سياسة، مجتمع

إحالة نائب رئيس جماعة تطوان على “جرائم الأموال” بالرباط.. وتهم ثقيلة تواجهه

علمت جريدة “العمق” أن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، أحال نائب رئيس جماعة تطوان، “أ.ي”، على قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال، في الملف المعروف إعلاميا بـ”التوظيف مقابل المال”.

وأفاد مصدر مطلع لجريدة “العمق”، بأن المعني قد يواجه تهما ثقيلة تتجاوز “النصب والاحتيال”، إلى “تكوين شبكة للتوظيفات الوهمية، والارتشاء، والابتزاز، والتزوير واستعماله”، حيث جرى توقيفه وإخضاعه لتدابير الحراسة النظرية عقب عودته للمغرب قادما من إسبانيا.

وتفجر الملف بعدما وضع رئيس جماعة سابق بإقليم شفشاون “م.أ”، في 18 مارس المنصرم، شكاية ضد نائب البكوري، يتهمه فيها بتعريضه لعملية “نصب واحتيال” بـ30 مليون سنتيم، مقابل وعود بتوظيف زوجته بقطاع العدل، وذلك خلال عمله كمستشار لوزير العدل السابق، محمد بنعبد القادر، ما بين 2019 و2022.

وأول أمس الثلاثاء، أوقفت مصالح الأمن نائب البكوري، عقب وصوله إلى مطار الرباط سلا، وذلك بعد صدور مذكرة بحث في حقه بسبب عدة ملفات، ضمنها إصدار شيكات بدون رصيد، وتنفيذ إكراه بدني مرتبط بإفراغ منزل كان يكتريه، إلى جانب “تجاهله” استدعاءات الشرطة القضائية في ملف “التوظيف مقابل المال”.

وبحسب مصادر الجريدة، فمن المترقب أن يظهر ضحايا آخرون للمشتبه فيه، ضمن ملف “التوظيف مقابل المال”، حيث تشير المعطيات إلى أنه كان يمنح شيكات بدون رصيد كضمان لضحاياه الذين وعدهم بالتوظيف مقابل مبالغ كبيرة، وهو ما زاد من تعقيد ملفه لدى القضاء.

وقامت مصالح أمن تطوان، أمس الأربعاء، بمداهمة منزل المشتبه فيه بحي بوجراح، إلى جانب منزل والديه بالمدينة العتيقة لتطوان، تنفيذا لتعليمات النيابة العامة بتفتيش منزله في الملف المتابع فيه، وهو ما أدى إلى تعرض والدته لحالة إغماء، نُقلت إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.

وكان المشتكي قد قرر تقديم تنازل عن دعواه ضد نائب رئيس جماعة تطوان، بعد تدخلات قادتها شخصيات سياسية بالمدينة، تلقى عبرها ضمانات من طرف رجال أعمال باسترجاع أمواله، إلا أنه اشترط في تنازله أن يعترف المشتبه فيه بما اقترفه.

وفي هذا الصدد، أوردت مصادر “العمق” المتابعة للملف، بأن المبلغ المتبقي هو 170 ألف درهم (17 مليون سنتيم)، بعدما أعاد المشتكى به، وهو أستاذ جامعي بكلية الآداب بتطوان، مبلغ 13 مليونا في وقت سابق إلى المشتكي.

وبعد تفجر الملف إعلاميا، غادر المسؤول المنتخب بجماعة تطوان عن حزب الاتحاد الاشتراكي، ومستشار وزير العدل السابق، محمد بنعبد القادر، التراب الوطني نحو إسبانيا، وهو ما دفع مصالح الأمن إلى إصدار مذكرة بحث في حقه.

وكان وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتطوان، قد أحال شكاية تتعلق بالنصب والاحتيال ضد المعني بالأمر، على الشرطة القضائية التي استمعت إلى المشتكي، واستدعت المشتكى به مرارا دون أن يحضر، فيما قام المعني بتجميد عضويته بحزب الاتحاد الاشتراكي بتطوان.

تفاصيل الشكاية

تشير الشكاية التي تتوفر “العمق” على نسخة منها، إلى أن المسؤول المنتخب “عمد إلى إيهام المشتكي بأنه يتوفر على نفوذ وتدخلات بوزارة العدل، من أجل تمكين زوجة المشتكي من النجاح بمباراة المنتدبين القضائيين موسم 2023، أو بإحدى المناصب المهمة بالوزارة”.

وبحسب الشكاية، فإن المشتكى به “أوقع المنوب عنه في التغليط والتدليس من خلال تقديمه لوعود كاذبة، كونه سيمكن زوجة المنوب عنه من النجاح في المباراة، وهو الأمر الدي لم يحدث بالرغم من تسلمه مبلغ 300 ألف درهم (30 مليون سنتيم)”.

وتضيف الشكاية أن المشتكى به “وبحكم اشتغاله كمدير للديوان بوزارة العدل سابقا، مع الوزير محمد بنعبد القادر، استغل نفوذه وتواجده الدائم مع الوزير الذي منح له فرصة أخذ عدد من الصور بجوار الوزير، من أجل إيهام وإسقاط ضحاياه واستغلالهم والنصب عليهم”.

ويقول المشتكي إن هناك حوارات ولقاءات متعددة بينه وبين المشتكى به، تم توثيقها من خلال محادثات صوتية وسمعية أرفقها بمحضر المفوض القضائي، ملتمسا من النيابة العامة إجراء بحث تمهيدي ومواجهة المشتكى به بمحادثاته الصوتية والكتابية مع المشتكي، الواردة والصادرة عبر وتساب.

واعتبر المشتكي أن “الأفعال التي قام بها المشتكى به، على درجة من الخطورة وتشكل جنحة نصب واحتيال مكتملة الأركان، وفق ما ينص عليه الفصل 540 من قانون الجنائي”.

وبحسب ما توصلت إليه جريدة “العمق” من معطيات، فإن المشتكي الذي يشغل حاليا عضوية المجلس الإقليمي لشفشاون، وافق على منح المشتكى به مهلة أسبوع من أجل استعادة أمواله، بعد وساطات قادها قياديون في حزب “الوردة” بتطوان، على رأسهم نقيب سابق للمحامين بتطوان.

غير أن “عدم وفاء المشتكى به بإعادة الأموال في ظرف أسبوع”، دفع المشتكي إلى استكمال إجراءات مقاضاته، حيث توجه إلى الشرطة القضائية لاستكمال الاستماع.

يُشار إلى أن نائب رئيس جماعة تطوان، كان قد أثار جدلا في وقت سابق، بسبب طريقة نيله لوظيفة أستاذ جامعي بكلية الآداب بمرتيل، حيث اعتبر مرشحون منافسون له، حينها، أن المنصب “صُمِّم على مقاسه”، وهو ما نفاه المعني بالأمر إلى جانب عميد الكلية.

كما تفجر ملف آخر مرتبط بأطروحة الدكتوراة التي نال بها منصبه، بعدما اتهمه أستاذ بالمعهد العالي للترجمة، بـ”سرقة” أبحاثه وضمها إلى أطروحته كما هي، وهو الملف الذي فتحت بشأنه جامعة عبد المالك السعدي تحقيقا لا زال جاريا.

“تغول الفساد”

في هذا السياق، يرى رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، أن النيابة العامة مطالبة بالبحث مع الطرفين معا، المشتكي والمشتكى به، وكل الأطراف المتدخلة في الموضوع، ومتابعة من سمى نفسه ضحية نصب، وأيضا المشتكى به الذي تبث عليه تسلم المبلغ المالي (300 ألف درهم).

واعتبر الغلوسي أن “مثل هذه الشكايات ترفع الستار عن واقع قائم يتباهى فيه الناس بالفساد دون خجل أو شعور بالذنب أو خوف من اللوم”، مضيفا أن “الفساد أصبح ثقافة في المجتمع (…) والبعض يعتبره حقا وليس شبهة وجريمة”.

وتابع الغلوسي في تدوينة على فيسبوك، قائلا: “لو تمكنت الزوجة من الظفر بالوظيفة لما تقدمت بأية شكاية أو تبليغ في الموضوع، وسيكون حصولها على المنصب بدون استحقاق وبمقابل مادي كبير ظلما وتعديا على حقوق من يستحق هذا المنصب من المتبارين”.

وشدد الغلوسي على ضرورة تدخل النيابة العامة “بشكل عاجل وحازم وأن تتصدى لهكذا ممارسات مشينة لتحصين المباريات من كل تلاعب محتمل، لأن ذلك يشيع الظلم واللامساواة في المجتمع”، معتبرا أن “الفساد يعبر عن نفسه في واضحة النهار، وهذا أمر مخيف”.

وأردف بالقول: “لاحظوا كيف أن منصبا عاديا في الوظيفة العمومية يكلف مبلغا ضخما، عندما يصبح الإتجار في الوظيفة فاعلم أن الفساد أصبح معمما ومهيكلا دون الإكثرات لأية قوانين أو مرجعية دينية أو أخلاقية، لذلك نردد دوما بأن الفساد تغول وأصبح يهدد الدولة والمجتمع، وعلى الجميع، مؤسسات ومجتمع، أن يتعبأ لمواجهته بصرامة والضرب بقوة على أيدي الفاسدين والمتلاعبين بالمصالح والمسؤوليات العمومية دون تردد قبل فوات الآوان”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *