وجهة نظر

كيف تقتل المدرسة الحياة لدى الطفل ؟

لماذا ليس لنا نحن المغاربة نخب قوية، أقصد نخب علمية/تقنية من المستوى العالي؟ نخب لها هوية، لها مشروع، لها حلم، قلقة، تنظر الى المستقبل و ترغب فيه بشدة؟ لماذا ليس لنا نخب تخلق يوميا المعرفة العلمية؟ و تضيف يوميا الى الابداع/الإنتاج العلمي/التكنولوجي العالمي؟ وتشكل أو على الأقل تساهم في صياغة هذا العالم العجيب– و الخطر جدا- الذي “يجمعنا”؟

لنقلها بكامل البساطة الممكنة: النخب القوية، الخلاقة، التي تصنع العالم، تصنع بالمدرسة.. مبكرا جدا بالمدرسة.. السؤال اذن هوهذا: هل تلعب المدرسة المغربية هذا الدور؟ الذي هو كما أومن بقوة أول أدوارها؟

اننا لانخرج من بطون امهاتنا اغبياء.. ان الغباء/الخواء/التخلف يصنع – كما يصنع أي شيء بشري أخر- داخل أنساق التنشئة الاجتماعية الاولى التي هي العائلة/المدرسة.. كل أطفال العالم يولدون بمقدرات رياضية/فزيائية/كميائية قوية جدا.. وكل أطفال العالم ومنذ أول لقاء لهم بالأشياء يمارسون الرياضيات/الفيزياء/الكمياء.. في مستواهم à leur niveau .. وهم يلعبون، و هم يفرغون اناء ماء، وهم يعيدون ملئه، و هم يترددون في القفز، و هم يعجنون أي شيء.. المشكل ليس في الطفل.. المشكل في العائلة التي تتدخل -لأسباب مرتبطة بنوع الوعي/اللاوعي التاريخي الذي تحمله و يحملها- لتمنع الطفل من السير في هوياته/ذكاءاته المتعددةses intelligences multiples .. العائلة أول نسق اجتماعي يمارس القصف/الخصي على الطفل la castration، أول نسق يمنع الطفل من السير في تبنينه/نمو النفسي/الوجودي، في تنفس/استدخال/ممارسة/خلق الحياة، لنفسه و للعالم.. النتيجة؟ حتى قبل الوصول الى المدرسة – النسق الثاني بعد العائلة في استراتيجيا قصف الطفل، قتل الحياة لدى الطفل- يطور الطفل علاقة متوترة angoissée, troubleمع الموضوع، مع العالم، مع ذاته.. انتبهوا.. الامفي الاغلبية الساحقة للحالات ولأسباب يتداخل فيها التاريخي ب………. التاريخي هي التي تمارس الخصي الأول، هي التي تمنع الطفل من تعلم الاليات الأولى، من تطوير القدرات الأولى، من احتساء نشوات التعلمات/المعارف/المباهج الأولى – و التي غالبا ما تكون هي المباهج الأخيرة في الحياة.. لماذا تمارس الام عمل التخريب هذا؟ و بإلحاح حتى لا أقول بحب كبير؟ انتم تعلمون السبب: انها هي أيضا مخصيةelle est elle-même castrée ، ام/طفلة تم خصيها لتظل دوما تحت قبضة أمها الكبرى، نظام التخربيق/الموت العام، النظام العام للأشياء.. الام ليست “قاتلة” في جيناتها.. انها “تقتل” لتنفذ دورا ضمن سياسة أكبر: قتل الأبناء ل”نبقى”؟

ثم تأتي المدرسة.. ما هو جزء المدرسة من سياسات الخصي؟

تقتل المدرسة أربعة أشياء لدى الطفل.. أشياء نفسية/فكرية/وجودية عميقة جدا.. الشغف أو الحبla passion .. الرؤيةla visibilité.. الابداعla création.. الاجتماعla sociabilité ..

1- تخيلوا معي صحافيا يسأل انشتاين: “سيد انشتاين، من أين جئت بمواهبك العلمية؟”… وتخيلوا اكثر جواب عالمنا.. هل سيكون هو: ” انا فقط نفذت نصيحة أبي”؟ أو ” انا أحسست بأشياء بداخلي حاولت تطويرها”؟؟؟.. بمعنى أخر يأتي الطفل – أي طفل – الى المدرسة بشغف، بحب نحو أشياء ما، بهواجس.. ماذا تفعل المدرسة؟ ماذا يكون جوابها؟ في الغالب ما يلي: ” صغيري، اترك شغفك/هواجسك جانبا.. اننا نحن من سنمنح لك شغفك و…. أسئلتك”… في البرامج المدرسة سيتحول السؤال من “علاش الليل كحل؟” الى “كم تنتج فرنسا من لتر من الحليب يوميا؟”.. وشيئا فشيئا يلج الطفل عالما غريبا، عالما ليس عالمه، عالما بلا طعم.. بلا رائحة.. النتيجة: ضياع الذات.

2- ماذا يحصل لتلميذ تكون له رؤية؟؟ انه يتبع خطة، يحدد الأهداف الكبرى و الصغرى، المواد الأهم له، المسار الذي يريد.. يقول هذا الطفل مشروع الباحث المتنور الخلاق في قرارة نفسه: ” اما الكمال الذي يرجوه الاخرون فهو لا يعنيني لانهلاعلاقة له بأهدافي”.. بطبيعة الحال تأتي المدرسة فتقتل الرؤية.. لان الرؤية الذاتية غالبا ما تريد عالما أخر غير عالمها.. أما التقنية المستعملة فهي التالية: اغراق الطفل في كم هائل من المواد تجعل منه و هو في أول مساره شخصا تائها لايلوي على شيء، فيصبح همه الأكبر هو الجري وراء البقاء، وراء “الالتصاق” بأي شيء يضمن البقاء.. حتى لا تلفظه “المدرسة”.. النتيجة: ضياع العقلانية.

3- انتم تعرفون أن الانسان المبدع ينظر الى الأشياء بطريقة مختلفة، يعطي معاني كثيرة ربما لنفس الشيء، لكن المدرسة – في وفاء تام لدورها في خصي/نفي البشر- تأتي لتضع حدا لكل هذا: ففي تمرين للتعبير عن الإمكانيات الإبداعية، لرسم شجرة مثلا، سوف لن يسمح للأطفال بالخروج نحو شجرة لا تلائم الشجرة “الطبيعية”، المتواضع حولها.. و أي هروب نحو شجرة أخرى، مختلفة، لنقل شجرة إبداعية، ذاتية، حالمة، خيالية، سوف يقمع بكامل الحرفية البيداغوجية.. الهدف – لاحظوا أننا في قلب تمرين حول الخيال و من أجل الخيال- هو رد الكل الى الشجرة الاجتماعية ان صح القول، التي يجب أن تكون بألوان معينة، و بخطوط معينة، و ب”جذور” معينة، و بأغصان “جميلة”.. مع هذا القصف، يضيق العالم على الطفل.. و النتيجة: ضياع الحلم.

4- النقطة الأخيرة.. الاجتماع.. الدينامية الجماعية.. عندما يكون عندك طفل “مشاغب” في الفصل فانت غالبا ما تحاول رده للصف.. تعتبره مشاغبا فتقوم بما “يجب” فعله لإعادةالاستقرار.. من هو “المشاغب” من الناحية الوجودية؟ انه ببساطة شديدة ذاك الذي يريد خلق أشياء/علاقات بين العناصر الثابتة.. انه عنصر برغبة و في الغالب بقدرة باهرة على الربط.. على اطلاق التفاعل.. عندما ترد المشاغب الى الصف فانك لاتقتل فقط الفرد، لاتقتل فقط الفرد المعني، انك تقتل الجماعة أيضا،تقتل مشروع/أفق جماعي..

لماذا تقتل الدولة/المدرسة الطفل؟ لماذا تخاف من المدخرات “الطبيعية” للطفل؟ ان السبب هو ان لديها مشروعا أخر لايمكن أن يكون و يستمر الا بإفراغ الطفل من “شغبه”، من أحلامه “الزئبقية”، من هويته “الهاربة”، من قلق لايمكن تحمل تكلفته.. ما هو هذا المشروع؟ انه ربط البشر الى سوق الشغل.. وسوق الشغل يحتاج الى نوعين من “المتعلمين”: الخماسة، هؤلاء المنذورون للعمل كعبيد داخل معامل العار المعولم.. و السادة، المنذورون لقيادة/نهب العالم.. وفي كلتا الحالتين لا مكان لأي شخص يمارس القلق/الحلم/الابداع.

لنلخص.. تقوم المؤسسة المدرسية بمنع الطفل من أن يكون هو، من أن يكون باحثا من أجل ذاته و العالم.. تقصف ممكناته الأولى.. تمنعه من بناء أي شيء خارج “المنظومة”، خارج العلبة..قبل أن تجره الى استدخال الكفايات المهنية باعتبارها الكفايات الوحيدة الممكنة.. و…. الناجحة.. المدرسة – العمومية/الخاصة- أداة عنف تاريخي كبير un outil de violence à grande échelle … الفرق بين الأولى و الثانية؟ المدرسة العمومية تخصينا بالمجان.. الخصوصية تخصينا و نحن نمنحها مقابل شهريا على ذلك.