وجهة نظر

بصراحة كيف هو حال اقتصادنا؟

حين نطرح سؤال حالة اقتصاد بلادنا في ظرفية صعبة ومحيط صعب وأسواق تتقلب بسرعة وخصوصا في مجال أسعار الطاقة، فالمقصود هو طرح سؤال كيف نحد من آثار الأزمات والتركيز أولا على ما يمكن أن نسيطر عليه بقرار داخلي. وكل عارف له من الدراية ما يجعله يفرق بين الآثار الخارجية وتلك التي تكون مرتبطة باقتصاد الريع وبرغبة بعضنا من استغلال كل شيء له قيمة في السوق لاستغلال الوافدين على هذا السوق.

سوق المواد الطاقية مشتعل عالميا وهذا لا يعني أن الشركات التي هي مجرد بنيات سمسرة تعمل في سوقنا الوطنية وتراكم أرباح بالملايير بفعل وجودها كمجرد وسيط ذو قدرة ضعيفة في مجال تخزين السلعة الطاقية. الكل يعرف وبالطبع الحكومة تعرف أن الاستيراد والتوزيع وشيء قليل من التخزين يزيد من هشاشة الأمن الطاقي الوطني. قالت الوزيرة بن علي المكلفة بالطاقة أن مصفاة المحمدية لم تعد لها قيمة إستراتيجية وبيئية وأن التفكير يجب أن ينصب على بنيات للتكرير أكبر بكثير مما كانت تتيتحه محطة لاسامير التاريخية. فليكن، ولكن ماذا اعددنا من تجهيزات للتخزين في ظل أزمة اقتصادية وقد تكون غدا عسكرية لأن جار السوء الشرقي فقد بوصلة تشير إلى توقير العقل وآلياته. الأمر يحتاج إلى الكثير من التفكير الاستراتيجي.

سوق الفلاحة تطرح الكثير من التساؤلات منذ سنين. منذ 2008 ونحن نسمع عن تمويلات تجاوزت 20 مليار درهم. ورأينا ورشا مؤسساتيا كبيرا لتنظيم سلاسل الإنتاج ومواكبتها بإعادة هيكلة الجمعيات المهنية. تم وضع أهداف رقمية لزيادة مساهمة القيمة المضافة الفلاحية إلى أكثر من 20 % ورفع رقم الصادرات من المنتجات النباتية والحيوانية إلى ما يزيد عما نصدره والذي يضر بتربتنا ومواردنا الماءية وطبعا وضعت أهداف أخرى تهم العقار الفلاحي وتنزيل سياسة عقلنة إستعمال مياه الري والمكننة الزراعية. كما تم وضع هدف التشغيل والرفع من الدعامة الثانية في المخطط الأخضر المتعلقة بالزراعة التضامنية. وماذا حققنا بعد سنوات من إستعمال ملايير صندوق التنمية الفلاحية ونظام ضريبي يحابي كبار أرباب الاستغلاليات الكبرى. كان من المفروض أن يتم تقييم المغرب الأخضر بموضوعية لرصد النجاحات والاخفاقات وهذا لم يحصل. وبعد فترة تذبذب تقرر تغيير الإسم لكي يصبح المغرب الأخضر جيلا أخضرا. الفرق كبير بين المفهومين. ولا زالت الهشاشة عنوان قطاعنا الفلاحي اقتصاديا واجتماعيا. كما لا زالت قدرة الكثير من التقنوقراط كبيرة للقضاء على فرشتنا المائية وتزيين الإفراط في تدمير مواردنا الطبيعية. أين فاعلية سلاسل الإنتاج وأين هو تأثير الركيزة الثانية للمخطط الأخضر على صغار الفلاحين. نريد دراسة آثار هذا المخطط بعقول مغربية معروفة بالكفاءة وليس بواسطة مكاتب اجنبية لها تاريخ مع ضعف التقييم والتحليل.

تميزت القيمة المضافة لقطاع الصناعة بفعل سياسة طويلة الأمد بدأت مع حكومة التناوب التوافقي التي قادها بهدوء رجل الدولة المرحوم اليوسفي واستمرت إلى أن وصلت مرحلة التسريع مع وزير نشيط لكنه سريع الغضب والشعور بالتفوق وهو حفيظ العلمي. صحيح أننا دخلنا عالم ما سمي بمهن المغرب وسجلنا أرقاما في مجال التصدير وتملكنا خبرات للتطوير وحضورا في السوق الدولي. ولكن تأثير قطاع الصناعة على مستوى بنية التنمية لا زال عاديا جدا ولا يؤثر كثيرا على نسبة النمو. لا زالت الأمطار أكثر تأثيرا من الصناعات في مجالات التشغيل والنمو والإستقرار الإجتماعي.

ولكن الإستمرار في التواجد على ساحة الصناعات الجديدة وخصوصا في مجالات الطاقة والأدوية والمستلزمات الطبية والطائرات والصناعة العسكرية وزيادة تثمين المنتجات الفوسفاطية وغيرها، لا زال من الأولويات التي تتطلب ثقافة هجومية تدعمها سياسة بحث علمي بتمويل مستمر. الأرقام المسجلة لحد الآن لا تمكن من الولوج إلى صفوف الإقتصاد ات الصاعدة. نسب النمو لا زالت ضعيفة وأسباب ضعفها متعددة ولها جذور في قطاعات التعليم والتكوين والتدبير الإداري. كثيرا ما طرح سؤال توطين حقيقي لهذه الصناعة ببلادنا عبر تقوية معدل ادماجها. قيل أن نسبة هذا الادماج تجاوزت ستين في المائة دون دراسة في الموضوع.

قطاع الخدمات تأثر كثيرا بفعل جائحة كوفيد وعلى الخصوص في مجال السياحة والخدمات المرتبطة بها. كثيرا ما ننسى أن السياحة ببلادنا لها ارتباط وثيق بالثقافة. ولأن جهل بعض التقنوقراط مزدوج الأوجه، فقد نسوا أن حفل زفاف قد يساهم في تشغيل 100 من الطباخين والحلوانيين وممتهني التنشيط الموسيقي ومنسقي الملابس التقليدية. صحيح أن هذا المجال لا زال في أغلبه يمارس في القطاع غير المهيكل. لكنه يمكن أن يتحول إلى ثروة تحمي ثقافتنا وثراتنا وتمكن من تنظيم التنشيط الموسيقي لكي يصبح المنشطون الفنانون من المساهمين في الضريبة على الدخل المهني. أما البنوك وشركات التأمين وشركات الإتصالات فقد أصبح من الواجب أن يتم التعامل معها بشكل مسؤول يعكس الضرورة إلى مساهمتها في تحملات ضريبية تعكس أرقام معاملاتها ومعدلات ربحيتها. ولكن هذا القطاع ظل مسيطرا في مجال الربحية عبر البنوك والتأمينات وخصوصا شركات الإتصالات التي تستفيد من تعامل ضريبي تفضيلي بالنسبة للأبناك وشركات التأمين.

أما مجال العقار ففيه العجب العجاب. أموال كثيرة توجه إليه من طرف القطاع البنكي وتسهيلات ضريبية تستمر في حماية شركات العقار من كل مكروه مالي. حين تحدث أزمة دورية يؤدي ثمنها المقتني للعقار وخزينة الدولة. والغريب أن لوبي العقار يهيج المشاعر ويقوي صفوفه لكي لا يساهم بأي سنتيم للخروج من أزمته. فلو تفضل والي بنك المغرب وأمر بتحليل لبنية الأزمات المالية المرتبطة بقطاع العقار لوجد أن الخاسر في الموضوع خزينة الدولة وجيب الباحث عن منزل بسيط. واليوم يتم التصويت بالإجماع في البرلمان لكي تستمر حصانة نظام تمويلي لا يهمه ذلك المواطن الطامع شرعا في الحصول قانونا على بيت يؤوي أسرته.

ونرجع إلى سوق الشغل ونسبة البطالة للقول أن الاحصائيات الرسمية التي تبني على منهجية اقتصادية فيها كثير من العقل تظل بعيدة من الواقع. تجاوزنا نسبة 10% من نسبة العطالة وتراجعت نسبة إستخدام قوى الإنتاج لدينا. نسبة التشغيل في قطاع الزراعة تتأثر بالطابع الموسمي ولا تأثر على الإحصائيات. القطاع غير المهيكل هو صمام الأمان الإجتماعي رغم هشاشته وخطورته على الإحتياط الإجتماعي. صحيح أن برنامج تعميم الحماية الإجتماعية يشكل خطوة إستراتيجية كبرى في تاريخ المغرب. ولكنه يحتاج إلى الكثير من المواكبة المسؤولة في مجال المراقبة والتأهيل وتقوية العرض الصحي. التعميم مطلوب وتعميم العرض الصحي بكافة مكوناته أهم بكثير.

ولنرجع إلى أهم شيء في الإقتصاد وهو خلق الثروات لنؤكد على أن الهدف الاستراتيجي الكبير لبلادنا لا زال هو خلق القيمة المضافة. لا خير ينتظر من اقتصاد يعيش على الكفاف والتضامن الأسري وإنتظار منحة من الدولة. الأهم هو خلق الثروات بالعلم والبحث والإستثمار المنتج والتحرر من ثقافة غيبية تبرر التسول وإنتظار أن تمطر السماء ذهبا وفضة.

سبق أن قلت للسيد بن كيران في برنامج إذاعي على راديو” مفم” أن وعد المغاربة بمعدل نمو مرتفع هو نوع من الكلام الذي يستوجب المحاسبة واليوم لا يمكن أن نتساهل مع اخنوش ومن والاه حكوميا في محاسبته، بعد سنين على كل المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية التي التزم بتحسينها. ولكن واقعنا المغربي غفور رحيم وذو قدرة على نسيان الوعود. وستظل الأسئلة الحارقة هي تلك التي تتعلق بمن استفاد من أزمة كوفيد وأزمة الطاقة وأزمة السكن وأزمة العقار وجميع الفرص التي تتيحها الأزمات. تم فرض الحجر الصحي وكسبت شركات الاتصالات كثيرا من الأرباح وكذلك شركات التأمين وكثير من المهن الطبية وعلى رأسها المختبرات. الخوف أكبر حافز على صرف الملايين لأداء فواتير الإنعاش والتحليلات والاستشفاء. ولكن المواطن كان وحيدا في ظل تغول أصحاب رأس المال. وأصبحت الحكومة، كيفما كان لونها، تلجأ إلى الدين الداخلي والخارجي للخزينة والمقاولات العمومية سواء حظيت بضمانة الدولة أو لا في ظل ما يسميه ” القانون التنظيمي للمالية” بالقاعدة الذهبية كحل لضعف الموارد الذاتية وعلى رأسها الضريبة. خلال سنة 2022 سيتجاوز حجم الدين العمومي مبلغ الناتج الداخلي الإجمالي دون احتساب ديون المقاولات الخاصة بالعملات الأجنبية.

في ظل هشاشة اقتصادية تبدأ بالقطاع الفلاحي الملتصق بالتساقطات المطرية، يحق لنا أن نسائل السيد رئيس الحكومة عن إنجازاته منذ ما يزيد على الخمسة عشر عاما من التدبير. ومن حقنا أن نسائل كل وزراء الإقتصاد والمالية الذين تناوبوا على تدبير المال العام على نتائجهم وكذلك كل الوزراء في قطاعات التعليم والصحة غيرها من القطاعات. هل سنستمر في نسيان الاخفاقات ونترك الأمور تمضي لتدخل في دائرة النسيان. أظن أن هذه العادة السيئة أصبحت قاعدة في مجال التدبير العمومي. ثم يفلت الكثير من المحاسبة رغم أن الدستور يؤكد على المحاسبة. قال من كتبوا التقرير الخاص بالنموذج التنموي الجديد أن المرور إلى مرحلة القطائع ضرورية لخلق رجة كبيرة في كل المجالات. الكوفيد كانت له مزايا ولا يمكن أن ننكر ذلك. غير نمط حياتنا وعرى عن هشاشة مجتمعية وأظهر أن أنشطة اقتصادية جشعة تمنت استمراره وانتفعت كثيرا وخصوصا في مجالات المستلزمات الطبية والنقل والمعاملات الإدارية المتعلقة بالسفر. القطائع ضرورية في كل القطاعات الإقتصادية والأمنية والقضاءية والإجتماعية. أما السياسات القطاعية فلا معنى لها إذا ظلت خاضعة لتكنوقراط لا يعرفون اللاتمركز ولا الجهوية، وإذا ظلت سجينة سياسيين جدد وقدماء يتقنون الكلام ويعيدون إنتاج كل الممارسات المقيتة لإبعاد المواطنين عن السياسة. هؤلاء يجدون كل الامكنة التي تتيح الميكرفون ويعيثون في الأرض فسادا بالفعل والكلام ومراكمة الثروات وتزوير التاريخ.

لكل ما سبق لا زال اقتصادنا محتاجا إلى المزيد من العمل وخصوصا إلى الكثير من التقييم والكثير من المحاسبة. أطلق عاهل البلاد عدة سياسات ومشاريع كبرى وأشرف على متابعة إنجازها، وكم نتمنى أن يخذو حذوه من أصبحوا ينتجون التضخم السياسي بالكلام وتبرير الهشاشة المجتمعية والحرص على إشاعة الرشوة الانتخابية بكافة أشكالها. لنا من الإمكانيات ما يفتح أمامنا باب الولوج إلى مصاف الدول الصاعدة وفتح هذا الباب رهين بالقطائع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *