وجهة نظر

حراك الريف وصناعة الخبر

يؤكد حراك الريف  يوما بعد يوم نجاحه في شغل الرأي العام المغربي والإقليمي، دليلنا على ذلك الكم الهائل من الأخبار الواردة من منطقة الريف خلال الأشهر الأخيرة. والملاحظ أن نمط الإخبار عن ما يقع بالريف  يتباين حسب توجهات المنابر الإعلامية سواء السمعية أو البصرية أو الإلكترونية، فهناك أخبار رسمية تصدرها قنوات تلفزية وطنية، هي في الغالب قراءة للبيانات الرسمية الصادرة عن الديوان الملكي أو الحكومة أو النيابة العامة، تمنح في الغالب مساحة زمنية ضيقة، تتسم بأسلوب تقريري يغلب عليه مصطلحات رسمية مكررة توضح حرص الدولة في تلبية المطالب أهل الريف. لكن في نفس الآن ترسل وسائل الإعلام الرسمية خطابا تحذيريا للمتظاهرين من أهل الريف وخارجه والمتعاطفين معهم من خلال عرض أخبار الاعتقالات التي تعرفها المنطقة. وتشكل المواقع  الإلكترونية المعارضة للحراك امتداد طبيعيا لوسائل الإعلام الرسمية، فهي لا تردد في توجيه الضربات للحراك وزعاماته بل تعمل على ترويج مغالطات وأخبار كاذبة غرضها الأساسي هو تضليل الرأي العام المغربي والدولي وتبخيس الحراك وتشكيل جبهة معارضة داخل المغرب وخارجه.

والملاحظ أن أغلب هذه المواقع تفتقر للخبرة والذكاء في التعامل مع مجريات الأحداث مما يعرقل المجهودات المبذولة لحلحلة الأزمة كما حدث مؤخرا عندما تم نشر فيديو أيقونة الحراك ناصر الزفزافي شبه عاري، فمن الواضح أن الموقع صاحب السبق الصحفي كان هدفه من عرض الفيديو هو تكذيب ادعاءات المعتقلين بأنهم تعرضوا للتعذيب، غير أن توقيت عرض الفيديو وكيفية إبرازه لتفاصيل جسم ناصر الزفزافي جعلت الرياح تجري بما لا تشتهي سفن أصحاب الموقع الإكتروني وداعميهم، إذ أجج الفيديو مشاعر أهل الريف ضد الدولة، كما ازدادت شعبية ناصر الزفزافي وطنيا ودوليا، كما ازداد حرج الدولة المغربية في تعاطيها مع الحراك. بالمقابل تعمل المواقع الالكترونية المدعمة للحراك أو المساندة له أو المنبثقة عنه، فضلا عن وسائل التواصل الاجتماعي على نقل أخبار الحراك انطلاقا من مصادرها الأصلية، فهي منابر لإسماع صوت المتظاهرين ومطالبهم ومواقفهم وانتظاراتهم، كما  تساهم هذه المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي في تنظيم الحراك من خلال اقتراح طرق وبدائل للنضال، مثل الطنطنة والمظاهرات الشاطئية.

وعموما، فقد استطاعت ملأ الفراغ الإعلامي في تغطية الحراك الريفي وطنيا ودوليا، وهذا يؤكد بالملموس التأثير الكبير للعولمة على الأنظمة السياسية الدولية، والتي أصبحت غير قادرة على احتكار المعلومة وتنميط الخبر كما هو الحال في سنوات الخمسينات والستينات والسبعينات.  ومن ثم فقد أضحت هذه الأنظمة خاصة في دول الجنوب مثل المغرب مرغمة على التعاطي بايجابية مع المطالب الاجتماعية والاقتصادية لمواطنيها إذا لم تخرج عن فصول الدستور. فزمن الاحتكار قد ولى، إذ أصبح كل مواطن قادرا على التعبير على آراءه وأفكاره ومواقفه إزاء السياسات العمومية وغيرها بمجرد توفره على هاتف نقال أو حاسوب متصل بالشبكة العنكوتية.