وجهة نظر

في الحاجة إلى هيكلة الفعل الإعلامي بإقليم الرشيدية.

تُشير آخر الإحصائيات المَبثوثة على الموقع الرسمي لوزارة الإتصال، إلى وجود أزيد من 140جَريدة جهوية وَرقية بالمغرب، تَصدر أغلبها بشكل أسبوعي، من بينها 14جريدة تَصدر من مدينة مكناس التي غَدت تابعة لجهة فاس مكناس، وجريدة ورقية واحدة تصدر من الرشيدية وهي الوحيدة بِجهة درعَة تافيلالتْ.

وَبلَغ عدد الجرائد الالِكترونية التي صَرحت بِهيئات تَحريرها وببطائقها التقنية لدى المحكمة الابتدائية بالرشيدية، في مجموع نُفوذ هذه المحكَمة، خَمسة جرائد الكترونية.

يَتذكر الجميع أول جريدة صَدرت من الرشِيدية وكان مَجال تغطيتها وتوزيعها وطنيا، وبَعدها تلتْها ثلاث جرائد أخر جِهوية اهتمت بالشأن المحَلي في المرتَبة الأولى، هذِه هي وسائل الإعْلام الوحِيدة التي عَرفها الإقليم إلى حُدود سنة 2007 حيثُ ظهرت المَواقع الالكترونية الإخبارية سَاهمت بشكل مُلفت في التعريف بقضايا الإقليم وفي رفْع الحِجاب عن مجموعة من المِلفات والمشاكل التي تخُص مجال إقليم الرشِيدية.

تَنتشر أزيد من عَشرة مواقع إخبَارية على خَريطة إقلِيم الرشيدية، وتَعتمد بشَكل جلِي في صناعة محتواها على الأخبار الصحفية، والتي بِدورِها تختلف صيغها بيَن موقع وآخر، كَما تحتَل عملية نقل مقَالات من وسَائل إعْلام أخرى حِصة الأسَد في صناعة المُحتوى.

إِن هاته المَواقع الإخبَارية لا تخْتلف عن وَاقع المواقع الإخبارية بالمَغرب، فهِي تعاني من شح المادة الخَبرية من الأصْل ومن ضُعف التسويق لموادها الإعلامية، بمعنى، أن بيئة الإقليم توفر فضاء خصبا للإنتاج الذاتي في أجْناس صحَفية غَير “الخبر”، وهو الأمْر الذي لا تستَغله هذه المَواقع، وكذلك تَنقصُها استراتيجية تَرويجية لموادها المَنشورة.

أيضا، جُل هذه المواقع الإخبارِية بالإقلِيم تعتَمد في تمْويلها علَى “التمويل الذاتي”، مما يُؤثر سلبًا على إنتَاجية المَادة الإعلامية من حَيث الجَودة أو المِهنية، ويَحضر أَيضا عامل الإشهار-غير المُباشر- الذي قَد لا يغطي حتى نفقَات الهاتِف والتَنقل للشخْص الواحِد.

إِن طَبيعة الفِعل الإعلامي بالرشِيدية تَميل بشَكل واضِح إلى العَمل الجَمعوي أو التطَوعي، فكثيرا ما تُصبح المواقع الإخِبارية نَاطقة باسْم جمعيات المُجتمع المدني أو لتنظيمات سياسية حتى غدت علاقة عمل مرضية تستلزم التقويم والتصحِيح، فَما تقوم بها وسائل الإعلام الالكترونية المَعروفة بالرشيدية لا يعدو كونه عملا تطوعيا بدون معنىً لأنه لا يقترب من أهدافِ المُقاولة ولا حَتى من أهداف الإِعلام الدعَائي المَحض.

إن طًغيان الهَاجس النضَالي والسياسي بشَكل رهِيب علَى المنتُوج الإعلامي بالاقليم، أفرغ مفهوم الصحافة الجٍهوية من المَعنى الذي ظَهر من أجلِه في الأصل، وبالتالي فَشلَت هذه المواقع في التقعيد لإعلام محلي وجهوي حر ومستقل ومهني بعيدا عن الانتقائية، والابتِذال والاسْتنسَاخ.

وإقْليم الرشيدية بالخُصوص، الذي أصَبح قلب جهة دَرعة تَافيلالت، يَحتاج أكثر من أي وَقت مضى، ومَدعو بقوة إلى إعَادة لَمِ الشتات الإعلامي الحَاصل، ولإعادة هيكلة قطاع الإعلام جهويا وأقليميا، على الأقل- خدمة لقضايا مُشتركة وتقْعيدا لإعْلام جاد ومًحترف-، وهذا لن يتأتى طبعاً دون تَكاثف الجُهود ودون لَم الطاقات الإعلامِية على صَعيد الجهة بشكل يُنتج خدمة إعْلامية هادِفة.

كَما أن التأطيرات الإعلامِية بالإقليم و التي مَاتت سَريرِيا، لم تستطع -في تقديري- أن تُترجم قَانونها الأسَاسي على أَرض الإقلِيم، علَيها اليَوم التفْكير بِجدية حول إعادة إحْياءِ الإعلام بالإقليم ومِنه بالجهة أَولا، وثانيا إعَادة مد جُسور التعَاون بين مُمارسي الإعِلام الالكتروني من جِهة والمُتتبع أوالمُتلقي من جهة أخرى، ذلك أَنها تبقَ المَرجع الوَحيد الذِي قد يَتحَكم في المشْهد الاعْلامي ويُصحح مَساره، وقَد يُوفر لممارِسي الإعْلام بالإقليم إطارا للتكْوين المُستمر في عُلوم الإعلام والتواصل.

إن العالم يتفق الآن على أن المستقبل للإعلام الالكتروني، من حيث عدد القراء، و وتيرة التحيين وكذا سُهولة تتبع الخبر بتفاصيل ومُعطيات دَقيقة، وهَذا لا يعني إلغاء الصحافة الورقية من الوُجود، ذلك أنه لَيس في الأمر سِوى عَملية إعادة تَموقع طَبيعية وعادِية لوسائل الإعْلام.

ولابد لهذا الإعلام الالكتروني حتى لا يفقد قرائه، اسْتحضار أخلاقِيات العمل وما يفرضه من مهنية مع مستوى طبيعي من الحِياد، وكذلك عليه تسوية وَضعيته القانونية –مؤقتا- حتى يَحمي نفسه مِما قد يعرقل عَمله في الميدان سَواء من السلطات المَحلية أو من التنظيمات نَفسها-كما حدث مؤخرا معَ إحدى الجمعيات الحُقوقية- وأيضا حتى يحضر بيئة إعلامية جهوية صِحية تَحمي المَيدان من الدُخلاء.

ولابد كذلك للتنظيمات الجمعوية والسياسية والحقوقية، مِن مأسسة عَلاقتها مَع الإعلام بوضع استراتيجية خاصة وواضحة للتوَاصل الخَارجي، تُعودها علَى التعامُل برسمية مع المَنابر الإعلامية دُون أن تتَحول العَلاقة لطبيعة أخرى غير تِلك التي يَفرضُها العمَل المِهني.