وجهة نظر

تقرير غوتيريس حول الصحراء.. “مستوى منخفض” من المخاطر الأمنية رغم “الأعمال العدائية”

قراءة في التقرير الأخير للأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريس حول ملف نزاع الصحراء

بالرغم من أن تقرير الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريس لم يأتي بجديد بخصوص التوصيات التي دأب على اقتراحها على مجلس الأمن الدولي في كل محطة لمناقشة لمستجدات قضية الصحراء، مع انتهاء مأموريات بعثة المينورسو، عدى عن إبداءه لقلقه الشديد إزاء ما وصفه بـ”الأعمال العدائية”، إلا أن تقريره لهذه السنة المقدم في معرض شهر أكتوبر الجاري يحظى أهمية بالغة، نظرا للتطورات الهامة التي شهدها ملف النزاع في طوال عهدة بعثة المينورسو المنتهية، وخاصة منذ التدخل العسكري المغربي في منطة الكركرات وتأمينه للمعبر الحدودي الذي يربطه بموريتانيا في 13 من نونبر الماضي، وما تبع ذلك من أحداث متسارعة، شملت المجالات السياسية، الدبلوماسية والميدانية وتوجت بالمحطة الانتخابية المغربية الأخيرة الجماعية والبرلمانية والتي شهدت مشاركة واسعة في الجهات الصحراوية قياسا لبقية جهات المملكة، وتزامن مع توتر غير مسبوق في العلاقات الجزائرية المغربية، خاصة بعد اتخاذ الجزائر لمجموعة من الإجراءات التصعيدية، أهمها قطع العلاقات الدبلوماسية وغلق مجالها الجوي أمام الطيران المغربي.

حيثيات أزمة الكركرات والتأكيد على خرق البوليساريو لبنود اتفاق وقف إطلاق النار

التقرير الصادر بعيد الإعلان عن تعيين كل الروسي ألكسندر إيفانكو كممثل اخاص للأمين العام الأممي ورئيس البعثة الأممية العاملة في الصحراء، إلى جانب الدبلوماسي الإيطالي ستيفان ديميستورا كمبعوث أممي مكلف بملف النزاع حول الصحراء، بدأه غوتيريس بإحاطة لمجمل التطورات التي شهدتها المنطقة طوال سنة من عمل المينورسو، فكان لافتا إشارته إلى سياق أزمة الكركرات في معرض شهري أكتوبر ونونبر من سنة 2020، حيث أكد على ملاحظة البعثة لوجود عناصر مسلحة تابعة للبوليساريو في المنطقة العازلة في الكركرات قبل التدخل المغربي، مذكرا بتأكيد ممثله الخاص في اتصالاته مع البوليساريو على أن ذلك يعد انتهاكا للاتفاق العسكري رقم 1، ومطالبته بالبوليساريو بسحب عناصرها من الشريط العازل، في حين لم يتضمن التقرير أية مطالب موجهة للمغرب بخصوص تواجده في الكركرات وتأمينه للمنطقة الحدودية، عدا عن دعوات عامة بضرورة ضبط النفس واحترام حرية تدفق السلع والأشخاص في المعبر.

تفادي توصيف “الحرب” والتأكيد على محدودية “الأعمال العدائية”

ورغم تحذيره مما وصفه بـ”الأعمال العدائية” وإشارته إلى تناقض توصيفات الأطراف بخصوص الوضع الأمني بالإقليم، إلا أن التقرير تفادى استخدام توصيف “الحرب” في حين أكد على أن تلك الأعمال كانت “منخفضة الشدة”، مشيرا إلى تراجعها منذ شهر يناير الماضي، وموضحا عدم تجاوزها للشريط العازل، وتركزها مجملها في منطقة المحبس القريبة من الحدود الجزائرية بنسبة 88 في المائة، ليشير إلى تراجع معدل إطلاق النار المبلغ عنه من قبل الأطراف منذ يناير الماضي.

وبحسب تحليل بعثة المينورسو لصور الأقمار الإصطناعية، يوضح التقرير، “فقد حددت المواقع التي بدا أنها حفر ارتطام ناجمة عن نيران المدفعية على جانبي الساتر الترابي”، ما يوضح طبيعة المواقع المستهدفة، والمتمثلة في أماكن غير مأهولة في المناطق العازلة، فيما لم يشر التقرير إلى رصد أية مواقع لآثار هجومات البوليساريو في مناطق أخرى.

وفي حين أكد على أنه “لم ترد أنباء عن وقوع إصابات” بخصوص مزاعم البوليساريو باستهداف مواقع مغربية، فقد أشار إلى نتائج العمليات التي “يُزعم أن طائرات بدون طيار التابعة للجيش الملكي المغربي قد شنتها”، والتي أدت إحداها إلى مقتل القيادي العسكري في البوليساريو الداه البندير، بحسب التقرير دائما. فيما نقل النفي المغربي الرسمي حول شن الجيش المغربي “لهجومات عبر استخدام لطائرات عسكرية أو استطلاعية شرق الجدار”.

نشاط دبلوماسي مكثف وجهد إستثماري معتبر غرب الجدار

غوتيرس عرج أيضا في تقريره على المكاسب الدبلوماسية التي حققها المغرب إبان عهدة المينورسو المنصرمة، حيث عدد البلدان التي راسلته بخصوص اعتزامها على افتتاح قنصليات لها بكل من مدينتي العيون والداخلة، كما أشار إلى القرار الأمريكي القاضي بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وتأكيدها “من جديد على دعمها لاقتراح المغرب بمنح الإقليم حكما ذاتيا، بمنح الإقليم حكما ذاتيا”، حسب ما نقله عن الإعلان الرئاسي الأمريكي. قبل أن يتناول استثمار المغرب في تطوير البنية التحتية في مناطق غرب الجدار خلال الفترة المشمولة بالتقرير، حيث ذكر تشييد ميناء الداخلة الأطلسي، إضافة إلى إستمرار الأشغال المتعلقة بإنجاز الطريق السريع تزنيت – الداخلة، مشيرا إلى زيارات عديد الوفود الدبلوماسية لمدينتي العيون والداخلة لاستكشاف فرص الاستثمار في الإقليم.

تداعيات الموقف الجزائري والأزمة التي تشهدها العلاقات المغربية الجزائرية

وبخصوص الخطوات التصعيدية التي أقدمت عليها الجزائر، كان لافتا توضيح غوتيريس للتبرير الذي أدرجته وزارة الخارجية الجزائرية في بيانها بخصوص قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، والمتمثل في إشارتها إلى “تخلي المغرب عن الالتزام الذي قطعه الملك الحسن الثاني في بيان مشترك… لدعم حل عادل ونهائي لنزاع الصحراء الغربية من خلال إجراء استفتاء”، بحسب ما نقله الأمين العام الأممي عن الموقف الجزائري. ما يوضح تغير المقاربة الجزائرية الرسمية في التعاطي مع ملف النزاع حول الصحراء، بعد أن ظلت طوال عقود من الزمن تتفادى الظهور كطرف مباشر في النزاع، في حين باتت تعبر عن مواقفها المناهضة للمغرب إزاء قضية الصحراء بشكل صريح وفي بيانات ومراسلات رسمية موجهة للأمم المتحدة. لكن الأمين العام الأممي أكد أيضا في توصياته على تأثر الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتوصل إلى حل سلمي لنزاع الصحراء بواقع العلاقات المغربية الجزائرية المتدهورة، حيث “شجع البلدين الجارين على إيجاد طريقة للمضي قدمًا لإصلاح العلاقات، بما في ذلك دعم التعاون الإقليمي والسلام والأمن في المنطقة”.

قيود تفرضها البوليساريو على المينورسو ومخاطر أمنية جمة شرق الجدار

وفي ما يتعلق بأنشطة البعثة الأممية المرتبطة بمراقبة وقف إطلاق النار عالى طول خط الهدنة، فقد أشار الأمين العام الأممي إلى ما وصفه بـ”القيود الكثيرة” التي تفرضها جبهة البوليساريو على عناصر البعثة المتواجدين شرق الجدار، والتي تبررها مراسلات مسؤولي الجبهة بـ”ضمان أمن وسلامة أفراد البعثة”. والتي عرقلت مختلف حاجياتها من الإمداد والدعم التقني وإصلاح وصيانة معداتها، محذرا في توصياته من أن تلك المواقع لن يكون عملها ذات طبيعة مستدامة ما لم يتم التراجع عن تلك القيود المفروضة على عمل البعثة، داعيا البوليساريو إلى “إزالة جميع القيود المفروضة على حرية حركة قوافل البعثة البرية والأصول الجوية والأفراد شرق الجدار الرملي، وأن تسمح بالتدفق الحر للخدمات اللوجستية وخدمات الصيانة”. مشيرا إلى انعكاس تلك الإجراءات على مهام البعثة، خاصة ما يتعلق بمراقبة وقف إطلاق النار، حيث اضطرت الى تخفيض عناصرها المتواجدين في المناطق العازلة شرق الجدار، بعد عرقلة إمداد مواقع المراقبين العسكريين المتقدمة.

وأما أمنيا فرغم إشارة التقرير إلى الأضرار الجانبية المحتملة لما وصفه غوتيريس بـ”الأعمال العدائية” بين الجانبين، إلا أنه أكد على استمرار تسيير البعثة للدوريات البرية وللطلعات الجوية غربي الجدار الرملي، مضيفا أنه “وبناءً على تقييم المخاطر القائمة على موظفي نظام إدارة الأمن التابع للأمم المتحدة وعملياته ومنشآته، فقد ظلت مستويات تقييم التهديدات العامة في المناطق الأمنية الأربع (العيون، غرب الجدار الرملي، وشرق الجدار الرملي، وتندوف) دون تغيير عند المستوى المنخفض إلى معتدل”. فيما ركز التقرير على التهديدات المتعلقة بمخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة في المناطق الخاضعة للبلوليساريو شرق الجدار. وعلى العكس من ذلك، لم يشر إلى وجود أي مخاطر تهدد أمن وسلامة أفراد البعثة غرب الجدار.

تدهور للأوضاع الانسانية وتقارير حول انتهاكات حقوقية في مخيمات تيندوف

وفي محور الأنشطة الانسانية، فقد ركز التقرير على الحالة الاجتماعية والاقتصادية في مخيمات تيندوف، والتي وصفها بـ”الهشة”، مشيرا مساهمة جائحة الكوفيد 19 في زيادة تدهورها وفي “تأثيرها السلبي على واقع حقوق الانسان بشكل عام”، ليؤكد إبلاغ ساكنة المخيمات عن ما وصفه بـ”الخسائر الواسعة النطاق في الدخل والوظائف والنقص في السيولة، مما أدى إلى تراجع القوة الشرائية وبالتالي زيادة الصعوبات في تلبية احتياجاتهم الأساسية”. ليعرج على الوضع الغذائي لساكنة المخيمات، والذي وصفه بـ” المحفوف بالمخاطر”، بسبب “محدودية الوصول إلى المساعدة الإنسانية…، وزيادة انخفاض الأنشطة التجارية والاقتصادية للمخيمات”، حيث أشار إلى “تدهور المؤشرات ذات الصلة بشكل لافت”، خاصة ما يتعلق بـ”تفاقم معدل الأسر ذات درجات استهلاك الغذاء الفقيرة والحدودية”.

وأما حقوقيا فقد فقد أشار الأمين العام الأممي إلى تلقي مفوضية حقوق الإنسان لتقارير حول “اختلاس جبهة البوليساريو للأموال والمساعدات في مخيمات تيندوف، مشيرا إلى إرسال الجهات الحقوقية المختصة في الأمم المتحدة لـ”بلاغ حول مزاعم بإعدام خارج نطاق القانون لاثنين من اللاجئين الصحراويين من طرف الأمن الجزائري في موقع منجم بالقرب من مخيم الداخلة في أكتوبر 2020”.

دعورة إلى تهدئة الأوضاع، وتمسك بـ”مقاربة الحل السياسي والمقبول لدى الأطراف”.

في توصيات الأمين العام الأممي التي ذيل بها تقريره، أعرب غوتيريس عن “قلقه العميق” إزاء التطورات التي تشهدها المنطقة، مشيرا على وجه الخصوص إلى “وضع المنطقة العازلة منزوعة السلاح، باعتبارها الأساس لأي جهود تروم التوصل إلى حل سلمي”. داعيا الأطراف إلى “تهدئة الأوضاع” ووقف ما وصفه بـ”الأعمال العدائية فورا…، والانخراط بحسن نية ودون شروط مسبقة في العملية السياسية” التي أكد على ضرور استئنافها. وهو ما يستلزم بحسب التقرير، “موافقة الأطراف على تعيين المبعوث الأممي لأجل إعادة إطلاق المفاوضات”.

توصيات غوتيريس خلصت أيضا إلى “التزام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتحقيق حل سياسي عادل ودائم ومقبول لدى أطراف للنزاع في الصحراء الغربية” وفقًا لعديد القرارات الأممي السابقة، ليلتمس من مجلس الأمن في ختام التقرير التمديد مجددا لمهام بعثة المينورسو العاملة في الصحراء لسنة أخرى حتى 31 من أكتوبر 2022.

رهان البوليساريو على التصعيد وإكراهات الأمر الواقع

لقد بين خطوات البولساريو التصعيدية التي أشار إليها تقرير غوتيريس، رهانها على رفع ملف النزاع في سلم أولويات الأمم المتحدة، بعد أن بقي حبيس الأدراج طيلة عقود من الزمن، حتى بات أحد أقل النزاعات توترا وإثارة للإهتمام المجتمع الدولي، لكنها (البوليساريو) اصطدمت بأمر واقع قائم على الأرض، تمثل في تواجد مغربي بالإقليم منذ قرابة النصف قرن من الزمن، وبسيطرة عسكرية مغربية بفضل الجدار العسكري، تعززت باستثمارات نوعية في البنى التحتية وبشركات وتفاهمات دولية همت الإقليم، كانت بمثابة إعترافات ضمنية بالسيادة المغربية، قبل أن تتكلل بمسلسل افتتاح القنصليات الأجنبية، لينجم تصعيد البوليساريو عن مكاسب ميدانية عمقت واقع التواجد المغربي على الأرض، خاصة بعد تأمينه لمنطقة الكركرات واضطرار البوليساريو إلى الانسحاب من نقطة استراتيجية بأهمية المعبر الحدودي الرابط بموريتانيا، لتتوج بسيطرة جوية نجمت عن عمليات عسكرية نوعية عرقلت ما وصفه الأمين العام الأممي في تقريره الأخير بـ”الأعمال العدائية” التي تقدم عليها البوليساريو في مناطق شرق الجدار، بحسب عديد المصادر الإعلامية.

ورغم الزخم الإعلامي والسياسي الذي حظي به تقرير الأمين العام الأممي الأخير حول النزاع حول الصحراء، خاصة وأنه جاء بعد سنة حافلة بالأحداث والتطوارات الهائلة التي شهدتها المنطقة والجوار الإقليمي، إلا أنه من المستبعد أن يتمخض عن أي قرارات أممية نوعية، وفي الغالب سيستجيب أعضاء مجلس الأمن لتوصية غوتيريس بتمديد عهدة المينورسو لسنة كاملة، دون أن يجرؤ على اتخاذ أي قرار قد يخرج عن المقاربة الأممية القائمة على الجهود السلمية وعلى دعوة الأطراف إلى التوصل إلى “حل سياسي متوافق عليه”، في ظل تكريس المغرب لواقع سيادته على الإقليم، ونجاحه في إبرام عديد الشراكات والتفاهمات الأمنية والاقتصادية مع مجموعة من القوى الإقليمية والدولية الوازنة التي تهم المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *