منتدى العمق

لماذا العدول غالبا عن تعديل الحكومات؟

كثر الحديث مؤخرا في العديد من المنابر الاعلامية وصالونات السياسة بالعدبد من الاحزاب والهيئات السياسية، عن تعديل حكومي مرتقب قبل شهر رمضان.
هل هذا موضوع جدي؟ هل هي ملهاة موسمية لاستهلاك اعلامي عارض؟ هل الحقيقة واقعة دوما بين سطري الجد والهزل؟
في موضوع التعديل الحكومي، هناك مزايدات سياسية تكتيكية ضد الحكومة، ممزوجة بأمر واقع عنوانه الإخفاق السياسي الحكومي (وليس دوما اخفاقها البرمجي).
من المزايدات.
١. شرعية التعديل بناء على الاعراف السياسية:
 ليس هناك عرف قسري نعدل به حكوماتنا ولا عرف قسري نحتكم اليه لتعديل الحكومات لما تقطع نصف زمن ولايتها.  يمكن ان يكون تعديل حكومي ويمكن الا يكون ولا شيء يفرضه ولا شيء ينفيه. ومادام هذا الافتراض منسد منطقيا فذلك يقصي قوة العرف كقوة معدلة. من يعدل الحكومات في المغرب هو الملك رئيس الدولة ورئيس مجالسها الوزارية سواء بناء على طلب رئيس الحكومة او بناء على مبادرة ملكية ذاتية. والقصر لما يطلب تعديلا وسط الحكومة (اعفاء وتغيير بعض الوزراء) فذلك يقع دوما تحت تعليل دستوري للقرار. الملك يعدل بناء على افتحاص لإيقاع سير بعض البرامج (خصوصا تلك الحائزة على صفة الاشراف الملكي) ويعدل وهو يعلل ويتكلم ويعطي مبررات لذلك (خصوصا المبررات التقنية). وبالتالي فالتعديل الحكومي في المغرب هو اختصاص ملكي مبني على تعليل تقني واضح وليس على عرف سياسي مؤكد.
٢- شرعية التعديل بناء على مرور نصف الولاية التنفيذية 
لا سند سياسي قوي يبرر تعديلا حكوميا مبنيا على انقضاء نصف مدة ولاية تنفيذية ما . والزمن الحكومي أصلا لا يقاس بزمن ولايتها بل بأزمنة برامجها قيد التنفيذ. الوزير الذي يدبر رؤية إستراتيجية قطاعية ما هو وزير يتتبع تنفيذ مؤشرات انجاز تتجاوز عادة الزمن السياسي للحكومة التي يشتغل فيها. هناك مخططات قطاعية بدأت قبل تنصيب الحكومة وجلها برامج تستمر في زمن يتجاوز أمد انقضاء الولاية التنفيذية. وبالتالي ففكرة الارتكاز على انقضاء نصف المدة السياسية للحكومة (وليس نصف المدة البرمجية) كفكرة تبرر التعديل الحكومي هي مزايدة على الحكومة بالزمن وليس بالبرامج.
٣- شرعية التعديل بناء على سوء التواصل السياسي
لم يسبق ان وقع تعديل بإعفاء وزير لأنه لا يتكلم او لا يتواصل مع مرتفقيه من المواطنين. ربما يتم اعفاء وزراء ارتكبوا “زلات كلامية” في حق الدولة او تواصلوا وهم يتجاوزون صلاحياتهم المؤسساتية والسياسية. خصوصا فيم يتعلق بالمجالات المكفولة للقصر واختصاصاته السيادية. لكن لم نشهد تعديلا كان مبرره عدم تفاعلية تواصل وزارة ما او نقصان وظيفي في تواصلها المؤسساتي. خصوصا ومشهدنا السياسي لا يتوفر على استقراءات ميدانية ودراسات كمية تقيس نجاعة او عدم نجاعة تواصل قطاع حكومي بعينه. هل يقصد بسوء التواصل هنا خرجات بعض الوزراء غير المحسوبة جماهيريا ؟ (خرجات وزير العدل مثلا) من الممكن ان يرتكب وزير ما زلة لسان غير محسوبة وهو يؤجج لا إراديا جزءا من الرأي العام ضد حكومته، لكن تبقى هنا لرئيس الحكومة سلطة التنبيه وفق ما يتوفر عليه من توازنات حزبية تحالفية. ولا يغامر رؤساء الحكومات في الهرولة لطلب اعفاء وزراء كلما ارتكبوا زلات تواصلية، فذلك امر غير وارد بل هو امر مهدد للحكومة كمؤسسة لها التزامات سياسية معلنة والتزامات عمومية مقيدة. كل ما يتم فعله لتدارك ذلك هي إطلاق تنبيهات خاصة وتقويمات ودعم مؤسساتي حكومي لما يتم الإحساس بضعف ووهن التواصل داخل احد القطاعات الوزارية المدبرة لبرامج إستراتيجية فوق-قطاعية ( عبد الرحمن اليوسفي و ادريس جطو كانا ينظمان دورات تكوين للوزراء ومستشاريهم في التواصل المؤسساتي ، و شكل خالد الناصيري ومصطفى الخلفي كوزيري اتصال فريق عمل بين-قطاعي مهتم بدعم التواصل الحكومي….).
٤- شرعية التعديل بناء على امتعاض شعبي عام
حتى ولو ساد الإحساس عموما (وليس اليقين دوما) بأن المواطنين يحتفظون بانطباعات سلبية حيال انجازات الحكومة (المرتبطة بتحسين القدرة الشرائية والاستهلاك) وبالتالي يتداولون بوجوب حصول تعديل ضروري، فإن متلازمة “رضى المواطن” لم يسبق لها ان تمتعت بقوة اسقاط حكومات. اولا لأن مستويات الرضى جماهيرية ذاتية متقلبة وثانيا  هو شعور “متخيل” غير ممأسس وليست له قنوات تصريف واضحة (حيث نادراً ما يتم تقويم برامج معينة استنادا على مستويات رضى مرتفقيها من المواطنين). ولا ادافع هنا عن حكومة بعينها لكنه يمكن لي ان اجزم ان الحكومات تستشرف وقع وصدى برامجها جماهيريا وتقوم عادة بتقويمات برمجية ليس لأنها حكومات منفتحة ومتفاعلة بل لأن المغرب (والقصر) لم يعد يحتمل احتمالية اضرابات وطنية ومسيرات عطش وخبز وتأطير ذلك سياسيا (احداث بداية الثمانينات واحداث الحسيمة). وبالتالي يبقى القصر هو صمام تصويب كل البرامج اللاشعبية الممكن لها من المس بأي توازن ماكرو-سياسي، خصوصا ونحن نعيش تحت ايقاع ملكية تنفيذية.
من يتكلم عن مؤتمر حزب الاستقلال القادم كمؤتمر مفصلي في اعادة تشكيل الحكومة، هو نفسه من كان يتكلم البارحة عن مؤتمر الأصالة والمعاصرة وحساسيته ووقعه على التوازن الحكومي. مر مؤتمر البام وسيمر مؤتمر الاستقلاليين وربما سيتم تغيير اسماء باخرى. ولكن هل تغيير استقلالي بآخر او بامي بآخر هو فعلا تعديل سياسي وبرمجي هيكلي للحكومة؟ لأنه في نظري ما نفع تغيير اسماء بلا أي وقع موازناتي وبرمجي وأدائي عام وواضح؟ ما معنى التعديل وكل البرامج المهيكلة هي اصلا تحت إشراف ملكي (الدعم الاجتماعي، الطاقة، الماء، الاستثمار، السياحة…) وكل مؤشرات الانجاز هي قيد التنفيذ … هل التعديل هنا هو تغيير اسماء بأخرى فقط؟ ذلك سيربك فرق العمل المصغرة التي يترأسها الملك شخصيا وسيعطي الانطباع باخفاق الجميع سياسيا، حتى ولو كانت تعديلات بروائح مساومات حزبية وتنخيبية.
التعديل تعديل لهيكلة برامج لم تنجز او اخرى لم تعط نتائجها المرجوة اما ربط التعديل بما ستفرزه مؤتمرات الاحزاب من نخب واسماء جديدة فذلك دليل على ان المطالبين بالتعديل غارقون في نفق “الاستوزار” وضبط الاستقرار النخبوي داخل الاحزاب ، وهي بالتالي مسألة انتفاع حزبي من الحكومة ليس الا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *