وجهة نظر

السجل الأسود لـ “فيوليا” وفعالية المحاسبة القضائية في مدن العالم

اعتمد المغرب فعليا سياسة التدبير المفوض منذ سنة 1997م القانون رقم 54/05، الصادر في 14 فبراير 2006. ويعتبر التدبير المفوض من الطرق الحديثة في إدارة و تدبير المرافق العمومية، بشكل عقلاني وفعال.

ومن بين قطاعات التدبير المفوض الأكثر حساسية، والتي تمس جيب المواطن بشكل مباشر، والتي بادر المغرب إلى تفويضها إلى مجموعة من الشركات العالمية قطاعي الماء والكهرباء. ويفترض في المفوض (الدولة) -باعتبار مسؤوليته السياسية والاجتماعية- تغليب منطق المردودية والتنافسية في التعاقد مع شركات التدبير المفوض، وحماية جيب المواطن من مختلف حيل النهب التي تقوم بها هذه الشركات.

ومن هذه الناحية، إذا وقفنا وقفة تقويمية مع خدمات شركات التدبير المفوض لعدد من المرافق الحيوية في المغرب طيلة 19 سنة الأخيرة، سنعثر بسهولة على جملة من الخروقات التي تهدد الأمن المعيشي للمواطنين، وتخل بشروط دفتر التحملات، وفي مقدمة هذه الشركات شركة أمانديس التابعة لفيوليا الفرنسية.

تعتبر شركة فيوليا -فيفاندي سابقا- واحدة من الشركات التي فُوض لها تدبير قطاع الماء والكهرباء في المغرب. وبالرجوع إلى سجل شركة فيوليا والمدن التي قامت بتسييرها على مستوى العالم سوف تجدون سجلا مليئا بالفضائح والفساد المالي، ومن بين الفضائح الثقيلة التي تشهد على فساد شركة فيوليا، فضيحة التصنيف الائتماني الذي بموجبه تمت محاكمة Jean Marie Messie، المدير التنفيذي السابق لشركة فيوليا، وتغريمه مليون دولار بسبب قضايا احتيال مالي سنة 1997م،  ثم وضع المديرين تحت طائلة التحقيق القضائي بسبب قضايا فساد، مما أرغم شركة فيفاندي على بيع شركتها الفرعية (Vivendi Environment)، وأعادت تسميتها بفيوليا سنة 2002م.

فضائح الفساد المالي المتتالية لشركة فيوليا، وفواتير الاستهلاك المرتفعة، وخرق دفاتر التحملات، وتقديم خدمات متواضعة دون المستوى المطلوب،  جعلت زبائن هذه الشركة على مستوى العالم متدميرين من فيوليا، وسنعرض فيما يلي بعض نماذج الخروقات التي وقعت فيها فيوليا في بعض دول العالم، ففي مدينة “إنديانا بوليس” بالولايات المتحدة الأمريكية ثم جر هذه الشركة إلى القضاء بسبب انتهاك قانون العقود الحكومية، وتزوير التقارير، والتلاعب بحقوق 250.000 من عمالها، وكانت إنديانا بوليس في هذه الفترة ثاني مدينة في الولايات .م.أ.، تتوفر على مياه للشرب سيئة الجودة.

وفي تكساس، قرر القضاء إنهاء خدمات فيوليا بسبب خرق دفتر التحملات الناتج عن التوقف عن نشر التقارير، وغلاء الفواتير.

وسنة 2009 قررت مدينة باريس إلغاء عقد 25 عاما الذي يربطها بفيوليا، بسبب عدم احترام هذه الأخيرة لدفتر التحملات، وسارت ألمانيا وبلجيكا ورومانيا على منوال فرنسا، وقرروا عدم تجديد عقود التدبير مع فيوليا، ووضع قطاع الماء والكهرباء تحت الرقابة الحكومية.

إن تدبير فيوليا لقطاع الماء والكهرباء في المغرب لا يختلف عن باقي دول العالم، التي دخلت في صراع قانوني مع هذه الشركة، والاحتجاجات التي خرجت بشوارع طنجة تؤكد خروقات فيوليا وتهديدها للأمن الاجتماعي والسياسي للمغرب، هذه الخروقات التي جعلت رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران ووزير الداخلية محمد حصاد ينزلان إلى طنجة لتتبع تنزيل حلول أزمة غلاء الفواتير. وإذا كان الشارع الطنجي انقسم حيال هذه الأزمة ما بين مؤيد ومعارض لهذه القرارات، وهو ما يفتح باب الاحتجاجات على كافة الاحتمالات، ومحاولة البعض تحريف مسار الاحتجاجات وتسييسها. وحتى لا تنزلق الأمور نحو مستنقع الأدلجة والفوضى يتوجب على الدولة ومؤسساتها مراقبة عمل شركة فيوليا في المغرب وإلزامها بتنفيذ دفتر التحملات، ومعاقبتها في حالة الإخلال بالالتزاماته، والأهم من هذا كله الأخذ بعين الاعتبار السجل السيء لهذه الشركة في عدد من مدن العالم الكبرى.

إن المنطقة العربية تمر بمرحلة جد حساسة ومفصلية في تاريخها، والمغرب كجزء من هذه المنطقة مهدد بين الفينة والأخرى بعدم الاستقرار، والانزلاق إلى مستنقع اللاأمن والفرقة السياسية والأيديولوجية ذات الطابع العنيف. وأمام هذا الواقع الجديد وارتفاع منسوب الوعي لدى مختلف المكونات والفئات الاجتماعية يتوجب على الدولة والمجالس المنتخبة وضع حد لخروقات شركة فيوليا وإلزامها باحترام دفتر التحملات، وأي تساهل مع مثل هكذا شركات قد يجر البلد إلى دوامة العنف وعدم الاستقرار والدخول في مستنقع الفشل السياسي وتبعاته.