وجهة نظر

رسالة إلى ناجح في البكالوريا

وأنت ترى اسمك بين الناجحين في البكالوريا.. وأنت تحقق حلمك الكبير.. وأنت تحصد ما زرعته في واحات سهرك ومساحات تعبك، تذكر أنك لا تستحق فقط كلمة مبروك.. تستحق الإشادة والثناء على إصرارك على النجاح في وسط تنخره سلوكيات الكسل.

لكنك ستكتشف بعد مدة قصيرة أنهم حوّلوك دون أن تدري إلى أرنب سباق. جعلوك تلهث وراء النقاط، وهددوك إن لم تحصل على أعلى نقطة أن الفشل سيكون مصيرك.. هددوك أن النور سينطفئ من مستقبلك إن لم تحصل على ميزة حسن أو حسن جدًا.. هددوك أن لعنة الشقاء ستحلّ بك إذا تفوّق عليك ابن الجار وابنة الخالة، وأن العار سيلتصق باسمك في بقية سنوات حياتك لأنك لم تحقق المرتبة الأولى.

ستكتشف أنهم ذبحوا أحلامك على مقاصل أفكارهم ووضعوا مكانها خططهم. يريدونك فقط مهندسًا أو طبيبًا. لن يهتموا بك إذا همست في آذانهم أنك تحلم بالمحاماة أو تدريس الأطفال، وقد يسخرون منك إذا صارحتهم أنك تتمنى امتهان الكتابة أو الرسم. ولأجلهم ستؤدي ضريبة غالية.. ضريبة أن تَدرس بعد البكالوريا في تخصصات ليست لك.. ضريبة أن تفكر مثل طلبة لستَ مثلهم أبدًا.. ضريبة أن تبحث عمّا يمنح الخبز فقط، أما الأحلام فهي رجس من عمل الشيطان.

ستكتشف أن نقطتك الذي أنهكت من خلالها كل ذرة من دماغك لم تُقنع العديد من المعاهد والمدارس الكبرى التي حلمت بالولوج إليها. لن تلقى لاسمك مكانًا بين من يتوّهمون أنهم يتجاوزونك ذكاءً، وإذا وجدته ستكتشفه في آخر قوائم لوائح الانتظار.. تلك اللوائح التي ستتحوّل إلى فصل من فصول حياة يتقمص الانتظار أكبر أدوارها.

ستكتشف أن لجوءك إلى الجامعة بعد تعفف المعاهد والمدارس عن قبولك قد أفقد شهادتك كل معانيها في نظرهم. تحاول إفهامهم أن الجامعة لا تنتج فقط العاطلين، ولا تحتضن فقط من يحلقون حواجب الفتيات أو من يحملون السكاكين بين دفاتر دروسهم. ستقول لهم إن الجامعة تجربة في الحياة لها حقها من فرص النجاح، لكنهم لن يغيّروا نظرتهم لك، فهم يتخيّلونك مشروع عاطل يَنتظر أن يجود عليه “المخزن” بمباراة ما.

ستكتشف أن أصدقاء لك لم ينالوا البكالوريا، ونالوا الكثير من المجد بعدما تخيّلتهم موتى الطموح. ستكتشف أن آخرين حصلوا على البكالوريا بـ”مقبول” فأقبلوا على الحياة بكثير من الهمة والنشاط، بينما أنت، يا من حصروك بين حسن وحسن جدًا، تُكابد حتى تتخرّج بشهادة عليا، لا تصلح لشيء سوى أن تؤنس غرفتك عبر إطار يتوسط أجمل جدرانها.

ستكتشف أن فرنسيتك ليست كفرنسية من درسوا في مدارس امتصت آلاف الدراهم من جيوب أسرهم شهريًا. تخيّلت نفسك فيكتور هيجو وصارعت حتى حفظت عن ظهر قلب قواعد اللغة، فلقيتهم يسخرون منك لدى نطقك بكلماتها، ويحوّلونك إلى أضحوكة كلما هممت بالإجابة عن سؤال الأستاذ. لن يهتموا لصواب أسلوبك ولا لاتساق جملك، فأنت في نظرهم متطفل على لغة نصبوا أنفسهم حراسًا عليها.

ستكتشف أن الدولة تحاول حصر النبهاء في من يحصلون على المراتب الأولى، أما غيرهم فليس عليهم سوى التكدس في الجامعات.. حيث لا تعاود الدولة التفكير بهم إلّا لتكسير عظامهم عندما يحتجون، أو لإدماجهم في تكوين مهني علّهم يتعلمون حرفة تنهي احتجاجاتهم.

ستكتشف أن النقاط العالية إنجاز جميل يمكّنك من مفاتيح كثيرة، لكن هذه المفاتيح لن تفتح بالضرورة أبواب النجاح. ستكتشف أن هذه النقاط ليست شيكًا على بياض يضمن توهج مستقبلك، وأن الفشل لا يرتدي جبة “لا بأس به” أو “مقبول” ولا حتى كلمة “يكرّر”. ستقتنع أن البكالوريا مجرّد جولة صغيرة من معارك الحياة.. تلك المعارك التي تحتاجك أن تكون أنت، وأنت فقط.