وجهة نظر

مدونة الأسرة.. سؤال المصدر والغاية (2)

كاتب رأي

النقاش المثير حول مدونة الاسرة هو تتمة نقاش بين نظرتين مغايرتين لهوية النص المنظمة لمجال الأحوال الشخصية والاسرة ولكي يطرح السؤال من جديد حول المرجعية والخصوصية، هل قانون الاسرة قانون وضعي أم قانون سماوي أم انه استطاع ان يمزج بين المصدرين بمنهج يحافظ على خصوصيته المرتبطة بالهوية والانتماء.

نحن بحاجة ماسة الى علماء الشريعة الإسلامية لفهم مقاصد الشريعة برؤية معاصرة، مع طرح الإشكاليات المثارة والتي تحتاج الى نقاش علمي رصين بعيد عن الذاتية التي تكسر ادرع الالتقاء المجتمعي.

كما اننا بحاجة الى علماء وبناة ونحات النص القانوني بما يضمن له مرونة وانسجاما مع الواقع والتحولات التي يعرفها المجتمع ،وحرفيوا البناء التشريعي ماهم الا مهندسوا القوانين التي تتعدى العاطفة وتنسجم والذوق الاجتماعي الذي يحافظ على التوابث ولايتصارع معها ،فالمسم به ان القاعدة القانونية تتقوى بالتجديد والنحث البناء ولاتنعدم بالتعديل لأن روح القاعدة حية بحياة المجتمع وتفاعله وحركته ،وسكون القاعدة القانونية وجمودها هوان وخسران وانهيار للعمران البشري كما طرحه بن خلدون في عمر البناء الحضاري الذي يحتاج الى التجديد والتعديل .

وسبق القول أن القانون علم معياري ضروري للحياة الاجتماعية والسياسية، له هدف نهائي يتمثل في إقامة النظام من خلال هيكلة المجتمع بمنظومة من القواعد المعيارية لضمان انسجامه واستقراره؛

وتختلف المدونة من حيث مصدرها على القانون، فهذا الأخير بحكم مصدره الوضعي يعتبر ترجمة لمشروع سياسي متحيز لإيديولوجية الدولة، فهو يتضمن مجموعة من المبادئ المنسقة تنسيقا منطقيا، وتعبر عن غايات متحركة ومتجددة في العالم المعاصرورغم ان مصدره الوضعي نابع من العلوم الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالمجتمع بحيث يكون القانون نتيجة تسوية بين المصالح المتعارضة في الواقع الاجتماعي وما يطرحه من مشاكل، ويكون نتاج اجتماعي مصلحي.ولذلك يظهر من خلال التشخيص أننا بحاجة الى استحضار مقاصد الشريعة ، وإعادة ترتيب العلاقة بين الشريعة والقانون في ضوء كليات الشريعة والتدرج في تطبيق الأحكام، بحسب إمكان تحقق الحكمة من تطبيقها، وبحسب ما يتطلبه الواقع من سماحة اعتبرها بن عاشور أصلاً قطعيا تفيد به الشواهد الكثيرة والمبثوثة في نصوص الشريعة، ولكنها سماحة الاعتدال والتوسط، من دون غلو ولا تقصير ومعرفة أسرار التشريع ومقاصده وهو منهج رجل التشريع في النظر في “الكليات” ليدرك سر التشريع، وإلا تضاربت بين يديه الجزئيات، وهذه المنهجية المقاصدية تستوعب في داخلها الكثير من وظائف القانون.

ولقد كان لذلك الانفصال المبكر في التاريخ الاسلامي بين الديني والسياسي القائم على توزيع الأدوار، كنوع من العلمانية المبكرة، حيث توسع التمايز بين الدين والسياسة، وتعمق أكثر ليصبح فصلاً شاملاً بين الدين والمجتمع، ولم تعد المرجعية الدينية معتمدة في توجيه المجتمع، وأصبحت السيادة للقانون الوضعي المنقطع الصلة عن هوية المجتمع وخصوصيته الحضارية.

مدونة الاسرة في تحيينها تحتاج الى رؤية واضحة وفق المقاصد التي بنيت عليها:

ويأتي هذا النقاش ضمن سلسلة من الخرجات والعرائض التي تطالب بالمساواة في غياب مؤشرات واضحة لعدم المساواة وهذا النقاش العمومي الذي تميز بنوع من السطحية البعيدة عن العلمية ، وكان بالأحرى ان تكون هاته المطالب مبنية على دراسات اجتماعية لوضعية المرأة في قسمة الأموال والحقوق المالية بشكل عام لفهم إشكالية المساواة في المجتمع المغربي ؟ولنتساءل هل مشكلتنا في النص القانوني الذي يعد هندسة لعلاقات اجتماعية قد تتميز بوجود بعض النواقص والاشكالات.

ولذلك نحن بحاجة الى نقاش لمختصين في مجال العدالة الاسرية لفهم الإشكالات القانونية الناجمة عن تطبيق أحكام مدونة الاسرة.

خصوصا وانه من المرتقب ان يعرف النقاش حدة على العديد من المسائل العالقة و التي تحتاج الى تدقيق ورؤية تواكب متغيرات الوضع وحاجة الناس ومقاصد الشريعة . وإذا أسقطنا هذه المؤشرات التي يتوفر عليها المغرب ، فان أهم مكتسب سينضاف الى العدالة الاسرية ،توفر على استقلال للسلطة القضائية في فض النزاع الاسري وانصاف ذوي الحقوق .

وبعد سنوات من العمل بمدونة الاسرة نتساءل أين الخلل ؟

هل في قصور النص على الإجابة على الإشكالات المطروحة في التنزيل ؟

أم في غياب قضاء مختص للإحاطة بكل المشاكل التي تعاني منها الاسرة المغربي؟

أو في غياب إدارة قضائية اجتماعية مختصة في مجال الاسرة؟

ام في عدم قدرة الاجتهاد القضائي في تفسير القاعدة القانونية وتجويد العمل القضائي الذي يعد ثمرة التنزيل للنص القانوني في أفق التغيير ؟

أم أن الخلل في القاعدة القانونية، أم في الممارسة القضائية ؟

* رضوان بوسنينة، مؤسسة تراحم للدراسات والأبحاث الاسرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *