وجهة نظر

معالم عالم الجيل الخامس للهاتف النقال “G5”

يتهيأ العالم بأسره للتحول نحو الجيل الخامس للهاتف النقال. ويُجمع خبراء التكنولوجيا أننا لسنا بصدد تحول الهاتف النقال من الجيل الرابع إلى الجيل الخامس فحسب، وإنما نحن أمام ثورة تكنولوجية واجتماعية ستُغير الكثير من عالمنا الحاضر. لذلك نجد الآراء منقسمة حول الجيل الخامس للهاتف النقال بين رافض له بسبب تأثيراته المفترضة على صحة الكائن البشري وآثاره السلبية على حياتنا اليومية وعلاقاتنا الاجتماعية،  وبين متحمس له لما سيوفره من تقدم علمي وتكنولوجي ورفاه للبشرية.

يبدو أن صوت الرافضين لهذه التكنولوجيا الجديدة ليس بمقدوره إيقاف الزحف الخامس للهاتف النقال، مادام الإنسان مهووس بجديد التكنولوجيا ومتلهف لاستعمالها والاستمتاع بها دون الاكتراث لتحذيرات الرأي الآخر من مخاطرها الصحية والاجتماعية.

في هذا المقال سنتطرق للخاصيات الجديدة للجيل الخامس وما سيترتب عنها من تغييرات مجتمعية، مع إبراز تأثيرها على مستقبل العالم، قبل أن نعرج على استقراء طبيعة الحياة المستقبلية بعد انتشار هذه الثورة التكنولوجية.

-1- الخاصيات الجديدة للجيل الخامس: بكل بساطة نقول إن الجيل الخامس يأتي كجواب للنواقص التي لازمت الجيل الرابع والمتمثلة في: الصبيب الذي لم يعد يستجيب لحاجيات التطبيقات الجديدة، ولم يعد بمقدوره تلبية طلبات المستعملين الذين يتكاثرون بالملايين عبر العالم ويقضون جل يومهم في استعمال أجهزتهم الذكية. وكذلك في عدم قدرة الجيل الرابع في اختراق بعض البنايات لصلابتها وهو ما يجعل التغطية الشاملة تعرف صعوبات كبيرة، وأخيرا تأثر الصبيب بسبب السرعة حيث يتعذر الحفاظ على صبيب الشبكة داخل السيارة أو القطارات إذا تجاوزت سرعة معينة.

الجديد المثير في الجيل الخامس هو ما يوفره من صبيب عالي قد يصل إلى 100 مرة الصبيب المتاح في الجيل الرابع. بالإضافة إلى إمكانية الربط بالشبكة حتى داخل المركبات الفائقة السرعة كالقطار الفائق السرعة بما فيه القطارات المستقبلية التي يمكن أن تصل سرعتها 500 كم في الساعة.

-2- معالم الجيل الخامس: عند الشروع في الاستعمال الكثيف للجيل الخامس، هناك تحولات نعرفها جيدا. لكن البشرية لا تعرف ما يمكن أن تُحدثه مستقبلا هذه التكنولوجيا الجديدة من تحولات عميقة في حياتنا. كما أن أكبر المتخصصين في هذا المجال لا يمكنه ادعاء معرفة ذلك لسبب بسيط هو أن الجيل الخامس يفتح الباب على مصراعيه للبحث التكنولوجي، واستعمالاته لا تحده سوى قدرة الإنسان على الابتكار والإبداع. فإذا كان الجيل الثالث وبعده الرابع أفرز تطبيقات يستعملها الملايير من سكان الكرة الأرضية كغوغل والفايسبوك وأنستغرام وتويتر وواتساب، فإننا لا يمكننا توقع ما يمكن أن يُحدثه الجيل الخامس من ثورة تكنولوجية.

التحولات الجديدة التي نعرف أنها ستنتشر في عالمنا الجديد يمكن أن نتحدث عن بعضها باختصار شديد. في عالم الجيل الخامس ستكون سيارتنا تسير لوحدها، يكفي أن نتحدث معها حول الوجهة المطلوبة فتقوم بكل الحركات المعتادة دون تدخل السائق. سيمكن كذلك أن يجري الطبيب عملية جراحية على مريضه دون الحاجة للتنقل للمستشفى، بل يمكنه إجراء العملية من أي موقع في الكرة الأرضية. علما بأنها عملية تتم عن بعد وبدقة متناهية تفوق بكثير العمليات الجراحية المباشرة للطبيب. العالم الجديد سيكثر في الكلام عن الذكاء الاصطناعي الذي لن يعود محصورا في الكائن البشري. في هذا العالم سنتحدث عن المنزل الذكي الذي يمكن التحكم فيه من أي مكان في البقعة الأرضية، فسيصبح بإمكاننا فتح الباب عن بعد مثلا وبرمجة أو التحكم من بعيد في جميع مكونات المنزل كإغلاق النوافذ أو فتحها حسب دوران الشمس، أو إعداد القهوة أو وجبة طعامنا المفضل وغير ذلك من الأمثلة. سنتحدث كذلك عن المدن الذكية التي سيصبح فيها كل شيء مبرمجا كمصابيح الإنارة العمومية على سبيل المثال التي لن تشتعل إلا إذا كان هناك بشر يمر بجانبها وهو ما سيساعد على توفير الطاقة بشكل كبير إذا علمنا أن جميع مدن العالم تبق فيها المصابيح مضيئة طوال الليل بحاجة أو بغير حاجة. نُضيف كذلك الإمكانية التي تتيحها التكنولوجيا الجديدة بالتعرف على الأشخاص من خلال قسمات وجوههم. فمستقبلا، جميع معاملاتنا الإدارية والبنكية ستتم بواسطة كاميرات ذكية بإمكانها التعرف على الشخص بمجرد تصوير وجهه، ولا حاجة لنا مستقبلا بالبطاقة التعريفية لتقديم أنفسنا. وفي الأخير، الصبيب العالي لذي يتيحه الجيل الخامس سيمكننا من تحميل أعمالنا وأفلامنا المفضلة في ثوان معدودات بدل العشرات من الدقائق كما هو معمول به حاليا.

-3- حياتنا المستقبلية في ظل ثورة الجيل الخامس: مادامت البشرية تُقْبِل بشكل كبير على التكنولوجيا، وما دامت هذه البشرية مهووسة بكل جديد تكنولوجي بحيث نجد الناس تنتظر منذ الصباح الباكر في طوابير كبيرة لاقتناء منتوج تكنولوجي جديد وعدم قدرتها على الانتظار حتى يتم تعميم هذا المنتوج في الأسواق، فإننا لا يمكن أن نتصور أن هناك من باستطاعته إيقاف هذا الزحف التكنولوجي للجيل الخامس.

ما تطرقنا له في النقطة الثانية من تحولات كبرى في ظل الثورة الرقمية الجديدة، سينتشر كالنار في الهشيم وسيعم العالم بأسره، مدنه وقراه، سهله وجباله، سواحله وصحرائه. والأكيد أن هذه المعالم ستزيد من درجة الرفاه في حياتنا، وستعزز تيسير العديد من أعمالنا اليومية، لكنها في ذات الوقت ستكون لها تأثيرات سلبية نعرف بعضها الآن (تأثيرات على الصحة، والروابط الاجتماعية والحالة النفسية، وجودة الحياة)، لكننا لا يمكننا توقع سلبياتها المستقبلية مادامت هذه التكنولوجيا لا تحدها سوى قدرة الإنسان على الإبداع والابتكار.

رغم الأصوات المنبهة لخطورة ما ستأتي به التكنولوجيا الجديدة للجيل الخامس، فإن هذه الأخيرة ستنتشر بسرعة فائقة لأننا نعيش في عالم يحكمه التطور المستمر، والإنتاج الذي يزيد سنة بعد سنة، ورقم المعاملات الذي ليس أمامه سوى الزيادة السنوية ولا حق له في التراجع أو حتى البقاء في مكانه. سينتشر الجيل الخامس ليزيد من الرفاه في حياتنا ويُقلِّص من جودة عيشنا، وستبقى الشركات العالمية تُروِّج لما يمكن أن تتيحه التكنولوجيا الجديدة من منتوجات متطورة، كما سيبقى الأطباء وعلماء الاجتماع ينبهون لخطورة التكنولوجيا الجديدة. تلك هي معالم علمنا الجديد التي تضعنا أمام خيار الرفاه التكنولوجي أو جودة عيشنا اليومي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *