وجهة نظر

عن جماعة خارج سياق العصر والتاريخ!

يتزامن احتفاء جماعة الحوثي بيوم الغدير وبيوم الانقلاب على الدولة في 21 من سبتمبر مع احتفاء عموم اليمنيين بثورة السادس والعشرين من سبتمبر ضد النظام الأمامي الذي كان يحكم اليمن قبل 1962، حيث غرقت العاصمة صنعاء وعموم المدن التي تسيطر عليها جماعة الحوثي بملاح تحمل شعارات دينة وطائفية لم يعتد عليها اليمنيون، حيث حملت تلك الشعارات في مجملها العداء لكل ما ينتمي إلى الذات اليمنية، هكذا نظر إليها أبناء سبتمبر.

في الحقيقة لا تتردد جماعة الحوثي ولا تجد حرجا في التعريف بنفساها كسلطة دينة عنصرية لا مكان للآخر في ظل سلطتها إلا أن يكون تابعاً أو رعية، فهي ترى في سلالة معينة تحمل جينات معينة بأنها صاحبة الحق الالهي في الحكم والتسلط على رقاب الناس بمُبرر ديني يبدو في هذا العالم المتطور ساذجاً.

حيث تبدو الصورة الماقبل البدائية الفجة التي رسمتها جماعة الحوثي عن نفسها كسلطة دينة ومدعية لحق الهي محصور في سلالة معينة’ خارج سياق العصر وسياق التاريخ في آن.!

فبمراجعة السياق التاريخي التي جاءت في ظله السلطة الدينية التي كانت سائدة في أوروبا في القرن السابع عشر يتبين أن سلسلة الحروب الأهلية التي عمت القارة الأوروبية والتي أدت إلى التوصل إلى معاهدة وستفاليا وصعود الدولة الوطنية باعتبارها الحل لقضية الطائفية وثم الانتهاء إلى أن الناس يجب أن تكون على دين ملوكها، وكانت هذه جزء من عملية العلمنة ، بمعنى أن الدين يجب أن يخضع للدولة وأن يُوَحَّدْ لكي يساهم في تشكيل الهوية الوطنية للدولة.

فنشوء حق الملوك الإلهي في الحكم ناجم عن صعود الدولة الوطنية وادعائها التواصل المباشر مع الله، أي أن حق الملوك الإلهي بالحكم لم يكن دليلاً على سيطرة الدين، بل على تفوق الدولة وقدسيتها الجديدة التي تبدأ بقدسية الحاكم وتنتهي إلى قدسية الدولة والوطن والأمة.

فالغرض في بروز حق الملوك الالهي في الحكم الذي اثبت فيما بعد فشله لأنه ترافق مع اضطهاد الأقليات الدينة كان نبيل وهو المساهمة في توحيد الهوية الوطنية وكبح جماح صراع الطوائف الدينة.

غير أن السياق الذي جاءت في ظله جماعة الحوثي كسلطة دينة مدعية الحق الإلهي في الحكم والمحصور في سلالة معينة هو سياق مختلف تماما، فهي جاءت في معرض السطو على الدولة الوطنية بقوة السلاح وعمدت إلى تفتيت الهوية الوطنية إلى هويات فرعية، وبنوع من الخفة حملت شعارتها في احتفالها بالانقلاب على الدولة في 21 سبتمبر 2014 (يوم النكبة كما يحلو لليمنين أن يطلقوا عليه) بعدا ديمقراطيا في تناقض صارخ مع ما تعبر عنه بوضوح كسلطة ذات هوية دينة تحاول أن تفرض نفساها وتحدد نفسها وتقاتل على مجالها الحيوي في الدولة وتسعى إلى تقسيم الوطن لا إلى وحدته، ,وهي بذلك تقف خارج سياق العصر الزاخر بتوق الناس إلى الديمقراطية وتطور النظم الديمقراطية وازدهار عملية التحول نحو الديمقراطية والتخلص من الأنظمة الاستبدادية والسلطوية فكيف بالسلطة الدينة؟

وفي مقابل احتفاء جماعة الحوثي نظم عموم اليمنيين تظاهرة بالغ الدقة في التعبير عن تمسكها بالنظام الجمهوري والتشبث بمحاولة استعادة وبناء الدولة وتطبيق مبادئ المواطنة والديمقراطية وصون الهوية الوطنية الجامعة والنظام الجمهوري وكفالة احترام الدستور والقانون وان لا تكون حقوق المواطن مرتبطة بانتمائه المناطقي أو المذهبي بل نابعة من مواطنته لا انتمائه. ومنذ وقت مبكر قبل قدوم العيد الوطني لقيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر احتفاء الناس بصورة باذخة وبتعبير يشي برغبة جامحة للتخلص من الجماعات القادمة من وحل التخلف وعابد الزمن الغابر.

وفي تقديري أن بؤرة التحديق الذي ينبغي البناء عليها في تحليل ابعاد الاحتفاء الصاخب المبكر بسبتمبر من كل الاطياف بمختلف توجهاتهم “هو ان هناك هوية وطنية جامعة تبدو انها في إطار تشكلها في ذهنية كل يمني وتفصح بوضوح عن انتمائهم لمشروع سبتمبر” في مقابل اختيار فئة (بدت صغيرة جداً ) الانحياز للإنتماء الضيق وتطويق نفساها باسوار حددتها بوضوح ويبدو انها ستموت على سياج اسلاكها الشائكة إن هي حاولت تسلقه لا الخروج من بابه الضيق الافق نحو ميدان جمهورية المواطنة..!