منوعات

دراسات علمية: سافروا تصحوا نفسيا وعقليا

لعلك قرأت الديوان الشعري العظيم للإمام الشافعي وهو يحث على السفر والغربة ويحبب فيهما، ويقول رحمه الله في مطلعه:

ما في المَقامِ لِذي عَقلٍ وَذي أَدَبِ  **  مِن راحَةٍ فَدَعِ الأَوطانَ وَاِغتَرِبِ

سافِر تَجِد عِوَضاً عَمَّن تُفارِقُهُ  **  وَاِنصَب فَإِنَّ لَذيذَ العَيشِ في النَصَبِ

ولقد اهتم علماء النفس وخبراء الصحة بأهمية السفر وفوائده الصحية، وتعززت جهودهم بدراسات علمية أكدت تلك الفوائد، وخاصة في الجوانب النفسية والعقلية.

وأبانت نتائج تلك الدراسات التأثيرات الإيجابية للسفر على الصحة النفسية والعقلية، ليس فقط في دور السفر في الترويح على النفس وجلب السعادة، وبعث الحيوية في الأشخاص، بل أيضا في معالجة العديد من الاختلالات.

السفر من العلاجات النفسية والعقلية

أظهرت دراسة حديثة، حسب الجزيرة نت، صادرة عن مجلة إدارة السياحة (Tourism Management)  أن السفر يعد من العلاجات النفسية التي قد تكون مفيدة حتى للأشخاص الذين يعانون من الخرف.

وقال الباحثونن حسب نفس المصدر، إن العلاج بالسفر مفيد أيضًا للذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية الأخرى، وذلك من خلال تأثيره في التفكير وتنمية الخبرات الحسية وتطوير التجارب النفسية الإيجابية.

وقالت الطبيبة النفسية تايش مالون، لمجلة (فري ويل مايند) المتخصصة في الصحة النفسية، إن الدراسة توضح أن إعادة هيكلة عقلك تحدث عندما تتغير المحفزات والبيئة والناس.

وأفادت أن التحفيز الحسي والمعرفي مهم للصحة العقلية، وأن السفر يعني بيئة جديدة وثقافة مختلفة، وأوصت الطبيبة بالتأكد من اختيار الأماكن التي تلبي الاحتياجات العامة لكل شخص.

وذكرت مالون أن المحفزات هي الحصول على الراحة النفسية والتعرض والارتباط بثقافة أخرى، قبل أن تزيد أنه “بغض النظر عن السبب وراء السفر، يجب أن يتبنى العقل أفضل ما تقدمه التجربة”.

وأشارت الدراسة إلى أن السفر المتكرر يمكن أن يجعل الحياة أكثر سعادة.

إحساس بالتوازن

وتقول عالمة الأعصاب والأخصائية الاجتماعية الإكلينيكية رنتا ويفر، لـ”فري ويل مايند”، إن السفر إلى بيئات جديدة يوفر تجربة اجتماعية وعاطفية تعزز هرمونات السعادة، وتؤدي إلى التعلم بطرائق تختلف عن الهيكل المعتاد لبيئتنا اليومية.

ولاحظت ويفر أن هناك بالفعل دليلًا على أن النشاط الإبداعي والتجارب تساعد في تحفيز الدماغ، ووقفت عند مدى أهمية الاسترخاء بعد العمل.

وتساءلت “كم منا يتطلع إلى عطلة نهاية الأسبوع؟ نحتاج جميعًا إلى طرق للهروب عقليًا وجسديًا، يبحث دماغنا دائمًا عن طريقة لمساعدتنا على استعادة الشعور بالتوازن”.

وترى ويفر أن السفر لفترة قد يوفر هذا الهروب العقلي أو العاطفي، وأنه “يمكن أن يساعدنا أيضًا في تغيير منظورنا وتذكيرنا بأن مشاكلنا صغيرة مقارنة بضخامة العالم”.

وأفادت المتخصصة في علم الأعصاب أنه “في غياب الأنشطة والتجارب المحفزة، يشعر دماغنا بالملل وينام”، فيما تطلق تجربة السفر الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين، التي تؤدي إلى شفاء أجسامنا وجعلها تعمل بشكل جيد.

إليك الفوائد الصحية للسفر

وحسب الجزيرة نت، كشفت النتائج المبدئية للدراسات التي أجرتها “رابطة السفر الأمريكية” (2017) أن الطلاب الذين سافروا إلى الخارج، كانت لديهم رغبة في إتمام شهاداتهم الجامعية؛ ضعف رغبة أقرانهم الذين لم يقوموا بالسفر، بالإضافة إلى تحقيقهم -بعد ذلك- دخلا أعلى من أقرانهم بحوالي 40%. كما أوضحت النتائج أيضًا أن العمال الذين يحظون بعطلات للسفر أصبحوا أكثر إنتاجية من زملائهم، وأصبحت معنوياتهم مرتفعة، زيادة على كونهم أقل عرضة للتوتر والإرهاق؛ لذلك سنتناول بعض فوائد السفر المختلفة على صحة الفرد.

السفر يلعب دورًا فعالًا في الحد من التوتر والاكتئاب

للتعرف على تأثير السفر على الضغط النفسي، والتوتر، أجرى الباحثون في “مؤسسة مارشفيلد للبحوث الطبية” بولاية ويسكونسن الأميركية، دراسة -بتمويل جزئي من “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” وكذلك “المعهد الوطني للصحة والسلامة المهنية”- على مجموعتين من النساء؛ المجموعة الأولى تحظى فيها النساء على إجازات للسفربصورة منتظمة؛ عكس المجموعة الأخرى.

فكشفت النتائج أن المجموعة الأولى التي تحصل على عطلات من أجل السفر أقل عرضة للشعور بالتعب والإجهاد، وكذلك أقل عرضة للتوتر والاكتئاب، كما تتميزن بعلاقات جيدة مع أزواجهن؛ على عكس النساء الأخريات. كما أوضحت الدراسة أن تلك الفوائد النفسية تؤدي بالتبعية إلى تحسين نوعية الحياة، وكذلك تحسين أدائهن في العمل.

وبالتالي؛ فجميعنا يُدرك أننا نحتاج إلى عطلات السفر، فالبقاء بعيدًا عن ضغوطات الحياة اليومية -ولو لفترة قصيرة- يمدنا بالراحة التي نحتاجها من أجل القدرة على الاستمرار في العطاء؛ سواء في العمل، أو الدراسة، أو حتى الحياة الشخصية والاجتماعية؛ لذلك لا يعتبر السفر مجرد رفاهية؛ بل إنه حاجة مُلحة لا بد أن يحظى بها كل شخص.

التخطيط لرحلة السفر سيغمرك بالسعادة

الناس يحظون بمزيدٍ من السعادة عند إنفاق أموالهم في الأفعال التي يقومون بها عن الأشياء التي يحصلون عليها. وبالتالي يحصل الأشخاص على المزيد من السعادة عند التخطيط وإنفاق الأموال على السفر.

عندما يُخطط أي منا إلى سفرية مقبلة؛ يتطلع إلى المُغامرة، وزيارة أماكن جديدة، وكذلك رؤية أشخاص مختلفين، والتعرف على ثقافات متنوعة، وبالتالي التخطيط في حد ذاته يجعل الفرد يشعر بالرضا والسعادة. فكشفت إحدى الدراسات التي تمت بجامعة “سري” ببريطانيا؛ أن الأشخاص الذين ينتظرون سفرية قادمة هم أقل سلبية من غيرهم، وأكثر رفاهية وسعادة؛ بل إن مجرد التخطيط للسفر أدى إلى تأثير إيجابي بشكل ملحوظ على الحياة العامة والخاصة للفرد، وعلى علاقته مع الأصدقاء والعائلة؛ بالإضافة إلى التأثير الفعال على الصحة النفسية والعامة.

وزيادة على ذلك، كشفت دراسة أخرى تمت بجامعة “كورنيل” أن الناس يحظون بمزيدٍ من السعادة عند إنفاق أموالهم في الأفعال التي يقومون بها عن الأشياء التي يحصلون عليها. وبالتالي يحصل الأشخاص على المزيد من السعادة عند التخطيط وإنفاق الأموال على السفر، أكثر من سعادتهم عند التسوق وإنفاق الأموال في شراء وامتلاك الأشياء المادية.

السفر يعمل على تعزيز جهاز المناعة

عند السفر من مكان لآخر يتنقل الإنسان بين ظروف بيئية مختلفة، فيتعرض إلى أنواع مختلفة من التربة، والماء، والهواء، كما يتعرض إلى درجات الحرارة المنخفضة والمرتفعة على حدٍ سواء، بالإضافة إلى التغيرات المناخية المتفاوتة. وكل بيئة تحتوي على عدد هائل من الكائنات الدقيقة المختلفة؛ كالبكتريا والفطريات. وبالتالي عندما يتعرض جسم الإنسان إلى بيئات مختلفة تؤوي تريليونات الميكروبات، يتكيف جهاز الإنسان المناعي مع البيئات المختلفة، ويكُون مناعة طبيعية ضد الميكروبات التي يتعرض لها؛ حيث تحول هذه المناعة بينه وبين الإصابة بالمرض أو العدوى. وقد أكدت ذلك العديد من الأبحاث، وكشفت أن تعرض الإنسان إلى بعض الأتربة الطفيفة، والأمراض البسيطة يؤدي إلى تعزيز جهاز المناعة، وتعزيز وظائف الجهاز الهضمي.

السفر يعمل على تعزيز الصحة العقلية وزيادة الإبداع

السفر يؤدي إلى توسيع مدارك الإنسان، فمن خلاله يمكنه التعرف على أشخاص جدد، والتكيف على أوضاع جديدة؛ مما يجعله يحافظ على قدراته الإدراكية.

في السنوات الأخيرة بدأ كل من علماء النفس والأعصاب بدراسة تأثير السفر على القدرة المعرفية والإدراكية، وكذلك الإبداع. فالسفر وقضاء الكثير من الوقت في أماكن مختلفة يؤدي إلى إحداث تغيير في عقلية الشخص وإدراكه؛ حيث يتعرض إلى أصوات جديدة، وروائح مختلفة، ولغات متباينة، والكثير من الأذواق والأحاسيس المتفاوتة التي تثير نقاط الاشتباك العصبي المختلفة بخلايا المخ، والتي تؤدي إلى زيادة المرونة الإدراكية للشخص، وكذلك زيادة قدرته المعرفية؛ مما يؤدي بالتبعية إلى تنشيط العقل.

ومن هنا فالسفر يؤدي إلى توسيع مدارك الإنسان، فمن خلاله يمكنه التعرف على أشخاص جدد، والتكيف على أوضاع جديدة؛ مما يجعله يحافظ على قدراته الإدراكية. فقد أظهرت بعض الدراسات وجود علاقة قوية بين السفر وتعزيز الوعي الثقافي، ونمو الشخصية، بالإضافة إلى زيادة الإبداع. فوفقا لمجلة “الشخصية وعلم النفس الاجتماعي” -التي تصدر شهريًا- أن الطلاب الذين يسافرون من أجل الدراسة في الخارج يكونون أكثر انفتاحًا واستقرارًا عاطفيًا عن غيرهم.

السفر يُقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية

قد لا تقتصر فوائد السفر على تعزيز الصحة العقلية والنفسية فقط. فيلعب السفر دورًا هامًا في الحد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية.؛ إذ كشفت إحدى الدراسات -التي تمت على مدار 20 عامًا على سكان بلدة إحدى مقاطعات ولاية ماساشوستس الأمريكية- أن النساء اللواتي لم يحصلن على عطلات للسفر إلا كل 6 سنوات لديهن مخاطر للإصابة بالنوبات القلبية، أو الوفاة بأمراض القلب أعلى بكثير من النساء اللواتي يحصلن على عطلات للسفر كل عامين.

ووجدت دراسة ثانية تمت على مدار 9 سنوات -بعد ضبط عوامل الخطر التقليدية مثل ضغط الدم- أن الإجازات السنوية تؤدي إلى خفض خطر الوفاة بشكل عام، وبالتحديد خطر الوفاة الناتج عن أمراض القلب. كما كشفت إحدى الدراسات الأخرى أن الرجال الذين لا يقومون بالسفر خلال عدة سنوات هم أكثر عرضة للإصابة بالأزمات القلبية بنسبة 30% من غيرهم؛ بينما الآخرون الذين يحظون بفرصة للسفر -بصورة منتظمة- يكونون أقل عرضة للوفاة بالأزمات القلبية بنسبة 21% عن غيرهم.

وذلك لأن المسافرين أكثر نشاطًا من أولئك الذين يقضون معظم حياتهم في مكاتبهم؛ حيث يميلون إلى الحركة وقطع مسافات طويلة لزيارة الأماكن المختلفة، والاستمتاع بالأنشطة المتنوعة التي تؤدي إلى تعزيز الصحة البدنية والعقلية. وحسب الاتحاد العالمي للقلب، فإن ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة يخفض خطر الإصابة بالنوبات القلبية، بنسبة تتراوح من 30٪ إلى 50٪. وبالتالي يعمل السفر على الحد من خطر الإصابة أو الوفاة بالنوبات القلبية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *