انتخابات 2016

السلفيون والانتخابات.. من النقاش السياسي إلى حروب الفتوى

في مشهد لم يكن مألوفا في الاستحقاقات السابقة، دخل شيوخ سلفيون مغاربة على خط النقاش الذي تفرضه فترة الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية المزمع تنظيمها غدا الجمعة، غير أن المثير في نقاشات معظمهم هو سيادة لغة الإفتاء وتصنيف الأحزاب على معايير غريبة عن المشهد السياسي المغربي، تتمحور حول قرب أو بعد الحزب من تعاليم الإسلام، أو خدمة القرآن والأنفع للدعوة، وغيرها من المعايير ذات البعد الديني.

وفرض انخراط رموز التيارات السلفية بالمغرب في النقاش السياسي والانتخابي، حالة من الانقسام والاختلاف بين الشيوخ، فيما يشبه حملة انتخابية موازية لا ترتهن لأي برامج سياسية، بقدر ما تتأسس على “الإفتاء”.

المغراوي.. الشرارة الأولى

وبدأت أولى شرارات هذا النقاش مع دعوة الشيخ السلفي محمد المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش، أنصاره للتصويت على حزب الأصالة والمعاصرة، وذهب المغراوي في التسجيل الذي نشرته جريدة “العمق” سابقا، إلى التأكيد على مريديه أن من لم يصوت لـ”التراكتور” فقد “خان القرآن”.

كما سبق المغراوي أن حذر من أن يتم إغلاق دور القرآن التابعة لجمعيته بمراكش، في حالة عدم حصول حزب الأصالة والمعاصرة على أصوات سلفيي المدينة الحمراء، مؤكدا أن الجرار هو من “فتح دور القرآن التي ظلت مغلقة طيلة 3 سنوات”.

ولم تمض دعوة المغراوي شيخ ما يسمى بـ “السلفية العلمية” بسلام، حيث توالت ردود الفعل من طرف عدد من الوجوه البارزة في التيارات السلفية بمختلف تلاوينها، بين داع المغراوي إلى التراجع ومهاجمة حزب الجرار باعتباره “حزبا علمانيا”، وبين من اختار محاولة إصلاح ذات البين بين المغراوي ومخالفيه، والدفاع عن المغراوي معتبرا أن موضوعه يراد منه “الفتنة”.

سلفيو تطوان.. بيان مشترك ضد المغراوي

تبرأ ثلاثة شيوخ سلفيين بمدينة تطوان وهم طارق الحمودي وعادل خزرون وفؤاد الدكداكي، من دعوة المغراوي للتصويت على الجرار، واعتبروا في بيان مشترك أن المغراوي جانب الحق وخالف الصواب، مستشهدين بقول ابن تيمية: “من جعل كل مجتهد في طاعة أخطأ في بعض الأمور مذموما معيبا ممقوتا، فهو مخطئ ضال مبتدع”، مشيرين إلى أن “البام” لا يؤتمن على عهد، ولا يوثق له على عقد، وهو حزب صنع لمحاربة الإسلاميين كما قال أمينه العام إلياس العماري.

وأشار الشيوخ الثلاثة، إلى أنهم جالسوا الشيخ محمد بن الأمين بوخبزة، شيخ الدعوة السلفية في شمال المغرب، وعرضوا عليه الأمر “بعد التأكد من صحة ما نسب إلى المغراوي الذي ذُكر فيه الصفقة التي تمت بينه وبين حزب الأصالة والمعاصرة، فأبدى استنكارا مستغربا من صدور هذا من الشيخ المغراوي”، حسب البيان ذاته.

ودعا الشيوخ الموقعون على البيان، “كل العقلاء من محبي وطلبة ومتابعي المغراوي، “ألا يستجيبوا لطلبه إكراما له ونصرة له بكفه عن الخطأ، فقد أبان حزب الأصالة والمعاصرة أنه هو من سعى إلى إغلاق دور القرآن، وحرمان الناس منها مدة من الزمن بطريقة ما، وأنهم لن يتورعوا عن إغلاقها مرة أخرى”.

واعتبر البيان أن دعم المغراوي للجرار قد يكون له آثار عكسية لما يرجوه حزب العماري، “فينبري رواد دور القرآن التابعة للشيخ إلى التصويت للعدالة والتنمية، ويدعون الناس إلى ذلك إظهارا للمؤازرة والمساندة ضد من يتلاعب بقضية دور القرآن، وكفا للألسنة، وإحقاقا للحق، ونصرة للتاريخ والهوية”.

الكتاني.. التصويت والوقوف بين يدي الله

من جهته، حذر الشيخ البارز فيما يسمى “تيار السلفية الجهادية” والمعتقل السابق في قضايا كانت متعلقة بالإرهاب، من التصويت على حزب الأصالة والمعاصرة “الذي يتعهد بمحاربة الإسلاميين وشرائع الإسلام”، محذرا من عواقب ذلك عند “الوقوف أمام الله”.

وقال الكتاني في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تفاعلا مع الانتخابات “حزب الجرار الذي يتعهد بمحاربة اﻹسلاميين وشرائع الإسلام ﻻ ينتخبه ويجعله حاكما عليه من يعرف أنه سيقف بين يدي الله تعالى”.

من جهة أخرى، انتقد الكتاني على فصائل الحركة الإسلامية التي اختارت المشاركة الإسلامية في العالم العربي ما وصفه “استخدام التقية أمام مخالفيهم من العلمانيين والاشتراكيين والديمقراطيين”، مما دفعها حسب الشيخ السلفي إلى أن تتحول من التقية إلى الإيمان بفكر جديد ونقد لما كانوا عليه وتسبب في الإلقاء بهم في غياهب السجون و المنافي”.

وأضاف الكتاني “فأصبحت معاني الحاكمية للشريعة والتزام السنة والعمل بها وتعظيم النصوص الشرعية والاهتمام بالهدي الظاهر وحجاب المرأة ومنع الاختلاط بين الجنسين، وأضحت المسائل الفقهية التي قررها جماهير العلماء مهجورة مرفوضة لأن المتفرنجين لا يتقبلونها فلنوافقهم بدل التمسك بما يجلب لنا النقد”.

القصير.. التصويت والمشاركة في الإثم

الشيخ السلفي المعروف بمدينة الدارالبيضاء مصطفى القصير، اعتبر أن من يصوت على رمز “التراكتور” سيكون شريكا معه يوم القيامة في “الإثم” على حد وصفه، لأن المصوت عليه سيكون مصوتا على من يحارب الإسلام.

وانتقد القصير بقوة في شريط فيديو تناقله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، على الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة تصريحاته التي أكد فيها أن هدف حزبه هو محاربة الإسلاميين، وشدد على أن من يريد خدمة البلد يجب ألا ينصب نفسه ضد فئة من المجتمع.

باحث.. السلفيون في حلقة مفرغة ولا يشكلون خطرا

في هذا السياق، اعتبر الباحث في العلوم السياسية خالد يايموت أن السلفيين لهم تواجد قديم في المشهد السياسي المغربي، وتعود بداياته إلى منتصف الثمانينات، مشددا أنه يدور في حلقة مفرغة ولا يشكل أي خطر سياسي في المغرب، بقدر ما يقدم خدمة مهمة لنفسه وللدولة.

وأوضح يايموت في اتصال هاتفي مع جريدة “العمق”، أن تطور وسائل الاتصال جعل التيار السلفي يتفلت من بين يدي الدولة التي ظلت متحكمة فيه منذ الثمانيات، خاصة في التيار الذي كان يتبع المغراوي، وجعل التيار السلفي يعيش انقسامات كثيرة تجعل الخلافات الداخلية تطفو إلى السطح وتصبح نقاشا علنيا.

واعتبر الباحث في العلوم السياسية أن هذا التطور في التيار السلفي يخدمه بشكل كبير، حيث يساهم إيجابا في تطويره وإخراجه من نظرته التقليدية للمشهد السياسي والمرتهنة للسلطانية بمنطق قهري، كما يخدم الدولة بخروج التيارات السلفية من السرية إلى العلنية.