خارج الحدود، سياسة

انتخابات فرنسا.. هل يؤثر وصول اليمين المتطرف للسلطة على علاقات باريس بالرباط؟

كشفت الجولة الأولى للانتخابات التشريعية الفرنسية تقدم اليمين المتطرف وقربه من الحصول على أغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية والظفر بمنصب رئيس الوزراء في قصر ماتينيون، ليدير الحكومة ويُسيِّر البلاد.

اليمين المتطرف الذي كان كابوسا للبعض، أصبح اليوم حقيقة ممتعة للبعض الآخر، فيما كان حلما للبعض الآخر، وتحول إلى واقع مفروض ومقبول تقريبًا من قبل الكثيرين.

حصد حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف وحلفاؤه النسبة الأكبر من الأصوات في نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا، بأكثر من 34% من الأصوات، وسط مشاركة قياسية في الاقتراع منذ عقود.

جوابا على سؤال “العمق” بخصوص نسبة المشاركة في هذه الانتخابات مصطفى الطوسه، باحث ومحلل سياسي، مقيم في باريس، إن هذا الدور الأول من الانتخابات التشريعية المبكرة عرف مشاركة قياسية، مبرزا أن الفرنسيين الذين اعتادوا أن يكونوا بخلاء بأصواتهم اندفعوا نحو صناديق الاقتراع. موضحا أن معدل المشاركة يشير بالفعل إلى أن البلاد تعيش تحت صدمة تغيير مفاجئ، وتحول لا مفر منه.

الباحث القريب من المشهد السياسي الفرنسي أكد استفادة معسكرين من النتائج الأولية، وهذه المشاركة الضخمة، الأول هو اليمين المتطرف الذي يعد صعوده بهذا الحجم الأول من نوعه، والثاني هو اليسار واصفا النتائج التي حصل عليها بنهضة من الرماد بعد رحلة طويلة عبر الصحراء.

وتابع الطوسه “اليوم أكثر من أي وقت مضى، يقف اليمين المتطرف على أعتاب السلطة، وتحتل فرنسا مركزًا خاصًا في اهتمام العالم. في مواجهة هذا الاحتمال، بدأت فكرة (السد الجمهوري) في التبلور من أجل منع وصول حزب لوبان إلى الحكم. مع هذا الشعار الموحد للجولة الثانية من الانتخابات التشريعية (لا صوت لليمين المتطرف)، الذي ترفعه أحزاب الوسط واليسار في العديد من الانتخابات الثلاثية التي تلوح في الأفق، سنكون أمام نتائج حاسمة؛ إما انتصار اليمين المتطرف أو منعه من الوصول إلى السلطة”.

هناك ثلاثة مواقف ميزت بناء هذه الجبهة الجمهورية، يتابع الخبير، يهم الأول الحملة التي أطلقها إيمانويل ماكرون فور إعلان النتائج، هذا الموقف الرئاسي في نظر العديد من المتابعين  يبدو كأنه موقف شخص يشعل النار ثم يطلب المساعدة لإطفائها، خاصةً أنه قضى معظم وقته خلال هذه الحملة القصيرة في اتهام المتطرفين  بالرغبة في إثارة حرب أهلية والإفلاس الاقتصادي.

اليوم، يجد نفسه في وضعية حرجة يصعب على الكثيرين تقبلها، وهي تفضيل مرشح من اليسار المتطرف الذي كان يعاديه بشدة لإغلاق الطريق أمام اليمين المتطرف، الذي يُرى متأخرًا كتهديد للنظام والمؤسسات الجمهورية، يقول المتحدث.

ثم هناك موقف اليسار، يواصل الطوسة “بلا شك قادته كانوا واضحين تمامًا. يجب القيام بكل شيء لمنع فوز مرشحي الجبهة الوطنية، حتى لو كان ذلك يتطلب التصويت للمنافس، سواء كان من اليمين أو من حزب إيمانويل ماكرون. هذا الموقف من اليسار يظهر أن الوضع خطير للغاية وأن فرنسا تواجه خطرًا حقيقيًا، وأنه يجب القيام بكل شيء لعرقلة اليمين المتطرف ولو كان ذلك يعني التصويت لمرشحين يُنظر إليهم كخصوم سياسيين ولكن انتصارهم سيمنع تحقيق الأغلبية المطلقة لمارين لوبان وجوردان بارديلا واستيلائهم على مفاتيح السلطة التشريعية والتنفيذية”.

الموقف الثالث يكمن لدى عناصر في اليمين يرون أن الجبهة اليسارية الجديدة أكثر خطورة من الجبهة الوطنية. وأنه إذا كان عليهم غدًا الاختيار بين مرشحيهما، فلن يترددوا في اختيار اليمين المتطرف. بالنسبة لهذه الفئة، يجب ألا يستفيد الجدار الجمهوري بأي حال من الأحوال من اليسار المتطرف. وتراهن الجبهة الوطنية عليهم لتعزيز صفوفها وأملها في الوصول إلى الأغلبية المطلقة بـ289 مقعدًا في البرلمان القادم.

ولفت الباحث إلى أن حلفاء فرنسا، في أوروبا والمغرب العربي، يستعدون بالفعل للتعامل مع فرنسا التي يقودها اليمين المتطرف، واصفا الأمر بالزلزال على المستوى الأوروبي، وبإعادة ترتيب الأوراق مع المغرب العربي، بعدما لوحظ خلال الحملة الانتخابية تقديم توضيحات ومواقف في خطاب اليمين المتطرف تهم هذه المنطقة.

وصف الباحث هذه الخطوة التي أظهرتها نخبة الجبهة الوطنية التي تستعد للوصول إلى السلطة بأنها ليست من النوع الذي يطمئن هذه البلدان في المغرب العربي، وبأن فرنسا المستقبل ستستطيع الحفاظ على علاقات هادئة معهم، مبرزا أنه في أسوأ الأحوال، قد تندلع مواجهة علنية بشأن قضايا الهجرة، وفي أفضل الأحوال، جفاء في العلاقات الذي لا يخدم المصالح السياسية والاقتصادية لأي طرف، معتبرا أن فرنسا في هذه الحالة تخاطر بقطع علاقاتها مع هذا الجزء الحيوي من إفريقيا، والمغرب العربي يخاطر بتحويل النظر والتحالفات نحو آفاق أخرى.

وإذا كانت هذه الحالة من التوترات تشترك فيها البلدان المغاربية، فإن هناك عوامل أخرى تضعها على مستويات مختلفة. مع الجزائر، إذ أن الجبهة الوطنية، التي يتشكل حمضها النووي السياسي من مكونات سياسية “جزائرية فرنسية” للغاية، لا تعد بعلاقة سلسة، يقول المتحدث، ويشير إلى مراحل التوتر التي تحتفظ بها الذاكرة بين البلدين والاتفاقات المتعلقة بإدارة أزمة الهجرة تكاد تكون جاهزة لتتصدر المشهد في ظل هذه المعطيات الانتخابية.

أما بخصوص المغرب، فإن الخيارات الدبلوماسية للجبهة الوطنية ووعودها بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، على النحو الذي قام به دونالد ترامب، من شأنها أن تثير اهتمام السلطات المغربية.

وقال الطوسة “الأمر السار الوحيد في هذا الوضع السياسي الذي قد يأخذ الفرنسيين وحلفائهم نحو المجهول هو هذا الموقف، الذي تم التأكيد عليه عدة مرات، والذي يفيد أن الجبهة الوطنية في السلطة ستعترف دون تأخر بمغربية الصحراء. الأمر الذي لن يقتصر فقط على إنهاء هذا النزاع الإقليمي المصطنع، بل سيجبر المنطقة بأسرها على النظر في حاضرها ومستقبلها من زاوية أخرى غير الوضع الراهن الذي يشل جميع الديناميات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *