خارج الحدود

قضية شائكة تواجه ماكرون.. توجيه تهمة الاغتصاب لوزير فرنسي أياما بعد تعيينه

ما إن استكمل الرئيس الفرنسي تشكيلة حكومته ليبدأ قطارها التحرك على سكته حتى انتصبت أمامه عقبة شديدة الحساسة في المجتمع الفرنسي وتتعلق بتهم وجهت لوزير يوما فقط بعد تعيينه، حول محاولة اغتصاب واغتصاب ثلاثة نساء.

وبعد نشر موقع “ميديا بارت” الاستقصائي شهادات تدين وزير التضامن داميان أباد بتهم اغتصاب أو محاولة اغتصاب 3 نساء، لم يمنع نفيه التهم بقوة من ارتفاع الأصوات من مختلف الجهات التي تطالبه بالاستقالة، كما تطالب أخرى بإجراء تعديل على حكومة تم تعيين رئيسة لوزرائها لأول مرة قبل أقل من شهر.

وتجد السلطة التنفيذية نفسها أمام قضية شائكة تعصف بها وفي مأزق محرج في سياق الانتخابات التشريعية التي تشهدها البلاد حاليا.

ويقول المحلل السياسي باتريك فورستيه، للجزيرة نت، إن ماكرون لم يتخلّ من قبل عن أحد وزرائه لمجرد الاشتباه بارتكاب جريمة اغتصاب.

فما هي القصة؟ وكيف تطورت؟

ميديا بارت” يطلق الزوبعة

في اليوم التالي لتعيين أباد وزيرا للتضامن والحكم الذاتي وذوي الإعاقة، نشر موقع “ميديا بارت” شهادتي سيدتين اتهمتا الوزير الجديد باغتصابهما عامي 2010 و2011.

وحسب مصادر إعلامية، نفى أباد تهم “الاغتصاب” بقوة بحجة أنه “من المستحيل جسدياً أن يرتكب الأفعال الموصوفة” بسبب إعاقته.

ووفقاً لتحقيق نشره الموقع الفرنسي المتخصص في التحقيقات الصحفية «ميديا بارت»، السبت 21 مايو، حسب نفس المصادر، فقد تم إرسال تقرير عن أعمال “اغتصاب” مزعومة، يعود تاريخها إلى 2010 و2011، تخص الرئيس السابق لنواب حزب “الجمهوريين”، داميان أباد، عبر البريد الإلكتروني، إلى حزب “الجمهوريين”، وأيضاً إلى حزب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، “النهضة” (“الجمهورية إلى الأمام” سابقاً)، وذلك من قِبل “مرصد العنف الجنساني والجنسي في السياسة” بين 16 و 20 مايو. وتم، بحسب الموقع الإلكتروني الإخباري لصحيفة “لوموند” الفرنسية “تقديم إشعار الأسبوع الماضي إلى حزب “النهضة”، وحزب “الجمهوريين”، الذي ينتمي إليه أباد، وكذا إلى النظام القضائي، الذي قال إنه يقوم بتحليل الموضوع.

وحتى الآن، حفظ مكتب المدعي العام في باريس، وفق “لوموند”، ملفي شكوتين من إحدى المشتكيات، في عامي 2012 و2017.

ويتزامن هذا الجدل مع مرور بضعة أسابيع من ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون الثانية، البالغة 5 سنوات، وبعد تعيينه لرئيسة الوزراء إليزابيث بورن في 20 مايو/أيار كأول امرأة تحصل على هذا المنصب بعد 30 عاما.

شهادات ضد الوزير

حسب الجزيرة نت، تقول أولى الضحايا، وهي ناشطة في حزب “الديمقراطيين الشباب” وتدعى مارغو، إنها عاشت علاقة جنسية اتسمت بـ “عدم الاحترام” في يناير/كانون الثاني 2011 حاولت إيقافها باستمرار. وقد رُفضت شكاوى مارغو التي قدمتها عامي 2012 و2017 بسبب “عدم وجود انتهاك خطير بدرجة كافية” وفق ما أكده مكتب المدعي العام في باريس.

وشهدت المرأة الثانية، حسب نفس المصدر، على الوزير المعين المشتبه فيه بأنه حاول “تخديرها” خريف 2010 عندما التقت به في حانة. وتدعي لموقع “ميديا بارت” أنها استيقظت صباح اليوم التالي في غرفة أحد الفنادق بالقرب من الحانة وهي “في حالة من الصدمة والاشمئزاز العميق”.

وفي ظل الضجة الكبيرة التي رافقت انتشار هذه الأخبار بوسائل الإعلام، نشر الموقع الاستقصائي شهادة سيدة ثالثة يوم الثلاثاء تتهم فيها أباد، المنتخب حديثا كعضو بالبرلمان الأوروبي آنذاك، بمحاولة اغتصابها خلال حفل في منزله بالحي اللاتيني في العاصمة خلال النصف الأول من عام 2010. يذكر أن شهادات 8 أشخاص دعمت قصة هذه المرأة.

حكومة محرَجة

وكأن التاريخ يعيد نفسه، وجد الرئيس نفسه في موقف المدافع عن مشكلة تتعلق بحقوق المرأة بعد شهر واحد فقط من إعادة انتخابه، خاصة بعد أن أعلن في حملته الرئاسية التزامه بجعل المساواة بين الجنسين “القضية الكبرى لولايته الجديدة”.

ويقول المحلل السياسي باتريك فورستيه للجزيرة نت إن المفارقة الآن تكمن في تمكن وزير التضامن المتهم بالاغتصاب بالقيام بمهامه السياسية حاله كحال باقي الوزراء الآخرين المرشحين للانتخابات التشريعية. فقد أكد الإليزيه سابقا أن أعضاء الحكومة الذين قرروا الخضوع للتصويت لن يتمكنوا من الاحتفاظ بمناصبهم إلا إذا تم انتخابهم في دوائرهم الانتخابية.

وهو ما أكده الوزير أباد بنفسه، الثلاثاء، معتبرا أن الاستطلاعات ستكون القاضي الحاسم الذي سيظهر قدرته على الاحتفاظ بثقة الفرنسيين.

وجدير بالذكر أن أباد راهن في حملته على وجوده المحلي في دائرة العين الخامسة، وهي إستراتيجية آتت ثمارها على ما يبدو إذ حصل على المركز الأول بنسبة 33% من الأصوات بالجولة الأولى من هذه الانتخابات، الأحد 12 يونيو/حزيران.

وأمام الزخم الإعلامي الكبير الذي يرافق هذه القضية، علقت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، أثناء حملتها الانتخابية في كالفادوس الأربعاء، قائلة “أنا لست قاضية، والتحقيقات لا تتم بشهادات مجهولة” داعية السيدات اللاتي يتهمن أباد بارتكاب أعمال عنف جنسي لاتخاذ التدابير القانونية اللازمة.

وفي مناسبة أخرى، أصرت بورن على أن “المحاكم فقط هي التي تملك واجب أو سلطة اتخاذ القرار”، بعبارة أخرى ليست وسائل الإعلام أو الرأي العام.

مطالبات باستقالة الوزير

بعد كشف موقع “ميديا بارت” شهادات الضحايا، سارعت العديد من الجهات الحقوقية وجمعيات الدفاع عن النساء والأحزاب المعارضة إلى مطالبة الحكومة الفرنسية بالتدخل والضغط على الوزير لتقديم استقالته.

وكان سكرتير الحزب الاشتراكي أوليفييه فور أول من طالب باستقالة أباد قائلا “الأمور واضحة وتستدعي الشرح، لا يمكننا إعادة إحياء ما عشناه في قضية هولو” في إشارة إلى قضية أعمال اغتصاب واعتداء جنسي طالت وزير التحول البيئي السابق نيكولا هولو.

وأشارت الناشطة النسوية كارولين دي هاس، في حوار مع الجزيرة نت، إلى أن طرد أباد من الحكومة أصبح أمرا ضروريا. وتابعت بالقول “يمكن اتخاذ هذا القرار بشكل واضح ومباشر عندما يكون الوزير متورطا في جرائم مشابهة”.

من جهته، دعا معهد الأبحاث الفرنسي حول العنف الجنسي في السياسة، المكون من سياسيين يساريين منتخبين ساعدوا في الكشف عن القضية، إلى استقالة الوزير وتنظيم مظاهرات ضد “حكومة العار” بعد 3 أيام فقط من إعلان تشكيل الحكومة الجديدة.

وخلال جولة لماكرون في جيلاك الخميس 9 يونيو/حزيران، انفجرت مواطنة شابة أمام رئيس الجمهورية “لماذا تضع على رأس الدولة رجالا متهمين بالاغتصاب والعنف ضد المرأة؟”.

وأجابها قائلا “سأواصل مرافقة وحماية حرية التعبير، في نفس الوقت يحب أن يكون لديك قرينة البراءة للعمل في المجتمع” مما جعل البعض يصفه بـ “الكاذب” و”المقيت” قبل أن يواصل رئيس الدولة مصافحته الحضور بتعابير جامدة.

قصص مشابهة

يقول المحلل السياسي باتريك فورستيه، للجزيرة نت، إن السجل التشريعي الذي يتعلق بالمساواة بين الجنسين بحكومة ماكرون يبقى بعيدا كل البعد عن تحقيق كل التوقعات التي أثيرت منذ انتخابه رئيسا للجمهورية عام 2017.

ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي يرتبط فيها اسم أحد الوزراء بالاعتداءات الجنسية، فقد تم تعيين إيريك دوبون موريتي وزيرا للعدل وحصل جيرالد دارمانان وزير الحسابات العامة بحكومة إدوارد فيليب على حقيبة الداخلية في حكومة جان كستكس عام 2020، على الرغم من التحقيق الجاري بحقهما بتهمة الاغتصاب.

ويضيف الكاتب الفرنسي أن مسألة إبقاء الوزراء في مناصبهم، على الرغم من اتهامات الاغتصاب التي تطالهم خلال عملهم السياسي، ستكون لها تداعيات سلبية جدا على الرأي العام وقد تؤدي إلى فقدان الثقة في السياسيين.

وأشار إلى أن ماكرون لم يتخلّ من قبل عن أحد وزرائه لمجرد الاشتباه بارتكاب جريمة اغتصاب، خاصة وأنه لم يُفتح تحقيق حتى الآن حول أباد لعدم وجود عناصر تسمح بالتعرف على الضحايا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *