وجهة نظر

الحراك الريفي ومأزق الأحزاب السياسية

بعد أكثر من 6 أشهر عن بداية ما أصبح يعرف بــ”الحراك الريفي” تجلت مجموعة من الأمور وتعرت للعيان وصار السؤال يطرح بقوة عن ما جدواها في المشهد السياسي الوطني؟. وأبرز هذه الأسئلة، تتمحور حول دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني؟ دور النخبة السياسية بصفة عامة و المسؤولين الإداريين؟.

بالعودة للفقرة الأولى من الفصل 7 من دستور المملكة والتي تنص على “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية.”

فانطلاقا من هذا الفصل تضطلع الأحزاب السياسية بالمغرب بدور كبير في بناء المواطن وتكوين رأيه فهي تعمل على التأطير والتكوين السياسي، تعزيز الانخراط في الحياة الوطنية وتدبير الشأن العام بالإضافة إلى المساهمة في التعبير عن إرادته والمشاركة في السلطة. إلا أن الملاحظ ومن خلال مايقع في الريف ومناطق أخرى غياب تام لهذه المهام وعدم انعكاس لتلكم الأدوار المخولة دستوريا على مواطن تلك المناطق إن لم يكن على جميع مواطني المملكة، فمن خلال الأحداث الحاصلة في الريف نرى تجاهل مريب، فلا مبادرات ولا تفاعل ولا أي شيء، صمت مطبق تتخلله تصريحات محتشمة أوما شابه هنا وهناك، وهو الأمر الذي يدفع للتساؤل عن دور هذه الأحزاب وأهميتها؟ هل أصبحت صالحة فقط للمشاركة الانتخابية لإضفاء الشرعية على بعض المؤسسات في ظل غياب تام لأي ترجمة لاهتمامات المواطنين وهمومهم؟ وما يقال عن الأحزاب يمكن قوله كذلك عن جمعيات المجتمع المدني التي على كثرتها نكاد لا نسمع لها همسا ولا ركزا.

إن هذه الوضعية خلقت أزمة في النظام السياسي المغربي، تتجلى في غياب الوسيط الذي يلعب دور حلقة الوصل بين النظام والشعب بين المركز والقاعدة، وان كان ذلك بسبب سياسة انتهجها بعض القائمين على تدبير الأمور كانت تهدف إلى إضعاف الأحزاب وتدجينها بشكل يضمن التحكم التام في دقائق الأمور، غير أن ذلك وإن كان قد نجح إلى حد ما فإنه خلق وضعا قد يؤدي بالأمور إلى منعرجات خطيرة، فغياب الوسيط يعني التعامل المباشر مع الشعب وعوض أن تمر المطالب عبر القنوات المتعارف عليها في الدول الديمقراطية أصبحت تلقى مباشرة وأي إخفاق في التعامل معها أو سوء فهم، يؤدي إلى انعدام الثقة في المؤسسات وفي المسؤول المتحاور معه، فتحدث أزمة آنذاك ويرتفع سقف المطالب، وهو ما حدث بالريف فبعد مدة من التجاهل اضطر المسؤولون للنزول إلى الشارع للتحاور مع المحتجين غير أن غياب ما سبق وأن قلنا وهو الوسيط جعل الحوار أو بالأحرى الخروج بنتيجة ايجابية من وراءه تكاد تكون مستحيلة نظرا لغياب ثقة المحتجين في المؤسسات والمسؤولين اللذين يرونهم مسؤولين عن ماهم فيه بالإضافة إلى افتقاد المسؤول للأسلوب السياسي ومنطقه، ناهيك عن لغة حوار المسؤول غالبا ما تكون غير مقبولة لدى المحتجين الغاضبين خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الرجل الريفي المعروف عنه صرامته وجديته، فعندما يفقدون الثقة في أحد تصعب إعادتها بسهولة.

إن الحالة التي أصبحت عليها الأحزاب السياسية وكذلك النخبة السياسية تدعو للأسف فلم تعد قادرة على الاضطلاع بأي دور منوط بها إلا بمساعدة من يتحكم فيها كما أنها أثبتت عدم حضورها وغياب امتداد لها في الشارع ولدى المواطن.

إن موجة الإحتجاجات الحاصلة في الريف ومناطق أخرى والتي على مايبدو قد تتسع شيئا فشيئا وربما قد تتجاوز ما كان عليه الحال في 20 فبراير نظرا لاعتبارات عدة، تقتضي التحلي بالحكمة والتخلي عن مجموعة من الأساليب التي عفى عنها الزمان، فمواطن اليوم ليس هو مواطن الثمانينات والتسعينات، كما أن الدولة هي من تمتلك سلطة تحقيق المطالب وكذلك سلطة القوة فالحل والعقد بيدها ويفترض فيها أن تتحلى بالحلم والحكمة أكثر من غيرها حتى لا ينجر المغرب العزيز إلى متاهات هو في غنى عنها.

أما الأحزاب والنخبة السياسية بصفة عامة فعوض أن يكون لها دور في حل تلك المشاكل وبلورتها في قالب يرضي جميع الأطراف وينقذ البلاد من الأزمات فقد أصبحت هي جزء من المشكل وتضاف إلى قائمة المغضوب عليهم من طرف المواطن فكيف لمن لا يجرؤ على النزول إلى المواطن في الشارع عند غضبه ومطالبته بحقوقه أن يدعي بعد ذلك أنه يمثله ويصوت في البرلمان باسمه، إن هذه الأوضاع تقتضي إعادة النظر وبجرأة في طريقة التعامل مع المواطن والإنصات إليه بإمعان، كما يجب إعادة إنتاج نخبة تكون قريبة منه وتعبر عنه بشكل حقيقي وصادق.