وجهة نظر

مناهـج التعليم عند علال الفاسي في “النقد الذاتي”

الأستاذ علال الفاسي في قضية مناهج التعليم عبر عن مسألة أساسية، هي توحيد هذه المناهج، يقول ” فأول ما يجب أن يعنى به من أمر المناهج هو توحيدها؛ أي جعل التعليم واحدا لكل الأفراد، لا فرق بين عنصر وآخر وبين طبقة وأخرى، ولا بين مذكر ومؤنث”. وقد لعبت السياسة الاستعمارية دورا أساسيا في الإساءة إلى مناهج التعليم، حيث همشت مجد  البلد وعظمته في التاريخ وفي الجغرافيا لترسم الحدود المغربية على حقيقتها.

إن التعليم يعد أحد المحاور الرئيسية في تكوين الإنسان، فهو الذي يعمل على صياغة العقول والنفوس ويوزع القيم والأفكار والمبادئ التي تتكون منها شخصية الإنسان في المستقبل.

يقول علال الفاسي في هذا الصدد، “العلم في الصغر كالنقش على الحجر، من هنا يدرك كل غاز أو مستعمر يسعى إلى تغيير عقول الأشخاص، إلى أنه لن يتمكن من هذا الأمر بقوة السلاح وإنما بتعديل مناهج التدريس في البلد الذي استعمره. يقول أحد المبشرين القساوسة (صموئيل زويمر) “إنكم أعددتم شبابا في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها” وهذا يدل على نجاح المستعمر في تفكيره الجيد في دور التعليم وفي المناهج المتبعة.

وبذلك صار هدف المدرسة ومناهجها حسب علال الفاسي لا يتعدى العمل على تكوين موظفين معاونين يملؤون الدواوين المغربية، أو أعمال فلاحين يشتغلون عند المستعمرين في ضيعاتهم العصرية.

فالتنوع في المناهج في ذلك الوقت من خلال السياسة التعليمية الفرنسية، هو الذي يفسد البرامج التعليمية. كما رمت السياسة الاستعمارية إلى تخصيص مدارس خاصة لأبناء الأعيان وأخرى تهيأ لأولاد الفقراء، وكأن للمعرفة لونين مختلفين بحسب الطبقة التي ينشأ فيها التلميذ ولعله الأمر الذي كان يسعى إليه الوزير السابق محمد الوفا إلى إزالته و جعل المغاربة كلا لا يتجزأ وذلك من خلال محاولته إلغاء مدارس التميز وبرمجة نفس الامتحانات الإشهادية بين التعليم الخصوصي و العمومي، وهو الأمر الذي كشف زيف بعض المؤسسات الخاصة يقول الأستاذ علال الفاسي ” فأول ما يجب أن يعنى به من أمر المناهج هو توحيدها، أي جعل التعليم واحدا لكل الأفراد”

ويضيف علال الفاسي أن قضية التوحيد يجب ألا تفهم خطأ “وإذا قلنا التوحيد في المناهج فلا يفهم من كلامنا أننا نريد التوحيد في كل مواد الدراسة، وإنما نعني الوحدة في هدف التعليم، وفي الحق الذي يخول لكل أحد أن يسأله، ثم في أصول التربية والتعليم الضرورية للمعرفة العامة.؟

إن المستعمر يطمح كثيرا لوضع مناهج التدريس بيده، ففي مصر مثلا، وضع السيد دنلوب مناهج التعليم التي ترضي المستعمر الإنجليزي من جهة، وتؤدي إلى خلق شعارات جديدة يلتف حولها الشعب المصري من جهة أخرى.

ورفض العالم الإسلامي للمناهج الغربية لا ينفي كون هذه المناهج لا تحتاج إلى تعديل وإنما الاعتراض هو على سعي تلك الدول إلى تفريغ المناهج الجديدة من كل ما يرتبط بالتاريخ والحضارة والنظرة الإسلامية العامة للكون والوجود وإبدالها بالنظرة الغربية المختلفة عنها في الجوهر والهدف. ويمكن تلخيص هذا الاختلاف في نقاط ثلاث ذكرها الكاتب أنور الجنيدي:

1 ـ من ناحية النظرة إلى خالق الكون.

2 ـ من ناحية النظرة إلى الإنسان وهدفه في الحياة.

3 ـ من ناحية النظرة إلى الأخلاق والمسؤولية الفردية.

وهذه النقاط الثلاث متداخلة ومتماسكة بشكل كلي، والمسلم إذا تخلى عن واحدة من هذه النقاط عاش خللا عقائديا وسلوكيا كبيرا، لذلك نجد المفكر الغربي يدرك تماما، أنه لن يتمكن من تغيير نظرة المسلم إلى خالق الكون وإلى الهدف من وجوده على هذه الحياة الدنيا إذا كان يتمتع بالأخلاق والقيم الإسلامية، لذا نجد أول ما يدعو إليه هو إفساد أخلاق المسلم.

وبالنسبة للمنهج فهناك نظرات متنوعة، من بينها:

ـ هناك من يركز على المادة الدراسية وضرورة إحاطة الطالب بها وإتقانها وهؤلاء يتبنون النظرة التقليدية للمنهج.

ـ هناك من يركز على المتعلم وبناء شخصيته بجميع جوانبها الجسمية والنفسية والعقلية والوجدانية.

ـ هناك من يركز على كيفية الوصول إلى المعرفة وتمكين الطالب من اكتشافها بنفسه.

ـ هناك من يركز على النتائج التعليمية النهائية المطلوب تحققها عند الطالب.

ونرى أن المنهج الدراسي يجب أن يراعي هذه الجوانب كلها، وذلك لإعطاء نتيجة حسنة على جميع المستويات.

ويمكن اعتبار المنهج بمثابة روح العملية التربوية، وقلب المؤسسة التعليمية، ومركز المادة الدراسية. فهو ليس محصورا في المواد الدراسية التي تدرس تقليديا؛ بل هو كل الخبرات التي يكتسبها الطالب من خلال الأنشطة المتنوعة التي يمارسها في المدرسة، وقد وصف كاننجهام المنهج بأنه “الأداة الموجودة بين يدي الفنان (المسلم) لتشكيل مادته (الطلاب)، وفق مثله (غاياته وأهدافه) في دراساته المدرسة”[1].

وجدير بالذكر أن التربية العربية تعرف مظاهر متعددة من السلطوية، من قبيل:

– تبعية مجموعة من المناهج الفرنسية.
– المناهج العربية تركز على المعرفة بدل الطالب.
– سيادة المفهوم القديم للمنهج الذي يجعل الطالب يركز على الكتاب المقرر.

ولعل هذا ما جعل المنهج المغربي يحاول جاهدا تجاوز هذا المنهج التقليدي، ولكن المنهج ينشأ في ظروف وبيئة ملائمة له، وللتخلص من هذه السلطوية في المناهج العربية وجب بذل جهود حثيثة تركز على إعادة بناء تلك المناهج من حيث الأهداف والمحتوى وطرق التدريس والتقويم، لجعلها تتمحور كلها حول المتعلم وحاجاته وميوله وأغراضه.

 فالمنهج يجب أن يكون وسيلة لخدمة الفرد والمجتمع، لا غاية يطوع في سبيلها الطلاب، كما يجب أن يشترك الطلاب والمعلمون وغيرهم من الأطراف التعليمية والتربوية في عملية صنع القرارات التي تتعلق بالمناهج الدراسية، وأن تكون تلك المناهج نبتة أصلية تنبت وتنمو وتؤتي أكلها في بيئتها العربية الإسلامية، بدلا من أن تكون نبتة غريبة تجتث من تربة الغرب وتزرع قسرا في الأرض العربية، ولا بد أيضا من نبذ المفهوم القديم للمنهـج الذي يعتبر المنهـج مجرد مقرر دراسي يتمثل في كتب دراسية مقررة عن طريق تنويع مصادر ووسائل المعرفة والتعلم.

وبناء عليه، فالمنهج أس قوي في العملية التربوية، كما  تحدث علال الفاسي عن الدور الفعال الذي تقوم به بعض المدارس الحرة في التنمية، فهي تملك من الروح القوميـة والإخـلاص في التربية ما لا تملكه المدارس الحكومية وحسبـها أنها تعني باللغة العربيـة عناية لا توجد في غيرها”.فما حالها الآن؟

وهكذا يجب على المنهج أن يعطي أهمية لنشر الثقافة العامة، من أجل تعميم المعرفة وإيصال نورها لكل العقول وسائر البيوت.