وجهة نظر

إنصافا للعدالة والتنمية

يعتبر تنظيم الاستحقاقات الانتخابية في ظل قانون الطوارئ الصحية، الذي ينظم الحياة العامة منذ ظهور جائحة” كوفيد 19″، وجها من أوجه غياب تكافؤ الفرص، وسلاحا فعالا للتصويت العقابي، فما شهده المغاربة من معاناة وتقهقر للوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسر والأفراد، سينعكس سلبا على الاختيار الديمقراطي. فهل الحفاظ على دورية الانتخابات تعبير عن الإنصاف الديمقراطي؟

قد يقول قائل بأن الحفاظ على المنطلقات الانتخابية الممهدة لتشكيل المجالس التشريعية والتنفيذية، ثابت يسمى على قانون الطوارئ الصحية، بوصفه تعبير عن اختيار الأمة، وهذا حق أريد به باطل، ذلك أن تأثر إرادة الناخبين، بفعل تدهور الأوضاع، بالإضافة لتوقف عجلة بعض القطاعات الخدماتية والإنتاجية عن الدوران، عوامل من شأنها توليد فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة. وأن المنطق يقتضي أن يكون السياق الممهد للعملية الانتخابية، متسم باستقرار سياسي واجتماعي واقتصادي، في مشهد يجعل إرادة الناخب حرة، ومستقلة، لا تنصاع لنيران الغضب الاجتماعي أو إغراءات سلطة المال.

كما كان متوقعا، شرب حزب “العدالة والتنمية” كأس المنية صافيا، ويعزى هذا التصويت العقابي من لدن الناخبين لعوامل كثيرة منها: إكراهات جائحة كورونا وتأثيرها على الإرادة الناخبة، وغياب سياسة تواصلية فاعلة مواكبة للأوراش المفتوحة في عهد حكومة العثماني، دون نسيان الخلافات الداخلية وأثرها في عدم وحدة الفريق في ظل مرحلة كانت تتطلب التعبئة الشاملة.

ولم يكن متوقعا، أن يبلغ العقاب مداه، لدرجة أن ينال الفريق ما يناهز 13 من أصل 395 مقعدا برلمانيا، على اعتبار أن أداء حكومة العثماني يمكن وصفه بالأفضل في تاريخ المغرب رغم كل الإكراهات، كما أن أداء المجالس الجماعية التي ترأسها حزب العدالة والتنمية عرفت دينامية مشهودة على مستوى البنى والتحتية والتنمية المحلية.

ومن جملة ما قامت به حكومة العثماني، التأسيس لإصلاحات بنيوية في مجال التربية والتكوين عبر إقرار مشروع الإجازة في التربية بوصفه ورشا استراتيجيا في مجال التكوين، والعمل على الرفع من المشاريع المبرمجة لبناء الكليات والمعاهد العليا والتأسيس لمنظومة التوظيف الجهوي في إطار تنزيل رؤية جهوية موحدة تراعي أبعاد التنمية الشاملة.

وقد شهد قطاع الصحة، برمجة إنشاء مجموعة من المؤسسات الصحية، التي ستتناغم ووفرة العرض الصحي بعدد من جهات المملكة، كما تم الاستناد مؤخرا لإمكانية فتح المجال أمام الطب الأجنبي وذلك بغية خلق تنافسية ستنعكس إيجابا على القطاع، كما ستمكن من سدد الخصاص المسجل على مستوى الأطر الصحية بالمناطق النائية. تلك أوراش منها ما تحقق، ومنها من هو قائم التحقق.

وعلى مستوى البنيات التحتية، فقد سجل القطاع تطورا مهما في برمجة بناء السدود والطرق والقناطر، وفتح المجال أمام إمكانية مدد عدد من المناطق النائية بالطريق السريع، كما عرف النقل العمومي تطورا مهما، واكب الدينامية الكبرى التي انطلقت منذ حكومة بنكيران في هذا المجال.

كما عرف عدد من المجالس الجماعية، التي أدارها حزب العدالة والتنمية، بداية التأسيس لمفهوم “الخدمات العمومية”، عبر التواصل المؤسساتي المعتمد في إطار تواصل القرب مع المواطن، والسعي الحثيث لحل بعض المشكلات الكبرى للمدن كالنقل العمومي، الذي عرف تجديد أسطوله في عهدة عبد العزيز العماري بالدار البيضاء، وترسيخ البعد الأنثروبولوجي لمراكش باعتبارها مدينة سياحية بامتياز، وكذا تخليص جماعة فاس من تراكمات ديونها وإعادة الحياة لمعمل النسيج بها…

ولا يمكن تصور أن يقوم حزب بهذه المجهودات، ويتلقى تصويتا عقابيا لا يمكن تفسيره، فهل المسألة متعلق بأبعاد استراتيجية تتطلب اختفاء قسريا للبيجيدي أم أن تصدعات البيت الداخلي عصفت بأداء الحزب انتخابيا؟

في معرض الإجابة عن هذ السؤال، يمكن إجمال عوامل انهيار العدالة والتنمية إلى الأبعاد التالية:

· استراتيجيا: تشهد المملكة المغربية بروز علاقات خارجية استراتيجية مع عدد من الجهات، التي قد تتعارض والأبعاد القيمية للحزب، مما قد يشكل إحراجا للدولة برمتها في علاقتها بحلفائها الجدد، كما أن السياق الدولي يعرف تساقط أوراق الأحزاب “المحافظة” في غابة تنمو فيها أشجار التيارات الليبرالية واليسارية عالميا. وبفعل انشغال الخبراء الاستراتيجيين بدراسة الخرائط الجيوسياسية، فإنه من المرجح، ان يتم تقديم خارطة طريق جديدة يكون فيها البيجيدي خارج اللعبة.

· تدبيريا: مما لا ريب فيه، أن ظهور وباء كورونا، أضعف شعبية حكومات العالم بأسره، بعد أن رفعها في الأشهر الأولى، بالنظر لطول أمدها، وهو ما يفرض فرض قيود احترازية، ستنعكس سلبا على سيكولوجية الجماهير، لتكون بذلك الحكومة _الجهاز التنفيذي_ المصدر الأول لتوجيه النقد. فالمغرب مضى في خط تصاعدي، اتسم مع إطلاق مشروع “انطلاقة”، الذي سرعان اندثر بفعل تأثر الحياة المجتمعية وميزانية الدولة.

· تواصليا : يعتمد حزب العدالة والتنمية في استراتيجيته التواصلية على “القائد الملهم”، الذي أثر غيابه عن المشهد السياسي على الأداء التواصلي للحزب، بفعل تأثر الجماهير بكاريزما الزعيم، وقدرته على تحريك المياه الراكدة، مما جعل الحزب عرضه للنقد من خصومه السياسيين ، الذي استعملوا وسائل إعلام شنت حروبا بالوكالة ضد الحزب.

· مؤسساتيا: عرفت مؤسسة العدالة والتنمية ، تصدعات داخلية ، أرخت بظلالها على وحدة وتماسك الحزب، مما دفع منخرطين للانسحاب، وأخرين للتفرغ للنشاطات اليومية وإهمال الشؤون الحزبية، خاصة بعد إعفاء الزعيم، ودخول أمينه العام الجديد في مرحلة إطفاء الحرائق، ولأن خير وسيلة للدفاع الهجوم، فقد اختار الربان الجديد صد الضربات تحت شعار ” حكومة الصمت والإنجاز”، الشيء الذي عزل الحزب عن منطق التسويق السياسي ، الذي أجاده الخصوم بكل حنكة.

· سياسيا : شهدت الأحزاب المتنافسة ديمقراطيا مع العدالة والتنمية، طفرة مؤسساتية ، أعقبتها تسخير موارد مادية وبشرية لتسويق برامجها بأبهى صورة ممكنة في إطار فن “الممكن”، بوصف السياسة سوقا خاضعا للعرض والطلب، له زبناء وموردين وتحكمه قوانين السياسة، وتطبعه براغماتية التأثير والتأثر، مما ساهم في استقطاب نخب جديدة لهذه الأحزاب، عملت على تلميع صورة أحزابها، في مقابل ركود تنظيمي، حرص فيه الأمين العام للبيجيدي على تجديد هياكل الحزب اللوجستيكية، ناسيا ومتناسيا الخطر المحدق يمينا وشمالا، وأن التحرك العاجل مطلوب قبل فوات الأوان.

صفوة القول، عرفت الاستحقاقات التشريعية والجهوية والجماعية، دروسا جديدة في فن التواصل السياسي، أثرت بجلاء على اختيار الناخب المغربي، كما ميز الجو العام المنظم للانتخابات غياب الإرادة الحرة ، والمسؤولة ، المتأثرة بقانون الطوارئ الصحية، مما يجعلنا نفترض أن عدم تأجيل الانتخابات لغاية انفراج الأوضاع، فرصة سانحة لردع البيجيدي انتخابيا، لغاية في نفس يعقوب، مما سيؤثر مستقبلا على البناء الديمقراطي المغربي، الذي استغرق في هيكلته سنوات من النضال الديمقراطي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *