وجهة نظر

رحلة في معرض للكتب الورقية في المغرب (1/2)

انزوى كتاب في كراسي في أماكن قصية، يصلها ضوء قليل في خيمة عملاقة جدا، بينما الناس في رواح وغدو في حركة لا تتوقف، منهم من يقف يوزع نظرات على اغلفة كتب تراصت، ومنهم يرزق بسرعة ويمضي، فيما الكتاب جلس في مكانهم، وقليل ما يأتيهم باحث عن توقيع.

تمد ناشرة كتب من دار نشر عربية فنجان قهوة إلى كاتب في ركنه، فيما يفاوض زميل لها زبونا مغربيا يسأل عن جديد الكتاب الورقي في الشرق الأوسط.

وجدت كتبا بثمن ميسر في دار نشر مصرية لم اتعامل معها شراء من قبل، ملأت في ثلاث زيارات بكتب، كيسا اعتدت التسوق فيه، وغادرت كطفل جمع ألعابه المفضلة.

عاد معرض الكتاب الورقي من جديد، بعد أن غاب لعامين اثنين متتاليين جراء جائحة فيروس كورونا، ولكن المعرض انتقل من مدينة الدار البيضاء، لأول مرة إلى العاصمة المغربية الرباط، ما خلق نقاشات حول شرعية النقل، بين من قال تعسفا ومن رآه تطورا إيجابيا من وزير ثقافة شاب اسمه المهدي بنسعيد.

خيام عملاقة اصطفت على جانبي شارع في مكان اسمه السويسي، على مرمى بصر من أشهر فندق مغربي فاخر، ارتبط اسمع بالعاصمة الرباط، وظلال وفيرة تنزل عشية على المكان، مع نسائم عليلة من غابة قريبة ترسل التحايا، فيما روائح العرق تضطر كثرا إلى المغادرة كلما توقف التكييف.

حسمت خيمة المؤسسات المغربية الصراع بانتصارها، بأروقة فسيحة، وهواء غير رطب، ووجوه بشوشة، وشاشات ووسائل شد انتباه، ويافطات بارزات، بينما سويقة بيع الكتاب الورقي، زحمة مرورية، ودكاكين متقاربة تبيع من أصناف المكتوب على ورق، من أصقاع قريبة وبعيدة في الأرض، وأكثرها حضورا ما جاء من مشارق الأرض إلى مغرب الشمس.

تتحدث أرقام الحكومة عن زوار كثر، قدموا يبحثون عن صلة الرحم مع الورقي كتابا، في زمن هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي، وصبايا وشبابا يصورون قصصا للنشر السريع على التواصل الاجتماعي، وسلبدفيات هنا وهنالك، وشلل ثقافية لا تريد أن تترك مجالات للجيل الجديد، وباعة كتب يرفضون التخفيض، ووجبات سريعة بأثمنة لا يتحملها كثر، ومنهم من اختار حديقة مجاورة، للاستراحة على بساط عشب أخضر، لتناول ما حمله معه في عطلة نهاية الأسبوع، من وجبة، في حج إلى المعرض.

هل نجح المعرض؟ أي نعم كبيرة جدا، لأن الرباط تستحق المعرض عن جدارة واستحقاق، فلماذا؟ لأن المدينة عاصمة الأنوار، كما اختار العاهل المغربي الملك محمد السادس أن يسميها، ولأن التنظيم يستحق الاحترام، مع وجود إمكانية للتطوير في التصور مستقبلا، وأولا في التطوير، فصل معرض الكتاب عن حملة العلاقات العامة، التي تقوم بها مؤسسات عمومية مغربية، فتشوش على الباحثين عن كتاب ورقي، بعروض ثقافية لا تتوقف.

وللأسف الشديد لا يزال ثمن الكتاب الورقي ليس في متناول الجميع، ما يجعل المبيعات لا تصل، بحسب من سألتهم، إلى مستوى التطلعات، وهنا ليس من زاوية الربح، ولكن من زاوية قياس الإقبال، ومعرفىدة مدى انتشار ثقافة القراءة.

لم أصور اي شيء بهاتفي المحمول، التقيت وجوها لم أراها من قبل جائحة فيروس كورونا، اشتريت من ورقي من كتب ما استطعت له مالا، وغادرت سالما غانما، مركزا على الرواية لأنها مفضلتي، وللأسف الشديد كلما عرف ناشر أنني، ولو لازلت فاشلا، أحاول الكتابة ورقيا، رمقني باستصغار، لأن الكتابة في نظره احتكار.

تفاديت لقاء أي شخصية عمومية، وابتعدت عن أنشطة المؤسسات العمومية، لأنني أعتبر المعرض مكانا مقدسا للكتاب احتفاء وقراءة وشراء، وهذه قناعتي الخاصة جداااا.

تناولت دجاجا في خبز مع خضار، تحت اسم شوارما، بثمن أراه غير مناسب، فيما ثمن القهوة مقبول، ويمكن تطوير خدمات المطعمة والمشربة خدمة لراحة عشاق الكتاب، ويمكن جعل الهواء عليلا في سويقة الكتاب إسوة بجناح المؤسسات العمومية د.

وتبقى رياضة التمشي في المعرض مفيدة للصحة كثيرا، خصوصا في رحلة البحث عن عنوان ورقي ولو مفقود، بين طاولات عرض الدكاكين، والاضطرار في كل مرة للخروج للتزود بكميات كافية من الهواء العليل، فبل استكمال المشوار.

* كاتب وصحفي وشاعر مغربي / مراسل قناة “العربية” بالمغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *