استطاعا أن يضمنا لنفسهما قوة ونفوذا على كل الأصعدة، محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا.

ولا زلت أتذكر، في أوائل الستينيات من القرن الماضي، لما كنت تلميذا بثانوية مولي ادريس بفاس، وكان والدي رحمه الله حينذاك مخزنيا مكلفا بالحراسة في باب مقر إقامة العامل المسمى المسعودي، جئت لأخبره بنتائج الامتحانات فوجدت عنده بالصدفة سعيد أمزيان والحسين
ولحسن اللذان كانا ينتظران أن يؤذن لهما بالدخول إلى دار العامل؛ فإذا بهذا الأخير يخرج بنفسه فيستقبلهما ويعانقهما بحرارة. وقفت مبهورا أمام ذلك المشهد، ومنذ ذلك اليوم تعلمت بأن الاتحاد قوة.

هذا الاتحاد، مع الأسف، لم يدم طويلا، إذ سرعان ما تفكك بفعل الحاقدين إقليميا وجهويا، أولئك الذين كانت هذه القوة تزعجهم. فبدأت الخلافات بين عمي سعيد وعمي الحسين، وتعمقت أكثر لما التحق عامل جديد على رأس إقليم فاس كان يسمى أحمد بن بوشتى. هذا العامل كان صارما وواثقا من نفسه، ربما لأنه كان من الموقعين على وثيقة الاستقلال. وهذه القوة ستظهر أكثر عندما سيصبح وزيرا للعدل ثم وزيرا للداخلية.

(…)
سيلاحظ القراء الكرام بأنني أخلفت الوعد معهم لما دخلت في كثير من التفاصيل بالحديث مطولا عن سعيد أمزيان والحسين ولحسن. لقد تعمدت ذلك نظرا لقيمة الموضوع ونظرا للمكانة البارزة والمرموقة للرجلين في قبيلة آيت سغروشن طوال عقدين من الزمن تقريبا. رحم الله الحسين ولحسن، ورحم الله سعيد أمزيان. تعلمت من الأول شجاعته وصموده، ومن الثاني حكمته وصبره وبعد نظره. فرأيت من الواجب علي أن أذكرهما للتاريخ، لأنهما، ولو لم يحققا الشيء الكثير للمنطقة، فإنهما على الأقل ظلا رافعين راية آيت سغروشن عالية ما بين القبائل المجاورة. وهذا جزء من تاريخنا المشع لابد من الحفاظ عليه. وهذه هي ثقافة الاعتراف التي أومن وأعمل بها تجاه كل من سبقني إلى الميدان، حيا كان أو ميتا، لا ثقافة الجحود بالخوض في أعراض الناس بالتشهير وتبخيس أعمالهم بالنميمة وتلفيق التهم لهم كما هو الشأن عند بعض العدميين الغافلين.

(…)
دخلنا غمار الحملة الانتخابية، فكانت حقا حملة شرسة وعنيفة دامت أكثر من أسبوعين تشكلت خلالها مجموعتان متنافرتان : مجموعة أتزعمها ومجموعة يقودها الحاج سعيد أمزيان رحمه الله. ومرت انتخابات الأعضاء بخيرها وشرها، وأسفرت عن فوز 15 مرشحا وفقا للخريطة الانتخابية المعتمدة وهم : سعيد أمزيان وادريس أمزيان من مشيخة آيت وادفل. وبناصر أحوجيل وحدو عشار، ورزاق علي )الأكبر( من مشيخة آيت صالح. ومنتصر ادريس من مشيخة آيت السبع.

(…)
وتذكرت هنا من خلال الحديث عن حدو عشار، قصة فريدة عشناها أثناء “هجرتنا “المؤقتة من المنطقة، عندما علمنا من أبيه المرحوم الحسين بن حدو بأنه توصل بمبلغ مالي مهم لإقناع ابنه حدو بالتخلي عن مجموعتي والالتحاق بمجموعة عمي سعيد أمزيان. فأصبت بخيبة أمل، خاصة وأن الحسين وحدو مشهود له بالنبل والشهامة، وتعجبت أن يصدر منه هذا الفعل الشنيع. لكن سي حدو طمأننا في حينه وأكد لنا بأنها كانت خطة مدروسة مع أبيه حيث أوصاه أن يتظاهر بموافقته والحفاظ مؤقتا على المبلغ المالي لطمأنة صاحب الأمانة، والمحافظة على السر إلى حين ليلة الانتخاب. كانت الخطة ناجحة، لأن البحث عنا توقف وتوقفت معه الضغوط المباشرة على بعض الأعضاء من طرف أهاليهم، ظنا من خصومنا أنهم أصبحوا يتوفرون على الأغلبية المطلوبة…. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *