أخبار الساعة

المواسم الدينية تطرح نفسها على طاولة رهانات التنمية

عمر حمداوي – تنجداد

على غرار باقي المغاربة يحتفل سكان الجنوب الشرقي المغربي بذكرى المولد النبوي، من خلال إقامة مواسم دينية تكريما للتقاليد الدينية التي كان يسير عليها الأولياء والصلحاء وشيوخ الزوايا الذين يرجع تاريخ استقرارهم بالمنطقة إلى قرون خلت، تتخللها مجموعة من الفقرات الدينية والطقوس الشعبية (قراءات قرآنية، أمداح، ابتهالات، دروس ومواعظ، ذبيحة، جذب…)، كما تنشط على هامشها حركة تجارية تتجلى في توافد الباعة المتجولين على عين المكان لتسويق منتوجاتهم وتصريف بضائعهم، فضلا عن تنظيم معارض للمنتوجات التقليدية وذلك في إطار التعريف بالمؤهلات الطبيعية والثقافية والسياحية التي تزخر بها بالمنطقة.

وكما هو معروف، تعد هذه المواسم محطة يحتد فيها الخلاف بين المتشبثين بها كإرث روحي لا يمكن الاستغناء عنه أو التفريط فيه بأي وجه كان، والداعين إلى القطيعة معها لما تعرفه – على حد قولهم – من مخالفات شرعية وأخلاقية تتنافى مع مقاصد ذكرى المولد النبوي الشريف، خاصة في يوم السابع عشر من ربيع الأول (سبوع النبي) الذي يعرف نحر ذبيحة (بقرة) وتوزيع لحمها على المساهمين في اقتناءها، في أجواء تسمى “بالحضرة” وهي الرقص والجدب على إيقاع المزمار والدفوف والطبول وتريد أذكار وتوسلات واستغاثات…

وحرصا منهم على إمساك العصا من الوسط وتقريب الهوة بين هؤلاء وأولئك، طالب مجموعة من المهتمين بضرورة تقوية قدرات الجمعيات المسؤولة على تنظيم هذه المواسم من أجل تطهيرها من الشوائب، والعمل على تأهيلها إلى ملتقيات علمية وثقافية، ورافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، قادرة على المساهمة في لفت العناية إلى حاجيات وأولويات المنطقة باعتبارها جزء لا يتجزأ من جهة لا تخفى حاجتها الماسة إلى تضافر جهود كافة المتدخلين لمواجهة رواسب التخلف ومعالجة النمو غير المتكافئ والتفاوتات البادية للعيان بينها وبين باقي الجهات، والإسهام في إنماءها الاقتصادي والاجتماعي استجابة لروح التصور العام للجهوية المتقدمة.

وإلى جانب دعوة الفاعلين لاستثمار المواسم في الوقوف عند واقع وآفاق التنمية بالمنطقة، والتداول وتعميق النقاش في شؤونها، خاصة في ظل التحولات المجالية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتغيرات المناخية التي تعرفها، لم يفت مجموعة من المهتمين بالتراث الواحي بتجديد المطالبة بوضع برنامج لجرد وتوثيق التراث الشفهي للجنوب الشرقي (إسوة بالبرنامج الوطني لجرد وتوثيق الموروث الشفهي الحساني) والذي تعتبر المواسم والطقوس الاحتفالية من أبرز مصادره، وذلك في إطار صيانة وحماية وتثمين التراث اللامادي الذي يحمل الكثير من الخصائص الأدبية، وينفرد بجمالية تستمد جذورها من موقع المنطقة الاستراتيجي ودوره في استقطاب مجموعة من المكونات الإثنية التي أفرز تعددها واختلاف أصولها وألسنتها تعددا على مستوى أنواع وأشكال التعبير المهددة بالضياع والاضمحلال.

فهل يا ترى ستجد هذه المواسم مكانها ضمن برامج كافة المتدخلين والجهات المعنية وعلى رأسها الجماعات المحلية، المطالبة بضرورة البحث عن السبل الكفيلة لتوظيف هذه المناسبات الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ في مسار التنمية المحلية؟؟ والعمل على استثمار الديمقراطية التشاركية في الرقي بها إلى فضاءات لتثمين الموروث الثقافي، والتواصل والتلاقح بين مختلف الفاعلين، وإبراز مؤهلات وقدرات المجتمع المدني؟؟ أم أن الأمر سيبقى على ما هو عليه، تأتي مواسم وتذهب مواسم بدون إستراتيجية وأبعاد تنموية تذكر؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *