وجهة نظر

مقاربة في التفسير المفهوم والمنطقي للسقوط المدوي للبيجيدي

تبرم بعض قيادات حزب العدالة والتنمية من اﻻعتراف بالسقوط المأساوي في النتائج الانتخابية من 125 مقعد سنة 2016 إلى 13 مقعد في انتخابات 8 شتنبر 2021.
حاول إخوان العدالة والتنمية داخل أو خارج الأمانة العامة، كل واحد وخلفيته، الهروب إلى اﻷمام بالتلويح أن جهة ما هي التي أسقطت الحزب، أو بالقول إن استمالة المصوتين بالمال هو الذي أسقطه، أو بالتلميح أن هناك تزويرا للنتائج في مكاتب التصويت أو مكاتب وزارة الداخلية.

وأما الإخوان المحللون خارج المغرب فيدّعون أن جهات دولية كفرنسا أو الإمارات أو إسرائيل هي التي أمرت المملكة المغربية بدحر هذا الحزب التاريخي؛ ولم يراعوا في تحليلاتهم أنه المخلص للملكية والمنافح عنها؛ بل والمنقذ لها من المحنة التي عاشتها دول الربيع العربي.

هي قراءة خارجية نجدها لدى قيادات قابعة على الكراسي الفاخرة في مكاتب الإدارات، يقضون كل أوقاتهم فيها ليتوصلوا بمعلومات أو تقارير مكذوبة بعضها من مستشارين أو مسؤولي هيئات، أصحاب “العام زين”، ﻻ علاقة لهم بأرض الواقع؛ ونجدها عند الكتاب أو الصحفيين داخل المغرب أو خارجه الذين يبنون تحليلهم على معلومات متفرقة يقتبسونها من الصحافة الورقية أو الإلكترونية.

يكون التركيز في منظورهم على عوامل خارجية محضة لتبرير الاندحار، خارج القراءة الموضوعية التي ﻻ يمكن أن تتحقق عناصرها اﻷساسية إﻻ من رؤية من الداخل، ومن محللين يعملون على الأرض، ويجمعون بين الكتابة أو الفكر والممارسة السياسية النافذة إلى الفئات اﻻجتماعية، والمنصتين لكل أعضاء الحزب القاصي والداني.

في هذا الإطار، قمت سابقا ببحث سهل ممتنع، بطرق وتقنية جديدة تجمع بين أراء عينة من المواطنين في الشارع، وإحصاء عينة من آراء الفايسبوكيين والمدونين ومجموعات الواتساب، وعينة من أعضاء الحزب، كل العينات بالشروط العلمية المعروفة في العلوم البحثية؛ ثم أخضعت النتائج لتجارب عديدة؛ على أساسها تجرأت وبثقة تامة، أبريل الماضي وفي تدوينات عديدة، على أن أنبه وأحذر أنّ الحزب سيتعرض في انتخابات 2021 لمأساة العقاب الواسع من أعضائه قبل غيرهم من عموم الشعب المغربي، وتوصلت إلى أنه سيرتب على الأقل في حدود ما بين الرتبة الرابعة والسادسة. وخلافا لجميع اﻷعضاء المتعصبين الذين تهمهم مقاربة الترويج والدعاية (تضليل الرأي العام)، أكثر مما تهمهم المقاربة العلمية والموضوعية في الممارسة السياسية، جزمت أن القاسم الإنتخابي الجديد، الذي ناهضه الحزب رسميا، سيكون لصالحه وليس ضده؛ وافترضت آنذاك أن الدولة أمرت به اﻷحزاب، لتمرره في البرلمان، لكي ﻻ يُمحى هذا الحزب وغيره من الأحزاب الصغيرة دفعة واحدة من الخريطة السياسية. وبالفعل ظهر بعد إعلان النتائج أن حزب العدالة والتنمية ما كان له أن يحصل على أي مقعد من المقاعد البرلمانية الثلاثة في الجز اﻷول (آخر مقعد في كل ﻻئحة محلية رجالية!) وﻻ أي مقعد من المقاعد الجهوية التسعة في الجزء الثاني (اللائحة النسوية) بمجموع 13 مقعدا فقط، لولا هدا القاسم الانتخابي الجديد! أي حسب عدد الأصوات التي حصل عليها، ﻻ يمكن أن يحصل على أي مقعد إﻻ بفضل القاسم الإنتخابي الجديد.

الظاهر، إذن، وباﻷدلة الواقعية والتاريخية أن العوامل الخارجية، المألوفة من تزوير محدود غير ظاهر، واستعمال مفرط ومألوف للمال وغيرها، تقوي الحزب دائما ، وقد لازمته منذ نشأته ولا تضعفه ؛ لكنه استطاع الانتصار عليها بمصداقيته وحفاظه على مبادئه.

وأما السياق الدولي أو الإقليمي فهو بدوره ليس بجديد؛ بل كان أشد ضراوة من قبل؛ فتحداه الحزب بقيادة بنكيران، وانتصر عليه باﻻكتساح في جميع المحطات الانتخابية 2011 و2015 و2016، وهي كلها محطات ملتهبة بالتدخلات المفضوحة، إلى درجة محاولة التشويش على شعبية الحزب بإشاعة اغتيال اﻷخ الشهيد عبد الله باها سنة 2014 ، وإلى درجة تنظيم مسيرات ولد زروال التي رُفِع فيها شعار “بنكيران ارحل من الصحراء”، وإلى درجة اتهام بنكيران في قبة البرلمان بالعمالة مرة للموساد، وللتنظيمات اﻹرهابية مرة أخرى، وحتى من قبلُ تُلحِق أعضاءَ الحزب دائما تهمةُ اﻻرهاب، وتهمة المسؤولية على اﻷعمال اﻹرهابية سنة 2003، وإشاعة عداء الملك للحزب مقابل “حزب الملك” في جميع المحطات اﻻنتخابية.

إذن، ما هي العوامل الجديدة الحاسمة لكارثة الزلزال اﻻنتخابي؟

الجواب مباشرة هو العوامل الداخلية باﻷساس التي بدأت بظهور اﻻختلاف والتنازع داخل اﻷمانة العامة في آخر دورة للمجلس الوطني، يناير سنة 2017، قبيل إعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة، وخروج قيادات في وسائل الإعلام، وإعلانها التمرد على بنكيران قصد إنهاء “بلوكاج” تشكيل حكومة وﻻيته الثانية الذي دام خمسة أشهر؛ لتكبر النزاعات وتتسع إلى أن تم إعفاؤه 15 مارس 2017 وتشكيل حكومة الدكتور العثماني تلت ذلك خروج تصريحات من القياديين تتهم بنكيران بمنهج التصادم مع الملك، ثم صعود د. العثماني أمينا عاما بنصف أعضاء الحزب. وشكلت هيئات مجالية تحت إشرافه، غدّت في أغلب الجهات واﻷقاليم التنازع والشقاق، وازدادت نسبة الساخطين على الحزب بسبب وقوع الحكومة وفريق الحزب في أخطاء كثيرة متفاوتة الخطورة، ولها وقع شديد؛ وأما قواصم ظهر الحزب داخليا فهي:

على المستوى الوطني ثلاث قرارات فيها نزاع شديد بين أعضاء الحزب حول مخالفتها لمبادئ الحزب:

اﻷول تمرير فرنسة التعليم في قانون الإطار لمنظومة التربية والتعليم

الثاني توقيع الدكتور العثماني على التطبيع مع إسرائيل.

والثالث: تمرير قانون السماح بزراعة “الكيف” (عشبة مخدرة).

باﻹضافة إلى عدد من القرارات التي مُررت في إطار تدبير أزمة الجائحة؛ أغضب الكثير منها الشارع المغربي، بمختلف فئاته، وغيرها من القرارات التي تُبيّن رغبةَ جهة متحكمة في بهدلة رئيس الحكومة وحزبه وفريقه البرلماني.

وعلى مستوى الجهات واﻷقاليم من أعظم المشكلات:

اﻷولى ملاحظة عموم أعضاء الحزب في مختلف المواقع وقوع عدد من منتخَبي الحزب ومدبري الشأن العام في اختلالات وشبهات تمس بالمصداقية والنزاهة والشفافية، وبشكل مفضوح وصارخ لدى بعضهم، ورغم ذلك تغاضت اﻷمانة العامة عن مساءلتهم؛ مما يشجعهم على المضي في أساليبهم المخلة بمبادئ الحزب وأخلاقيات تدبير الشأن العام.

الثانية هي الكولسة بشكل شبه عام وغير مسبوق، وتآمر البعض على البعض، على جميع المستويات المجالية، من أجل الهيمنة على التنظيمات المجالية، أو من أجل نيل التزكيات للانتخابات.

الثالثة تزكية المتلاعبين في المال العام والمذكورين سابقا للترشيح للانتخابات، وتزكية عدد ممن لم يسو وضعيته المالية بالملايين تجاه الحزب، عن علم وعمد، في مخالفة صارخة لقوانين الحزب ومبادئه..

كل هذه اﻷخطاء الداخلية القاتلة أدت إلى تواري أغلب أعضاء الحزب إلى الخلف، وترك اﻷمين العام وأمانته العامة مع القلة الباقية وأصحاب “العام زين” يعوم سفينة الحزب في البحر حتى غرقت بهم جميعا.

الخلاصة:

لو التزم أعضاء الحزب وعوائلهم وحدهم بالتصويت على المصباح ﻻحتل الرتبة اﻷولى بدون منازع؛ هكذا يجب اعتراف الجميع بهدوء وتواضع وبكل شجاعة، بعيدا عن الديماغوجية وأساليب التهرب من المساءلة السياسية والأخلاقية، ليعود كل المناضلين إلى حزبهم، لينخرطوا من جديد، ويستعد الجميع ليقوموا بمراجعات ونقد ذاتي بكل موضوعية، ومحاسبة صارمة ﻻ يلينون فيها، وتصحيحات جذرية حقيقية، من أجل نهضة جديدة شاملة للحزب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *