منتدى العمق

المحطة الطرقية بمراكش أو حينما يتحول السفر إلى كابوس

ما تكاد أن تطأ قدماك محطة باب دكالة الطرقية حتى ينتابك شعور وإحساس غريب بالسفر عبر الزمن عودة إلى ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي. فبالرغم من التغيير الطفيف الذي طرأ على الديكور الذي يشكل نقيضًا صارخًا لبعض محطات القطار على سبيل المثال أو حافلات بعض شركات النقل الطرقي المعروفة (بناية عمرها أربعون سنة تؤوي مكاتب لبيع التذاكر وبعض المحلات التجارية ومقهى و”مرافق صحية”  عوض مرآب جامع الفناء أو موقف مقبرة باب دكالة)، كل التجارب المرة والغريبة التي يعيشها المسافر رغمًا عن أنفه ويستسيغها على مضض تؤكد أن هذه المحطة، على غرار نظيراتها المتعددة ببلدنا، مخصصة للمواطنين من الدرجة الدنيا في الهرم المجتمعي. فبغض النظر عن النوستالجيا التي تثيرها هذه البناية البشعة، تبدأ معاناة المسافر المغلوب على أمره خارجها مباشرة مع فصائل الوسطاء، أو ما اصطلح على تسميته ب “الكورتية”، التي جندت لها نماذج بشرية سيماها على وجوهها من أثر البلطجة تلتف حوله كما تلتف الذئاب حول الفريسة لاقتياده حسب زعمها والخطاب العقيم الذي مافتئت تجتر يوميا إلى “حافلة مريحة ومكيفة ستغادر حالًا نحو الوجهة المطلوبة” لتستمر التجربة المريرة عندما تستقل الضحية حافلة قد يبعث هيكلها وشكلها لأول وهلة على اطمئنان نسبي يتلاشى ويختفي فجأة بمجرد أن يجلس المسافر في مقعد أنهكته مئات أطنان الأجسام البشرية التي تناوبت على دكه وتوطئته وتقعيره دونما هوادة لما يزيد عن عقد أو عقدين من الزمن. حافلة أفنت شبابها في نقل زبناء وكالات الأسفار حتى إذا بلغت من العمر عتيًا، كما تدل على ذلك تجهيزاتها المهترئة، سخرت لنقل زبناء جدد لكن من فئة مغايرة. وما يكاد المسافر البائس يستفيق من هذا الكابوس ويستوعب ورطته ونكبته حتى يتكالب على الحافلة حشد من الباعة وأصحاب الفرجة والدجالين والمتسولين رجالًا ونساء، شيبًا وشبابا في استعراض روتيني مثير للشفقة والإشمئزاز يكرس حقيقة مرة: قرون عديدة تفصلنا عن التقدم الذي حققته شتى الدول بالنظر إلى مختلف مظاهر التخلف التي لا زالت السمة الأساس السائدة في مجتمعنا خصوصًا على مستوى قاعدة الهرم التي يقبع فيها المستضعفون والمعترون. وتبقى وسائل النقل والتزام أصحابها بمواعيد السفر من ضمن أفضل الأمثلة أو أفظعها على تقدم أو تخلف دولة ما. وها قد وصفت بإيجاز شديد بعض المعاناة والمضايقات والاستفزازات التي يتعرض لها كل من سولت له نفسه خوض غمار تجربة السفر من محطة باب دكالة الطرقية، وجبت الإشارة إلى ظاهرة أخرى غريبة عاينتها شخصيًا أثناء إنجاز هذا التحقيق تتمثل في فرض مبلغ درهم “كإتاوة” على كل من يريد الولوج إلى المحطة الطرقية من أحد أبوابها الخلفية يقف عليه حارسان فظان غليظا القلبين ليبقى السؤالان الوجيهان اللذان يطرحان نفسيهما بإلحاح هما: ما مدى مشروعية هذه “الجزية” ومن المستفيد منها ؟ ثم من المسؤول عن الفوضى العارمة السائدة في هذه المحطة الطرقية ؟ 

والوضع على ما هو عليه، أليس من واجب المنتخبين والمسؤولين وجمعيات حقوق الإنسان التدخل و التنديد بتلك الممارسات المشينة التي تعد انتهاكا صارخا لكرامة المواطن، أم أن الشريحة المجتمعية المستعملة لمثل هذه المحطات الطرقية لا تنتمي لباقي المغاربة وبالتالي ليس هناك ما يستدعي الدفاع عنها وصيانة كرامتها ولو بشق تمرة ؟ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *