مجتمع

حملة المقاطعة تعيد المغاربة لحليب البسطاء

على بعد أمتار من بحيرة سد محمد بن عبد الله بمدينة سلا الجديدة، تفترش القروية ثريا الأرض وأمامها بضع قنينات من الحليب واللبن، غير بعيد عنها تتوزع نساء أخريات يعرضن بضاعتهن على العابرين للمكان.

في كل صباح تستيقظ ثريا مبكرا في قريتها بمنطقة سيدي الشافي (14 كيلومترا شرقي الرباط)، تحلب بقراتها وتقصد مكانها المعتاد القريب من بيتها لتبيع الحليب الطازج للراغبين فيه.

ومنذ أسبوعين لم تعد بضاعتها -كما تقول- تكفي لتلبية طلبات الزبائن المتزايدة، فهي لا تملك سوى بقرتين توفران لها نحو عشرين لترا من الحليب الطازج تبيعها وتعود لبيتها مبكرا.

يترجل شابان من سيارة بيضاء ويتوجهان نحو ثريا، يشتري أحدهما قنينة لتر ونصف من الحليب وينقدها الثمن. يوضح نبيل الشاب الثلاثيني للجزيرة نت أن تلك عادته منذ بدأت حملة المقاطعة، فهو يقصد الفلاحين البسطاء في المنطقة لشراء ما يحتاجه من منتجات الحليب قائلا “إنه حليب طازج وصحي وثمنه مناسب”.

وهي تواري خجلها تحكي ثريا صعوبة الحياة في القرية، فالطريق إليها صعبة، ووسائل النقل تكاد تنعدم، وفرص الشغل نادرة، “نعيش على بيع الحليب فهو مصدر قوتنا اليومي” تقول ثريا آملة ألا ينقطع الزبائن عن الإقبال على شراء بضاعتها هي وباقي صويحباتها.

ودفعت حملة المقاطعة التي يشهدها المغرب منذ ثلاثة أسابيع المغاربة إلى اقتناء ما يسمى “حليب لعبار”، وهو الحليب الطازج الذي يبيعه الفلاحون الصغار للمواطنين مباشرة على الرصيف أو عبر موزعين يوزعونه على “المحلبات” (محلات بيع الحليب ومشتقاته) أو على باعة جائلين.

ويتراوح ثمن اللتر الواحد من الحليب الطازج بين 5 و6 دراهم (نحو 0.5 -0.64 دولار) بينما يصل ثمن اللبن إلى 7.5 دراهم (نحو 0.80 دولار).

انتعاش ملحوظ
لا يخفي القروي الأربعيني عمر الذي يقيم في قرية سيدي بطاش (55 كيلومترا جنوبي الرباط) انتعاش مبيعاته من الحليب الطازج بعد حملة المقاطعة.

يستيقظ عمر في وقت مبكر كل يوم، ويبدأ يومه بشراء الحليب الطازج من أقاربه وجيرانه من الفلاحين في القرية ليوزعها بسيارته على عدد من نقاط البيع في المدن المجاورة.

ويوضح عمر للجزيرة نت أن الطلب ارتفع بشكل ملحوظ على الحليب الطازج في الأسابيع القليلة الماضية بعدما كان في الماضي يرتكز بشكل أكبر على اللبن والزبدة.

يوزع عمر في اليوم نحو 200 لتر من الحليب الطازج واللبن، بعدما كان لا يوزع في السابق سوى 120 لترا، وهو وضع قال إنه أنعش مداخيله ودفعه للبحث عن مزودين جدد للحليب.

واستهدفت حملة “مقاطعون” -بالإضافة إلى مياه سيدي علي المعدنية ومحروقات شركة أفريقيا للغاز- منتجات شركة “سنترال دانون” التي تستحوذ على 55% من حصص سوق الحليب المبستر، حسب ما أظهره تقرير لمجلس المنافسة في سنة 2013. وأظهر التقرير وجود مؤشرات توحي بإمكانية اتفاق بين الفاعلين على الزيادة في الأسعار.

ويقول المقاطعون إنهم استهدفوا هذه الشركة التي تحتكر السوق لدفعها لتخفيض الأسعار ولتحذو باقي الشركات حذوها فيما بعد.

فعل ورد فعل
وكانت الحكومة في أول رد فعل رسمي على هذه الحملة الأولى من نوعها في المغرب نبهت إلى أن قطاع الحليب يكتسي أهمية كبيرة في المنظومة الاجتماعية والاقتصادية من خلال الاستفادة المادية المباشرة لشبكة من المتعاملين تصل إلى 120 ألف فلاح بالنسبة للشركة المعنية بالمقاطعة، 80% منهم صغار.

وحذرت الحكومة من الضرر الجسيم الذي سيلحق بالفلاحين الصغار والنسيج الاقتصادي الوطني بشكل عام في حال استمرار المقاطعة.

وقال الناطق باسم الحكومة المغربية مصطفى الخلفي الخميس الماضي في اجتماع مجلس الحكومة الأسبوعي، إن شركة “سنترال” لم ترفع ثمن الحليب منذ العام 2013، وإن “هامش الربح لديها لا يتجاوز 0.20 سنتيم في اللتر الواحد”.

لكن المشاركين في الحملة استمروا في المقاطعة وتقاسموا صورهم وهم يشترون “حليب لعبار” على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعوا إلى دعم الفلاحين الصغار بشراء الحليب ومشتقاته مباشرة منهم، والعودة بالحال إلى ما كان عليه أجدادهم قبل استحداث شركات الحليب وفق تعبيرهم.

وبينما تعمل الحكومة على تطويق الأزمة قبل حلول شهر رمضان الذي يرتفع فيه استهلاك الحليب ومشتقاته، يأمل قرويون أمثال ثريا وعمر أن يستمر الإقبال على “حليب لعبار” لتحسين مداخيلهم وظروف عيشهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *