وجهة نظر

مشاكل الدخول المدرسي وحلول “رجل الإطفاء”

 لعل أسرع استنتاج يمكن أن نتقدم به من خلال ما شاهدناه وتتبعناه خلال هذا الموسم الدراسي (2015- 2016)، هو أن المدرسة المغربية اليوم أصبحت محاطة بأخطار أكثر تعقيدا مما كانت عليه سابقا –وهذا بإقرار الوزير الوصي على قطاع التربية والتكوين وكذا من خلال مواقف نقابات التعليم بمختلف انتماءاتها السياسية ومرجعياتها الفكرية- فقلة الأطر التربوية والإدارية، وتأخر تسليم المؤسسات التربوية –المشيدة حديثا-، والتعثر الواضح في افتتاح الأقسام الداخلية… كانت أسبابا حقيقية لتجعل الوزارة الوصية بطاقاتها البشرية ومؤهلاتها المادية وبأكادمياتها ونياباتها لتوجه الجهود من أجل حل كل هذه المشاكل.

لكن وللأسف الشديد، فعمل الوزارة المعنية هو أشبه بعمل رجل الإطفاء.. والذي تتلخص مهمته في إخماد الحرائق الخطيرة التي تهدد السكان وممتلكاتهم، وإنقاذ الناس من حوادث   السيارات، وانهيارات المباني واحتراقها وغيرها من الحالات. فليس من مهمة رجل الإطفاء الوقوف على أسباب الحرائق والحوادث ومعالجتها لتجنب حرائق وحوادث أخرى مشابهة، بل مهمته تتوقف على معالجة الأعراض والنتائج. كذلك هو حال وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني اليوم. إذ لم تعد تهتم بتوفير أطر إدارية وتربوية جديدة تساعد في هذا الدخول الدراسي المرتبك ولتجاوز الخصاص –فمشكل قلة الأطر الإدارية والتربوية هو مشكل تتحمل مسؤوليته الوزارة نفسها، لأنها هي الطرف الوحيد المحيط بمعطيات الفائض والخصاص في عدد الأطر، لذلك كان لزاما عليها أن تهيئ العدد الكافي من المناصب الجديدة في مشروع المالية للسنة الماضية– ولم تعد مهتمة كذلك بالتسريع بعملية التسلم النهائي لمؤسسات طال فيها البناء والتجهيز لمدد زمنية غير معقولة- تاركة التلاميذ والتلميذات ومعهم أهاليهم يعانون في ولوج مؤسسات أخرى أكثر بعدا وأكثر اكتظاظا.. في انتظار العودة إلىمؤسساتهم الأصلية الذي أصيح بمثابة حلم صعب التحقيق- هذا فضلا عن المشاكل القديمة الجديدة التي تهب مع حلول كل موسم دراسي جديد !!

وما زاد الوضع سوءا هو الاعتماد الواضح والصريح للوزارة الوصية على هذه المقاربة “مقاربة عمل رجل الإطفاء” في تعاملها مع المشكل الأكبر وهو: قلة الأطر والموارد البشرية، إذ سعت إلى إعادة توزيع التلاميذ على عدد أقل من الأقسام، لتتجنب مشكل قلة الأطر، فأصبح قسم الأمس الذي يضم 30 أو 40 تلميذا، يضم اليوم 50 أو 60 تلميذا. وليس هذا الإجراء الوحيد الذي استعان به مسؤولونا لمواجهة المشكل، بل تم خصم ساعات بعض المواد الدراسية (تقليص ساعات اللغة الفرنسية من أربع ساعات أسبوعيا إلى ثلاث ساعات، وكذلك تقليص ساعات الاجتماعيات من ثلاث ساعات أسبوعيا إلى ساعتين)، وإجراءات أخرى أكثر غرابة (من قبيل تكليف أساتذة لتخصص معين بتدريس مواد لتخصصات مختلفة)…
قد تكون الوزارة المعنية استطاعت أن تمسك عنها غضب الآلاف من آباء وأمهات التلاميذ والتلميذات، وأن تخمد نيران مشاكل أغلب المؤسسات التعليمية ببلادنا، ولكنها تناست أن مثل هذه الإجراءات تتناقض و الإصلاح الذي تعتزم الوزارة نفسها الانطلاق فيه، والمتمثل في الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية (2015-2030)
، تعاكس كذلك مقرر وزير التربية الوطنية والتكوين المهني بشأن تنظيم السنة الدراسية الحالية (مقرر رقم 00 30 15)، ولكل ما أصبحنا نعقده من آمال في إصلاح التعليم، ومؤكدة في نفس الوقت أن الحلول التي تقدمها لنا اليوم هي أشبه بحلول رجل الإطفاء .

ــــــ

أستاذ مادة الاجتماعيات