وجهة نظر

تركيا الأبية.. أو حينما تنتصر الشعوب

عبد الحميد القويسمي

المكان..تركيا. أما اللازمان فهو تلك الليلة الفاصلة بين15و16يوليوز 2016. لم تكن الليلة عادية كباقي الليالي، بل كانت استثنائية على الأقل بالنسبة للأتراك.كانت كذلك عصيبة على أحرار العالم كما في تركيا،وعلى الذين باتوا وأيديهم على قلوبهم خوفا على الانتكاسة الديمقراطية واغتيال الحرية… وفي المقابل كانت الليلة ظلماء،شديدة السوادعلى أولئك الذين ليست لهم قلوب يضعون عليها أيديهم، أولئك الذين استعجلوا نجاح الانقلاب. كانوايستعجلون سقوط الديمقراطية التي ترهبهم وتخيفهم، وتقف سدا منيعا، ولا تسعف استعجالهم الوصول إلى مآربهم وأطماعهم المشبوهة.

كانت تلك الليلة جد طويلة على أنصار الديمقراطية الحقيقيين، الذين يعرفون حقا قيمة الحرية، كما يعرفون معنى التحكم وكسر إرادة الشعوب. وربما لم تكن الليلة كذلك على الذين استعجلوا فرحتهم بنجاح الانقلاب، وهم من بني جلدتنا، فلا شيء لديهم يخافون عليه أو يخسرونه؛ لأن أمثالهم يعيشون علىتصيد الفرص والغنائم، ويقتاتون على أشلاء الفرائس… هؤلاء هم الذين صفقوا في البداية، وهم الذين عضوا على أصابعهم في نهاية المطاف.المحاولة الفاشلةفضحت طويتهم، وكشفت سوءاتهم. لذلك تراوحت تغريداتهم وتدويناتهم،كما ارتباكاتهم، بين التهليل تارة والندب تارات أخرى.

أسهب المحللون في ذكر أسباب الفشل؛ والأسباب كثيرة. فشل الانقلاب لأن الديمقراطية ترسخت في أعماق المجتمع، كان من نتائجها نمو اقتصادي ورخاء معيشي، تقلص رتبة تركيا الاقتصادية إلى الرابعة عشر عالميا، ازدياد عدد المؤسسات الجامعية والنهوض بالبحث العلمي، ارتفاع الدخل الفردي وارتفاع الأجور، تخفيض نسبة البطالة، سد عجز الميزانية وإنهاء الدين الخارجي، الرفع من منسوب الصادرات. إنسانيا.. استقبال اللاجئين من كل مكان، دعم غزة، والقائمة طويلة…

ترك الأتراك بكل أطيافهم ما يسمى بالإيديولوجيا، إلا الانقلابيون،على الهامش من أجل الوطن؛ فتحالفت الأغلبية والمعارضة. أزاح الأتراك، بجميع مذاهبهم، الخلافات جانبا من أجل الحفاظ على المؤسسات التي تمثل الشعب. أجل الشعب! ذلك الكائن الأعزل الذي خرج بصدر عار لمواجهة الدبابات، الشعب الذي أٌمطر بوابل من الأعيرة النارية؛ فقط لأنه أراد أن يحمي المؤسساتبكل دلالاتها، وأن يحمي البرلمان برمزيته.. فالحاضنة الشعبية، تبعا لذلك، ضمان لحماية الرموز والأنظمة والمؤسسات. وهذا أكبر درس لمن يريد أن يعتبر ويتعظ.

ما معنى إذن أن تقصف المؤسسات الرمزية والحيوية للدولة؟ وما معنى أن تحابي جريمة إسكات صوت الشعب، واغتيال الرموز، وتخريب المؤسسات؟ سيناريو مستنسخ من تلك الاعتداءات التي تمارسها، عبر التاريخ، ثلة من الدول الامبريالية على الدويلات الضعيفة والمستضعفة. سيناريو لابد أن تستحضر معه نزعة المركزية الغربية القائمة على العنصرية والتفوق العرقي والثقافي والحضاري…

الانقلاب حمال أوجه. اسألوا المغاربة عن الأمر. تعرض المغرب منذ الاستقلال، ولفترات متفاوتة، لعدة محاولات لقلب النظام، تفنن منفذوها في الأساليب والطرق إلا في أسباب النجاح. وتاريخ المغرب المستقل شاهد على هذا الجرم الذي كاد أن يدخل البلد في الغياهب وفي ظلمات المجهول. والانقلاب لا يكون دائما بالدبابة أو الطائرة وبالسلاح عموما… الانقلاب قد يتجلى في الفساد الإداري والسياسي، وقد يتمظهر في التهرب الضريبي وفي تهريب الأموال وتبييضها.. الانقلاب هو التواطؤ ضد الوطن.. هوالتدليس على الشعوب واستغبائهم.. هو التحكم وتزوير إرادة الناخبين.. هو تقمص دور سفير الإمبريالية والترويج لأفكارها المسمومة في منابر إعلامية أُعدت مقاساتها سلفا لهذا الغرض.. هو التطاول على الهوية الوطنية والإرث الروحي والثقافي… كل هذا وذاك بداعي حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل…

لا فرق، إذن، أن تنحو هذا المنحى وأن تصفق لسالكه، بل وتتواطأ مع من هو على شاكلته لاغتيال الوطن، ويسرك منظر الشعوب وهي ترسم ببؤسها، مرغمة، أشكالا هندسية مقززة حول أحزمة الحواضر والمدن، وتطربك أنات المرضى والجرحي؛ وهم ينحتونبآلامهمطوابير مضطربة في المؤسسات الصحية؛ لتسول جرعة أو حقنة أو قرص من الدواء، وتستمتع بمشهد المعطلين؛ وهم يفترشون الأرصفة، أو ينصبون أجسادهم المنهكة في قارعة الطريق؛منهكة لأن البطالة أشد ضررا على صحة الإنسان من سوء التغذية، وتتلذذ بصرخاتهم وصيحاتهم، وكرهم وفرهمللإفلات من سياط القمع والردع.

عجبا من أولئك، فالداني والقاصي يعرفهم. هم الذين يرفعون شعار حقوق الإنسان، والحريات الفردية، والتنمية المستدامة…فلينظروا لتلك المرأة التائهة في أدغال المناطق النائية ترزح تحت وطأة النسيان، وتتدثر لتدفأبألحفة الجليد، وتفترش ما تراكم حولها من الثلوج.وليتأملوا تلك الطفولة التي اغتصبتها المخططات المسلوقة في التربية والتكوين. وليتمعنوا حال قاطني المغرب غير النافع؛ حيث لا ماء ولا كهرباء، لا مواصلاتولا مسالك معبدة، لا علاج ولا تمدرس،لا عقود زواج ولا معنى حقيقي للزواج…

عجبا لتك التي تطل علينا منهم بين الفينة والأخرى؛ حليقة الرأس تلك التي لا ندري في أي خانة نصنفها، هل مع هؤلاء أم مع أولئك. وتلك التي تخضب بالبياض خصلة من شعرها؛ وهيالتي تعبر بهذه السمة على الاستلاب الفكري قبلالتيه الأخلاقي. وتلك المراهقة فكريا التي ترفع شعار “خالف تعرف”، حينما تنعت نفسها بالإلحاد وهي لا تعرف معناه، في بوح صريح لتفكك بنية الأسرة وعراها. وتلك التي ترتدي قميصا داكن اللون، أزراره تلتحم بعراها نحو اليمين، وبجانبها مجسداذكوريا يرتدي تنورة وردية، رافعين لافتة منمقة بألوان قوس قزح، إنهم “يعيشون الحياة”. ليطل علينا آخر، ليت كان ذلك خلسة، ليفتخر بانتهاك حرمة أسرته إذا جاز جدلا أن تحمل هذا المسمى.

فشل الانقلاب إذن، وأدرك الحاقدين الصباح، فسكتوا عن الكلام المستباح… !!!؟؟؟ سَالِينَا.