وجهة نظر

حراك الريف: الحقل الرسمي يتآكل والحقل المضاد يتهيكل

لقد تشكل الحقل الرسمي في أبعاده السياسية والنقابية والاجتماعية غداة الاستقلال في إطار التبعية للغرب الإمبريالي، وفي إطار الصراع الداخلي على السلطة بين المخزن وفي قلبه القصر باعتباره الاسمنت الذي يلحم كتلة الطبقات السائدة من ملاكي الأراضي الكبار والبورجوازية الكمبرادورية وبين الحركة الوطنية ممثلة للطبقة الوسطى والطبقات الشعبية. هذا الصراع لم يعمر طويلا إذ حسمته المؤسسة الملكية لصالحها سنة 1962 بإعفاء حكومة عبد الله ابراهيم وتولي الملك رئاسة الحكومة بنفسه ثم إعلان حالة الاستثناء سنة 1965 واستفراده بالسلطة والحكم، ومنذ ذلك الحين كل ما جادت به قريحة المخزن هو “مسلسل ديمقراطي لتمتين الجبهة الداخلية” دفاعا عن الوحدة الترابية إلى حكومة “التناوب التوافقي، ثم دستور 2011 غداة حركة 20 فبراير، لم تكن إلا محطات لامتصاص الضغط الشعبي ومناورات للالتفاف على الحركة الجماهيرية الضاغطة باستمرار والمعبرة على احتداد الصراع الطبقي.

في هذا الإطار تهيكل الحقل الرسمي على مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وظل القصر هو قطب هذا الحقل والمتحكم فيه والمحدد لتوجهاته، كل هذا لم يكن دون صراع فالصراع الطبقي يخترق كل المجالات، لكن حركة 20 فبراير كانت المحطة الحاسمة في الحقل المضاد بشكل كبير وبداية مزاحمته للحقل الرسمي، وكانت حركة 20 فبراير في الحقيقة لحظة فرز بين الشعب اعداء الشعب، ولحظة تشكل الحقل المضاد وبروزه في جميع المجالات والميادين، وجاءت انتخابات 7 أكتوبر وما عفته من عزوف جماهيري لتعري هشاشة الحقل الرسمي وتبرز قوة الحقل المضاد، فنسبة العزوف والمقاطعة وصلت إلى 80 في المائة. لكن الحراك الجماهيري في الريف بقوة تنظيمه الشعبي وقوة انغراسه وسط جماهير الريف وقوة إعلامه المضاد، وقوة تنظيمه وإبداعه يؤشران على بداية تهيكل الحقل المضاد، وصورة عن الإرادة الشعبية وعن بروز بذور سلطة الشعب، فكيف ولماذا بدأ الحقل المضاد يتهيكل وما هي آفاقه؟ 1 الحقل الرسمي يتآكل لقد أظهرت انتخابات 7 أكتوبر 2016 هشاشة الحقل الرسمي وعدم قدرته على التأطير، فلم يشارك في الانتخابات بأصوات صحيحة إلا 20 في المائة ممن لهم الحق في التصويت، ولم يستطع النظام التحكم في الانتخابات رغم تحكمه في قوانينها وفي التقطيع الانتخابي والدعم الذي قدمه الشيوخ والمقدمين لتبويء حزب الدولة المرتبة الأولى، مما جعله يلجأ إلى الخطة البديلة رغم كلفتها السياسية بإزاحة بن كيران وتعيين أحد المقربين منه مخاطبا له في حكومة لا يتحكم فيها رءيسها و لا تحكم وإنما فقط تدبر قرارات المخزن وتحرص على حسن تنفيذها، فكيف وصلت الوضعية إلى هذا الحد؟

أ‌) على المستوى السياسي: فبركة الأحزاب الإدارية وتدجين الأحزاب الوطنية والديمقراطية كانت أحزاب الحركة الوطنية في بداية الاستقلال الشكلي تريد الحكم بمظلة القصر، وكان القصر يريد الحكم بمباركة الحركة الوطنية، لذلك قبلت بحل المقاومة وجيش التحرير ورفعت شعار “الوحدة الوطنية” في وجه كل المعارضين، وناور النظام إلى حد منح الحكومة لأشد معارضيه، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ليجهز عليها وينفرد بالسلطة والحكم، هكذا تهيكل الحقل السياسي على ركيزتين الأحزاب الإدارية، التي أسسها النظام وكسبت اليوم بعض التاتير في الطبقات التي تمثلها، وأحزاب الحركة الوطنية التي عمل على تدجينها وتطويعها حتى أصبحت اليوم لا تختلف عن الأحزاب ذات النشأة الإدارية.

الأحزاب الإدارية حين حسم القصر مع الحركة الوطنية سنة 1960، وبعد الاستفتاء على الدستور الأول الممنوح من سلسلة الدساتير الممنوحة التي عرفها المغرب إلى اليوم، كان عليه تنظيم الانتخابات سنة 1963 وما دام القصر لا يدخل الانتخابات وإذا لم يتدخل في الحقل السياسي فوحدها أحزاب الحركة الوطنية بالإضافة إلى الحركة الشعبية ،أول حزب إداري كانت ستدخل الانتخابات، وبالتالي ستهيمن الحركة الوطنية على البرلمان وستخلق سلطة مضادة لسلطة القصر، لذلك لجا إلى تأسيس “جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” عن طريق خديمه رضا كديرة. ورغم ذلك ستكون النتائج متكافئة بين أحزاب القصر والحركة الوطنية مما سيجعله يحل البرلمان ويعلن حالة الاستثناء.

في1965 وفي انتخابات 1977 في إطار الانفتاح الجديد على أحزاب الحركة الوطنية سيلجأ هذه المرة إلى الأعيان ويجعلهم يترشحون كأحرار، ويشكل منهم في ما بعد حزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة صهر الملك أحمد عصمان الذي جرى تعيينه وزيرا أول، وسيتفرع عن هذا الحزب الاتحاد الدستوري بزعامة المعطي بوعبيد والحزب الوطني الديمقراطي بزعامة أرسلان الجديدي، وفي سنة 2009 سيؤسس صديق الملك وأحد مستشاريه اليوم حزب الأصالة والمعاصرة الذي سعى النظام الئ أن يجعل منه حزب الدولة المتصدر للانتخابات مثل الحزب الوطني الديمقراطي في مصر وحزب التجمع الدستوري في تونس، لكن حركة 20 فبراير أجهضت هذا المشروع على الأقل في طابعه المهيمن.

أحزاب الحركة الوطنية حافظت أحزاب الحركة الوطنية على حد أدنى من استقلاليتها لكن ما لبثت تفقدها شيئا فشيئا مع ضعفها واستئساد النظام الذي كان قد بدأ يتدخل في تعيين قيادتها “المنتخبة” في المؤتمرات، وبدل استقطاب المتساقطين وضمهم إلى القصر كمستشارين مثل بن سودة وبوطالب، أو إلى الأحزاب الإدارية كالمعطي بوعبيد، بدأ يتركهم في أحزابهم ويكونون كتاءبه الأولى في عملية التدجين. ولقد شكل دخول الكتلة الديمقراطية في حكومة ما سمي بالتناوب التوافقي إلى جانب الأحزاب الإدارية في حكومة بشروط المخزن ولتنفيذ برنامجه وتمرير سلطته بشكل سلس من إلى ملك وفشلها في تحقيق مكتسبا حقيقية للشعب المغربي الضربة القاضية لأحزاب الحركة الوطني التي وجدت نفسها فاقدة لأي مصداقية شعبية، واستعدادها الدائم لحماية المخزن وأهدافه، جعلها عمليا تتبوأ نفس المكانة التي للأحزاب الإدارية.

الحركة الإسلامية نشأت الحركة الإسلامية سنة 1970 بدعم من النظام في إطار انتشار حركة الإخوان، وكان هدفها التضييق على اليسار ومحاربته غي