مجتمع

هيئة دفاع قاضي محكمة النقض المعتقل: قرار التوقيف غامض ومتعسف

اعتبرت هيئة دفاع القاضي المستشار بمحكمة النقض ماء العينين، أن قرار اعتقال موكلهم منذ 8 مارس الجاري، هو قرار يكتنفه الغموض ويخرق القانون وهو إجراء تعسفي غايته إهانته والشماتة به، مشيرة أن المستشار لم يصدر عنه أي تصريح سواء بشكل مكتوب أو شفهي يثبت أنه فعلا طلب رشوة في الملف الذي يتابع من أجله.

وأوضحت الهيئة في ندوة صحفية عقدتها بمقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالرباط، أن قرار الاعتقال الاحتياطي في حق موكلهم هو اعتقال غير طبيعي ووراءه أشياء سيتم الكشف عنها في وقتها، مشيرة أن القرار جانب الصواب، أولا لأن الموقوف مريض وثانيا لأن المتهم يمتلك كل الضمانات التي لا تستوجب وضعه بالسجن، وأن القاضي المكلف بالتحقيق اقتنع أن بقاءه في الحرية لا تأثير له لا على مسار التحقيق ولا على بدايته أو نهايته.

وأبرزت الهيئة أن تغيير اتجاه التحقيق وهو في بدايته دون مبرر واضح مسطري ومنطقي واتخاذ الأمر باعتقال موكلهم يطرح العديد من التساؤلات حول الهدف من اعتقال إنسان كله ضمانات مثلها مثل تلك المتوفرة لدى القضاة التي تسمح لهم حتى عند الضرورة المسطرية الإبقاء عليهم في حرية وفي سراح، احتراما لطبيعة وظيفتهم وليس امتيازا لهم، مشيرا أن المتهم “يقضي عقابا مسبقا قبل المحاكمة مغلفا بسِترة الاعتقال الاحتياطي، والذي يَمنع القانون استعمالَه ضد كل مواطن يتوفر على ضمانات شخصية ولا يمكن أن ينتزعها الشك من كل إنسان”.

واعتبرت أن التحول نحو موقف اعتقاله وهو حاضر بكل مسؤولية وطواعية بجلسة الاستنطاق الابتدائي أي دون أن يجبره أحد على الحضور بالقوة، وقبل أي استنطاق له حول موضوع المتابعة وما نسب إليه، ولا سابق بحث تمهيدي أجري معه من قبل الضابطة القضائية، هو أمر “يجعلنا نقتنع بأن اعتقال ماء العينين وراءه أسباب أخرى واعتقاله تقرر لغايات لا علاقة لها بضرورة البحث، وكلها ممكنات لو تأكدت لكانت صفعة حقيقية لقرينة البراءة ولكانت استخفافا بالأمن القانوني الذي يحاسب القضاء التخلي عند التفريط فيه أو عدم التقيد به”، تقول الهيئة.

وأضافت الهيئة المكونة من النقيب عبد الرحيم الجامعي والمحامي خالد السفياني، أن موكلهم يوجد “اليوم رهينة داخل السجن في محيط من التداعيات التي لا علاقة لها بعدالة الإجراءات، واُرِيدَ لَه أن يُعاقب قبل أي بحث أو محاكمة، وهذا هو ما يعني في الفقه الدستوري والشرعية الدولية لحقوق الإنسان بالاعتقال القسري والتحكمي لأن الدستور يمنع الاعتقال إلا وفقا لما يقرره القانون، ويعلم الجميع أن القانون لا يسمح باعتقال أي إنسان إلا استثنائيا أي إن لم تتوفر فيه الضمانات أو كان إنسانا خطيرا يهدد السلم العمومي ومصالح الآخرين”.

وأشارت أن أسباب اعتقال موكلهم على ذمة الاحتياط منتفية ولا يمكن أن يقول أحد بتوفرها قانونيا إلا غافل أو متحامل عليه، مضيفة أن “الموقوف يعيش اليوم أسوأ المضاعفات المترتبة عن اعتقاله جسديا ونفسيا، فحالته الصحية الثابتة بعدد من الشواهد من أطبائه والتي قدمت للمحكمة ولقاضي التحقيق، تتدهور بفعل عدم تتبعه من قبل أطبائه المتخصصين الذين هم الوحيدون على اطلاع حقيقي بحدة أمراضه وبأسلوب العلاج والتتبع ودقة الأدوية العديدة التي يتناولها تحت الإشراف المستمر واليومي لهم والتي تتغير نسبة وقدرا وطريقة اختيارها وتركيباتها في كل فحص يخضع له، وهذا أمر لا يتوفر ولا يمكن أن يتوفر له وهو في حالة اعتقال”.

وأبرزت أن “حتى طبيب السجن وأمام إكراهات يعلمها الجميع، ما هو إلا مُتدخل عابر في الحالات التي تستلزم معرفة حالة مرضية أو تفرض علاجا مؤقتا مُخففا للآلام ومسكنا مؤقتا لها”، معتبرة أن “موكلنا لا يمكن اعتقاله طبقا للفهم الصحيح للاعتقال الاحتياطي وللتأويل الفقهي لمسطرته، إذ أن الاعتقال الاحتياطي هو تقريب المشتبه فيه من العدالة إن لم تكن له ضمانات والحيلولة دون فراره، في حين أن ماء العينين له كل الضمانات التي تتوفر في قضاة محكمة النقض وأن اعتقاله يعني أن قضاة محكمة النقض كلهم لا ثقة فيهم ويمكن اعتقالهم لأنهم لا تتوفر في أي واحد منهم أية ضمانة”.

وشدد المصدر ذاته، على أن اعتقال ماء العينين “فيه تهديد مباشر لصحته ولحياته، فهو يشكو من سرطان مشهود به من أطبائه الذين يعالجونه وهم يؤكدون أن كل ضغط أو إكراه هو تصرف يتنافى مع طبيعة المرض ومن مضاعفاته، علما بأن به أمراض لا تقل مخاطرها عن مرض السرطان، فمنها مرض السكري والبروستات وضغط الدم وأمراض أخرى وما ينتج عنهما من آثار لا تخفي مخاطرها، ويزيد الوضع قلقا وتهديدا لصحته ما ترتب عن اعتقاله من ضعف لقوته الجسدية ولمعنوياته وصلابته النفسية نظرا لقسوة قرار الإعتقال في عزلة بعيدا عن رعاية أسرته وأهله وأطبائه”.

وأشارت الهيئة أن مظاهر المضاعفات البدنية والنفسية بدأت تفرض على الموقوف إحباطا أدى به اتخاذ قرار الامتناع عن تناول الأدوية والتفكير في إضراب عن الطعام، مبرزة أنهم كدفاع “عَملنا بكل قوة على إقناعه للتراجع عن هذا القرار، وهو ما استجاب له مؤقتا تقديرا لنا، ونحن نتخوف من المستقبل وسنحاول أن نجنبه العودة للتفكير في مثل هذا القرار استقبالا لأننا نعلم أن أية مبادرة من هذا القبيل لن تمر دون انعكاسات سلبية على صحته وعلى سلامته وعلى حقه في الحياة”.

وحذرت الهيئة من “عواقب المسطرة التي يوجد عليها موكلنا، ونحذر مما تتعرض له وضعية موكلنا الصحية ونحمل القضاء مسؤولية الحالة المستعصية لماء العينين الناتجة عن تدبير غير سليم وبعيد عن الحق والإنصاف والمشروعية”، مؤكدة أن المتهم “لا علاقة له بما ينسب إليه، ونعتبر أن استمرار اعتقال ماء العينين في ظل عدم وجود مبررات الاعتقال الاحتياطي هو قرار موجه لكل قضاة المغرب تدعوهم للمضي في سياسة توسيع الاعتقال والزج بالناس بالسجون، واستعمال الاعتقال عوضا عن بدائله المتوفرة بكثرة في القانون”.