اقتصاد، سياسة

حداد يدعو من ألمانيا لـ “أنسنة” العولمة وإعادة تفكيك طريقة عملها

دعا وزير السياحة السابق والنائب البرلماني عن حزب الاستقلال لحسن حداد، إلى إعادة تفكيك مفهوم العولمة وطريقة عملها، مشيرا إلى أن العولمة باتت في مفترق الطرق وأصبحت تواجه تحديات وشكوكا بشأن آليات عملها، مقترحا في الآن ذاته مقاربة جديدة لإعادة النظر في التنمية.

وأوضح حداد الذي كان يتحدث أمس الثلاثاء في ندوة دولية بألمانيا بصفته نائبا لرئيس المنظمة الدولية للتنمية التي يوجد مقرها بروما، أن “النظام الدولي الذي تم التأسيس له بعد الحرب العالمية الثانية والذي تم تكريسه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لم يعد مناسبا وأصبح مفتقدا للمشروعية”.

واعتبر المتحدث ضمن الندوة التي حضرها ممثلون عن الحكومة المحلية (هيس) وبلدية فرانكفورت والقطاع الخاص والمجتمع المدني وأطياف أخرى، أن “الأمل كان قبل عشرين سنة، معقودا على العولمة لكي تخلص الإنسانية من الفقر والمجاعة والأوبئة والحروب عبر العلم والتكنولوجيا والوسائل الحديثة للتواصل”.

وأضاف حداد أن “الأمل كان معقودا على بزوغ فجر جديد من التحولات الديمقراطية تؤشر بعالم أكثر عدلا وإنصافا ومساواة”، إلا أن “ما نعيشه الآن من أزمات مالية واقتصادية متوالية وتهديدات تتعلق بالتحولات المناخية وظهور الصراعات الأهلية، ينذر بدخولنا حقبة من الإحباط واليأس الجماعي على المستوى الكوني”.

وأبرز الوزير السابق أن العولمة أضحت إثر ذلك محط اختلاف بين عدد من التوجهات؛ فهناك من يرى في التنمية وسيلة للتقليل من سيادة الأمم عن طريق الشركات العملاقة التي تستثمر في الدول التي هي في طريق النمو، وهناك من يرى أن تدهور رواتب العمال وتنامي تهميش المرأة والأقليات والمجموعات الهامشية هي نتيجة حتمية للعولمة.

من جانب آخر، يُضيف المصدر ذاته، أن هناك من يرى أن العولمة خلقت ملايين فرص الشغل في الهند والصين والمكسيك وشمال إفريقيا، في حين يرى اليسار في العولمة “وسيلة لتقوية دور الرأسمال العالمي وسلطة الشركات المتعددة الجنسيات. وأقصى اليمين يرو فيها وسيلة لتفقير المواطنين عبر إعادة التوطين وتشجيع الهجرة”، مبرزا أن هذا بات يطرح تساؤلا حول “كيف يمكن للعولمة أن تتجاوب مع قضايا واهتمامات وتطلعات الإنسان العادي في دول الشمال ودول الجنوب؟”.

كما تساءل حداد عن السبيل لـ “التأسس لعولمة بدون هيمنة؟ وهل من الممكن وضع عولمة بوجه إنساني تعتمد على تقدم وضعية حقوق الإنسان والعمل على التأسيس لكوكب أكثر ازدهارا واستدامة؟ وهل يمكن التجاوب مع تطلعات الفلاح الصغير في إفريقيا وآسيا في الولوج إلى الأسواق بدون حواجز وفي نفس الوقت التجاوب مع طموحات الإنسان العادي في دول الشمال في الحفاظ على الفرص الاقتصادية دون الخوف من الهجرة أو إعادة توطين الشركات”.

ودعا البرلماني ضمن كلمته إلى توحيد الجهود من أجل تعبئة كل الفاعلين من أجل مواجهة الإحباطات والمخاوف بشأن المستقبل التي انتشرت في العالم، والعمل في الآن ذاته على وضع رؤيا جديدة للمستقبل تستجيب لتطلعات الشعوب، مبرزا أن “المنظمة العالمية للتنمية” لها من القوة والريادة الفكرية التي تؤهلها للعب دور توحيد الجهود عبر نشر مقالات وكتب ومداخلات وعبر تنظيم اجتماعات ومحاضرات.

كما دعا المصدر ذاته الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني والجامعات والقطاع الخاص، إلى المساهمة في التعبئة من أجل مستقبل أكثر عدلا واستدامة، وذلك لمواجهة تصاعد موجات النزوح الجماعي والإحباط السياسي في أوروبا وأمريكا وفي دول الجنوب، وخصوصا الدول العربية والإفريقية، الناجمة عن الثورة الصناعية الرابعة والتحولات المناخية والأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

وأوضح نائب رئيس المنظمة الدولية للتنمية، أن آلية اشتغال العولمة أدى إلى تنامي أزمات الهوية على مستوى دول الشمال التي أحيت البعض منها النزعات القومية كوسيلة لمواجهة العولمة؛ وتنامي موجات الإرهاب في كثير من الدول كوسيلة للتعامل مع صدمات الحداثة والهوية؛ بالإضافة إلى تنامي العزلة واستحالة القيام بمبادرات للحوار الثقافي والسياسي والديني.

وفي هذا السياق، دعا حداد إلى استعمال جريدة “التنمية” العلمية التي تصدرها المنظمة من أجل إصدار أعداد خاصة بالانجليزية والإسبانية والعربية والصينية والروسية حول مواضع التهديدات لأسس المجتمعات المشتركة والحكامة والديمقراطية في عالم متداخل بشكل كبير، ومساويء سلاسل العرض الدولية والشركات العملاقة التي تتمخض عن الاندماجات بين شركات كبرى.

كما دعا إلى إعداد مواضيع حول “العلاقات المعقدة بين التغذية والصحة والايكولوجيا والهويات”، و”أي نموذج اقتصادي جديد لعالم يتغير بسرعة فائقة وتبعا لذك أي نموذج للتنمية المحلية والدولية؟”، و”الثورة الصناعية الرابعة، النموذج الآلي للتصنيع، وتغير معنى الشغل والتشغيل”، و”التحولات على مستوى الأجيال في القرن الواحد والعشرين”، و”التحديات الحديثة للإجماع، والنزعة النسائية والإنصاف” و”المستقبل الغامض للتنمية الدولية وصناعة التنمية”.

وأكد أنه بالرغم من أن العولمة استطاعت أن تجعل من معدل الدخل العام في الدول السائرة في طريق النمو في ارتفاع إلى درجة جعلت الفقر ينخفض ووفيات الأطفال تتراجع والولوج الى التربية يرتفع، إلا أنه في مقابل ذلك لا يزال أكثر من 800 مليون شخص يعيشون على دولارين في اليوم، وارتفعت حدة اللامساواة، وأدت التغيرات المناخية إلى عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول، ونزوح جماعي، وخلقت تحديات كبيرة فيما يتعلق بالهجرة واللجوء.

وأبرز أنه “نتيجة لذلك نشهد حاليا هجوما مضادا ضد الديمقراطية من طرف حركات ذات نزعات قومية ومضادة للمهاجرين والتي تضع على أجندتها “حماية فرص الشغل” من طمع المهاجرين ومن سياسة إعادة التوطين التي تقوم بها الشركات التي تبحث عن فرص جديدة للربح في عالم تطبعه المنافسة الشرسة”، مشيرا إلى أن الكل يتفق على أن هناك فرصا وتحديات أمام العولمة من بينها التحولات التكنولوجية وتصاعد دور الصناعة المعتمدة على الآلة ودور العمال في عالم يتحول بخطوات كبرى نحو الرقمنة.

وسجّل أن هناك فرصا لإعادة تطوير العولمة بما يضمن حل مشاكل التنمية، تتمثل في “وجود مانحين جدد، ومبادرات طموحة مثل أجندة التنمية المستدامة لـ 2030، واتفاقية باريس حول التغيرات المناخية، والاعتراف بأن التنمية لها علاقة وطيدة بالأنساق المحلية والوطنية والدولية. وكذا فرص سلبية وهي فشل نموذج الاعتماد على “حرية السوق” كحل وفشل نموذج “الدولة وحدها”.

يُشار إلى المنظمة تريد أن تضع مبادرة للتأثير في الحكومات والمنظمات والفاعلين على المستوى الدولي، بشراكة مع منتدى مدريد لرؤساء الدول ورؤساء الحكومات المنتخبين بطريقة ديمقراطية ستضع هذه المبادرة على سكة الطريق من أجل حوار دولي مستمر لمدة سنتين عبر قنوات مجموعة العشرين ومنتدى دافوس والذكرى السبعين لتأسيس الأمم المتحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *