وجهة نظر

الانتخابات التشريعية المقبلة، أي رهان نحو الدمقرطة؟

لا يفصلنا عن موعدالاستحقاقات الانتخابية سوى أيام معدودة،وتعد بذلك محطة حاسمة في مشوار دمقرطة التدبير العمومي بالمغرب، تعزز بناء فضاء مؤسساتي ديمقراطي كما يمكن اعتبارها اللبنة الأساس لاستكمال مسلسل الإصلاحات الترابية بالمغرب من خلال التنزيل السليم لمقتضيات الوثيقة الدستورية حيث يقدم الباب التاسع من الدستورمنظورا جديد للهيآت اللامركزية التي تكون التنظيم الترابي بالمغرب، كما يقدم سلسلة من الأحكام الدستورية التي غيرت من الإطار الداخلي والخارجي للهيات الترابية بالدولة زيادة الى تبسيط الأحكام القانونية المتعلقة بمبادئ انتخاباتها وكذا الأجهزة التنفيذية الخاصة بها.

إن دور الانتخابات التشريعية بالأساس هو تحقيق التوازن التشريعي وبالتالي تدعم خدمات استعصى على الناس تحقيقها فرادى، ففي ظل التحولات الديمقراطية التي تشهدها بنيات الدولة والتراكم الذي رافق تجدد أدوارها، لحت الضرورة على تجويد النظام التشريعي بالمغرب، الذي يستند في الأساس على الشرعية القانونية والتمثيلية الديمقراطية، من حيث تبني منظور جديد يتوخى البعد التشريعي للشأن المحلي، بغيت ترسيخ الحكامة المحلية وفق مقاربة تشاركية ديمقراطية.

من هذا المنطلق أصبحت الاستحقاقات التشريعيةحلقة مكملة، مرتبطة بتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية للدولة من جهة، وتحقيق التشريع السليم الذي يعكس احتياجات المواطن من المؤسسات، إذ أصبح لها دور كبير في سيرورة الإصلاحات التنموية للبلاد، ما فرض عليها تحدّيات كثيرة في مقدّمتها الرفع من مردودية الخِدمات المقدمة للمواطنين وتجويد مستواها الإداري والمالي بالانتقال إلى صيغة جديدة تأخذ فيها المؤسسة التشريعية نمط “المؤسسة الفعالة” المدبرة للشأن العام. القادرة النقاش القانوني الجاد والمحفز علىالاستثماراتوتحقيق التنمية المستدامة، على اعتبار أن الشأن المحلي ليس فضاء سياسي بقدرما هو تدبيري محض، يحتاج نخب قادرة على خوض المرحلة ولها من الإرادة، والفعالية ما يجعلها في قلب المسؤولية إزاء تفعيل مشاريع تنموية على أرض الواقع.

لأجل أن يكتمل مسار التحول الديمقراطيتعد الانتخاباتالتشريعية مرحلة حاسمة في تكريس الديمقراطية المباشرة التي من خلالها سيختار المواطنين من سيمثلهم عن طريق الاقتراع المباشر، وكذلك تحقيقا لمبدأ السيادة للشعب في منح الثقة للمترشحين على المستوى الترابي وفق ما جاء به الدستور الذي يعزز من بناء مجتمع ديمقراطي بجميع المعايير التدبيرية.

فالانتخابات المقبلة مرحلة فاصلة تحتاج فرض قطيعة مع الممارسات الانتخابية السابقة ولتحقيق كل هذا، أصبح لزاما على الفاعل السياسي تجويد خطابه وبرامجه الانتخابية من منظور تشاركي لا يقتصر على فوقية البرامج الحزبية بمعنى إشراك المواطنين في صياغة البرامج الانتخابية للقطع بذلك مع العزوف الانتخابي الذي أصبح عائق أمام تفعيل الخيار الديمقراطي.

وجدير بالذكر أن دستور 2011 وضع إطار قانوني لمشاركة المواطنين في تدبير الشأن المحلي، من خلال تبني مقاربة تشاركية المنصوص عليها في الفصل 139، حيث أن مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى تضع آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات فيإعداد برامج التنمية وتتبعها

من هنا تعد مشاركة المواطنين في الانتخابات المقبلة ركيزة أساسية للديمقراطية بالبلد، و تكريسا للامركزية الترابية شرط احترام و تفعيل مبادئ الشفافية، النزاهة، و ربط المسؤولية بالمحاسبة عبر الأخذ بتوصيات المجلس الأعلى للحسابات فيما يخص تدقيق نفقات الأحزاب السياسية المتعلقة بتمويل الحملات الانتخابية، وأيضا عبر الإنزال السليم للمقتضيات الدستورية المتعلقة بتكريس الحكامة المحلية، التي لابد أن تسند إلى ما يكفي من الموارد البشرية و المالية الكفيلة بنقله من الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي الذي يشمل في جوهره التفعيل السليم الذي يستحقه هذا الورش الكبير من أجل كسب ثقة المواطن في التدبير الانتخابي.

فالممارسات السائدة في بعض المحطات الانتخابية السابقة كانت تفتقر أحيانا إلى مقاربة تشاركية أساسها الديمقراطية التمثيلية التي تعتمد على تفاعل المواطنين وإشراكهم في التدبير المحلي وبلورة سياسات عمومية قوامها سياسة الإصغاء إلى مشاكلهم ومطالبهم في القطع مع العهد السابق.

على اعتباررهان نجاحالاستحقاقات مرتبط بالأساس في القطيعة مع الممارسات السابقة وتبني مقاربة شمولية تشاركية جوهرها المواطن. ونتيجتها مشاركة جميع فئات المجتمع في الاستحقاقات، وتجاوز إشكال العزوف الانتخابيلكيلا نكرر بعض التجارب السابقة.