منوعات

العلام يكتب: 45 سؤالا حول قضية بوعشرين

كُتِب القليل أو الكثير حول ما أصبح يعرف بـ “قضية بوعشرين”، وأكيد أن الذي كُتِب ليس كله دفاعا عن بوعشرين أو انتقادا له، إنما هناك من كَتَبَ انتصارا لقضيته ومطالبا بإنصافه، وهناك من كَتَبَ دفاعا عن مبادئ المحاكمة العادلة وتحقيق شروطها المتمثلة في احترام قرينة البراءة، وتجسيد مبدأ “المتهم بريئ إلى أن تثبت إدانته”، وهناك من كَتَبَ انتقادا له ودفاعا عن المشتكيات، وهناك من كَتَبَ اننقاما منه نظرا لخصومة سابقة معه. ولأن الذي كُتب وقِيل سواء في هذا الاتجاه أو ذاك، ولأن دفاع المتهم قدم مرافاعات متواصلة ومستميتة تروم تبرئته، كما لم يقصّر جانب من المجتمع المدني في سبيل كشف الحقيقة والمطالبة بالمحاكمة العادلة، سيما ما تقوم به جمعية “الحرية الآن”، وما أسفرت عنه “لجنة الحقيقة” التي تشكلت من أجل ذات القضية، وكانت الندوة التي أقيمت بأحد فنادق الرباط مساء السبت الماضي إحدى تجليات هذه المجهودات، والتي كانت مناسبة تناوب على منصة الحديث فيها مثقفون كبار وحقوقيون مبدئيون، وصحفيون مخضرمون، ومحامون معترف لهم بالشهامة والنزاهة والخبرة، أمثال عالم الأنتروبولجيا عبد الله حمودي، والحقوقية الحائزة على جائزة الأمم المتحدث لحقوق الانسان خديجة الرياضي، والمحامي المعروف والقيادي في حزب الطليعة اليساري والرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمؤرخ المعطي منجب، والفاعل الاقتصادي والاعلامي نورالدين عيوش وغيرها من الأسماء المعتبرة التي انضمت إلى لجنة الحقيقة أو التي حضرت الندوة.

أقول أن كل ما كتب وقيل، كاف لكي يمنح المتتبع صورة شبه كاملة عن ما حدث في مقر صحيفة أخبار اليوم قبل 4 أشهر، وما يحدث في أروقة وقاعات محكمة الجنايات في الدار البيضاء، وما راج في مقر الشرطة القضائية، وربما أيضا ما يدور في “الكواليس”. نعم بالنظر لكل الذي قيل وكتب وحتى الذي مُورس من أفعال، فإن أسئلة عديدة تتبادر إلى ذهن العديد من المواطنات والمواطنين حول هذه القضية، وأن من شأن الاجابة عنها إما تبرئة المتهم أو إدانته، ويمكن تلخيص أهم الأسئلة في الآتي:

من حيث الشكل:
لماذا تم اعتقال بوعشرين بتلك الطريقة الهوليودية رغم أنه لم يكن يعيش بين حراس شخصيين ولم يكن له أنصار؟ لماذا شرعت النيابة العامة في نشر بلاغات إعلامية تدينه قبل المحاكمة؟ لماذا خالف الإعلام العمومي والخاص قرينة البراءة وتحدث عن المتهم بالاسم دون تحفظ؟ لماذا تم تسريب محاضر الشرطة القضائية قبل عرض المتهم على المحاكمة؟ لماذاصُودرت مفايتح جريدته وتم منعه بداية من توقيع أجور مستخدميه؟ لماذا تم استدعاء متسخدمات المتهم من أجل تقديم شكاوى ضد مشغلهن؟ لماذا لم تبادر أغلبيتهن إلى الشكوى بشكل تلقائي؟ لماذا تزامنت شكاوىالجميع وتشابهت؟

من حيث المضمون:
ما الأساس القانوني الذي يجعل بوعشرين اليوم في السجن بدل أن يكون حرا ينسق دفاعه وينافح عن نفسه؟ أليس هو بريئ إلا أن يكون في وضعية تلبس أو يصدر حكم قضائي؟ بما أن النيابة العامة تقول أن الأمر لا يتعلق بحالة التلبس فلماذا لم يتم عرض بوعشرين على قاضي التحقيق؟ ولماذا تحولت المحاكمة إلى ما يشبه قاعة التحقيق من عرض فيديوهات وإحضار المصرحات….؟ لماذا لا يوجد في محاضر الشرطة القضائية ما يثبت أن المحجوزات تم ختمها؟ وما الذي يثبت أن الموجود في الأقراص المعروضة أمام المحاكم هو نفسه الذي تمت مصادرته؟ لماذا لا يوجد في المحاضر الرقم الخاص بالكاميرات وبالأقراص الصلبة؟ ولماذا لم ترفع البصمات من على المحجوزات؟ وهل يجوز إثبات جريمة بناء على أشرطة مصورة من غير أمر من القضاء؟ ولماذا تلك الأشرطة ـ كما صرح الذين شهادوها ــ كلها في وضع معتم، رغم أن مكتب المتهم من زجاج؟ ما الذي يفعله متهم بأشرطة تدينه وهو الذي يكتب كل يوم ضد السلطة ويحذر من مكائدها أم أنه غبي إلى درجة أن يمسك عن نفسه أدلة تدينه(غريب)؟ هل يمكن طلب خبرة على الأشرطة من جهات تحت سطلة النيابة العامة التي هي طرف في القضية؟ وما مدى مصداقية هذه الخبرة؟ وهل تنصب الخبرة على المضمون أم على الشكل؟

لماذا تَبخّر العدد الكبير من المشتكيات والمصرحات اللواتي قيل أن المتهم اغتصبهن وجعل البعض يطلق عليه استهزاء “بوثلاثين”، وأصبحنا أمام أربع مشتكيات لكل واحدة قصتها الخاصة: إحداهن قالت أنها كانت تتقاضى مبلغا شهريا لممارسة الجنس أربع مرات في الشهر (وهذا في حد ذاته اعتراف بالفساد يجر على المعترفة تهمة خاصة بها)، والأخرى قالت أنه ظل يغتصبها منذ سنوات رغم أنها زوجة رئيس تحرير نفس الجريدة، ورغم أن المتهم واجهها داخل المحكمة بأنها تتقاضى مبلغا لابأس به من الجريدة وأنها تملك عقارا باسمها، والأخرى ادعت أنه حاول اغتصابها، لكن المتهم واجهها أنها كانت تخرج من أجل “اسقاط النظام” في 20 فبراير وأنه لا يعقل أن يحاول اغتصاب شابة مثلها ولا تفضحه أمام الملأ، وأنها رغم مغادرتها للجريدة ظلت تتعامل معها من خلال جلب عروض الاشهار من شركة للعقار تعمل بها، وما الذي منع المتشكية الأخرى ـ وهي أولى المشتكيات ـ من أن تبلغ عن المتهم رغم أنها غادرت الجريدة منذ مدة، بل وأن وضعها الاعتباري يؤهلها لذلك كونها أصبحت مستشارة بديوان وزاري أو على الأقل هكذا واجهها المتهم ودفاعه؟ لماذا تلتزم المشكتيات بالصمت في أحايين كثيرة لما يسألهن دفاع المتهم؟ ولماذا لا تتذكر بعضهن يوم اغتصابهن ولا وسيلة التنقل التي أقلتهن إلى مكان الاغتصاب؟ لماذا يتم إحضار المصرحات بالقوة؟ ولماذا صرحت إحداهن أنها تعيش في فرنسا وأنها لم توقع على أي محضر؟ لماذا يتم الزج بشابة بريئة اسمها عفاف البرناني في ملف ترفض أن تكون لها علاقة به وتزيد أنها لن تشهد الزور ضد بوعشرين؟ ما الغاية من الحكم عليها بستة أشهر؟ ولماذا تم تشويه سمعة كل من الصحفيتين حنان بكور وأمال الهوار وإحضارهن بالقوة إلى قاعة المحكمة محملات في سيارة إسعاف بالنسبة للاولى وفي وضعية اعتقال بالنسبة للثانية؟ هل يعقل أن تأتي السلطة بالنساء للاشتكاء على مغتصبهن عنوة؟ ألا يثير ذلك الشك بأن هناك سبق إصرار وترصد للإيقاع ببوعشرين؟ لماذا يوجد هناك تزامن بين توقيت تسجيل بعض الفيديوهات وبين وجود إحدى المشتيكات في عطلة، وبين وجود المتهم في أماكن بعيدة عن الدار البيضاء بدليل مخالفات مرورية، أو وجوده في مستشفى الشيخ زايد لمدة طويلة موثقة بشهادة طبية صادرة عن نفس المؤسسة؟ لماذا لا تتضمن لوائح اتصالات المغرب الاتصالات التي أجراها المتهم لحظة تسجيل بعض الفيديوهات؟ أين هي شروط تهمة المتاجرة في البشر التي يحاكم بموجبها بوعشرين؟ هل كانت النساء المشتكيات مسلوبات الإرادة؟ وأين هو العائد من تجارة المتهم؟ ومع من تمت المتاجرة فيهن؟

أخلاقيا:
لماذا تستميت زوجة المتهم في الدفاع عنه إذا كان ارتكب كل تلك الجرائم؟ لماذا يتم تشويه المتهم في وسائل الاعلام العمومية والخاصة دون رأفة بأبنائه وأقاربه؟ لماذا يسانده كل هذا الطيف المتنوع والمتعدد المشارب من المجتمع المغربي؟ لماذا “تُنصَح” زوجة المتهم بالتوقف عن الدفاع عنه وانتظار “العفو”؟

سياسيا:
لماذا تنخرط بعض قيادات حزبين سياسيين بالذات في القضية؟ لماذا كل هذه الحماسة من هؤلاء: هل حبا في المشتكيات أم انتقاما من صحفي طالما انتقد أحزابهم في أعمدة جريدته؟ لماذا بعض “الأجنحة” مستميتة في القضية بينما أجنحة أخرى غير مبالية؟ هل الغاية من محاكمة بوعشرين هي تحقيق العدالة أم إرسال رسائل لأمثاله؟

ختاما:
لماذا بوعشرين في المعتقل وليس في حالة سراح من أجل الدفاع عن نفسه، بما أن حالة التلبس غائبة باعتراف النيابة العامة نفسها وبما أنه لم يصدر حكم قضائي حائز على قوة الأمر المقضي به؟ ألا يدخل هذا في إطار الاعتقال التحكمي المرفوض في القانون المغربي والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب؟

اترك رداً على مينة حوجيب إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • مينة حوجيب
    منذ 6 سنوات

    الأستاذ العلام، وأنا أقرأ مقالك هذا ظللت أستحضر بعض ما أتذكره حول بعض مؤلفاتك، مثل الديمقراطية في الفكر الإسلامي المعاصر، ومن يحكي الرواية.. الخ. أعتقد أنك حاولت تغليف هذا المقال بغلاف الحياد عبر اعتماد طرح السؤال/ الأسئلة فقط..، وقبل أن أطرح بعض الأسئلة التي تجاهلها مقالك، والتي لو طرحتها لكنا أمام أستاذ وناقد وباحث محايد يعتمد المنهاج العلمي في اتخاذ المواقف، أحيلك على قراءة قانون الاتجار بالبشر، حتى تدرك عددا من الجوانب المحيطة بملف بوعشرين. دعني الآن أطرح بدوري بعض الأسئلة، التي لو طرحها كل مساند لملف بوعشرين لتبين له الخيط الأسود من الأبيض، وأسئلتي، أو تساؤلاتي هي الآتي: إذا كانت طريقة اعتقال بوعشرين مبدئيا غير قانونية، وأن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، فلماذا لم يتفاعل، قط، أي فاعل سياسي أو حقوقي مع طريقة اعتقال ومداهمة ما يعرف بأوكار الإرهاب، حيث الشرطة تكون مدججة بالأسلحة والعتاد..؟ عدد من الفاعلين السياسيين يطرحون هذا الموضوع ولا أحد منهم أسند موقفه إلى ما ينص عليه القانون، لماذا، هل هو موقف المزايدة أم موقف التبسيطية الميكانيكية؟ أي من هو في خصام مع المؤسسات نحن أيضا في خصام معه حتى نظل في خندق اليسار والتقدمية، فما الذي ينص عليه القانون في شأن طريقة الاعتقال؟ هب أن الشرطة القضائية لجأت إلى مسطرة استدعاء المتهم، ألا يطرح ذلك الفرصة أمامه لإتلاف الحجج والتخلص منها؟ مثلا أنا أتاجر في الحشيش، فبمجرد ما أتوصل باستدعاء من قبل الشرطة سأعمل مباشرة على التخلص من كل ما له علاقة بنشاطي المشبوه. علينا حماية القانون كي يحمينا. لنفرض جدلا أن جهات ما هي التي وضعت له كامرات التسجيل، فما الذي سجلته هذه الكامرات؟ أحد الظرفاء يعبر عن ذلك بالقول "الدولة وضعت له الكامرات فمن أزال سرواله". الفيديوهات توثق مشاهد منذ سنة 2015، وإلى غاية 2018، وبوعشرين صحافي مزعج (كذا)، لماذا الدولة تركته يزعجها كل هذه السنوات؟ إذا كانت جهات معينة هي التي وضعت له هذه الكامرات، فالمفروض أنها تتابع عبر هذه الكامرات تحركاته، فلماذا لم تقبل على ضبطه متلبسا بالفعل الجرمي، وتخرجه من جريدته عاريا ملفوفا في إزار، وتسخر مصورين ليوثقوا الحدث؟ إذا كانت الفيديوهات مفبركة، كما يدعي المتهم ودفاعه، خصوصا زيان، هل كل تلك النساء لا تهمهم سمعتهن؟ هل نحن في مجتمع أميسي تتمتع فيه النساء بوضعية تسمح لهن بالظهور في مثل هذه الأوضاع والتورط في مثل هذه القضايا دون أن يطالهن الوصم والعار الذي يطال، في الوقت نفسه، محيطهن الأسري والعائلي؟ أليس المجتمع المغربي مجتمعا ذكوريا بطريركيا يردد أفراده نساء ورجالا "هذاك راه راجل اللي دارها جات معاه"، "السجن معهود للرجال"، "الراجل في الدار ديال مراتو وفي الزنقة ديال الجميع"...؟ بالنسبة لموقف زوجة المتهم، أسائلك الأستاذ العلام، هل تعرف امرأة ضبط زوجها في حالة خيانة زوجية ولم تتنازل عن متابعته؟ ألا يزخر مجتمعنا بحالات كانت النساء فيها ضحايا عنف من قبل أزواجهن وفضلن عدم اللجوء للقضاء اعتبارا للأبناء، وهذه الحالات لطالما رددت صاحباتها أنهن لن يتحملن نظرة الأبناء لهن واتهامهن بأنهن سببا في الزج بالب في السجن. أستاذ العلام أنت أستاذ وباحث ومثقف وأكيد أنك تعرف الميكانيزمات التي تحكم المجتمع وأفراده، وأيضا الثقافة المغربية السائدة، وهو ما علينا استحضاره كلما كانت لقضية ما ارتباطات بهذا الواقع المجتمعي وثقافته. أما لماذا استدعت الشرطة ذلك العدد من النساء، فأقول لك مرة أخرى طالع قانون الاتجار بالبشر، ثم أن جميع اللواتي استمعت إليهن الشرطة ظهرن في الفيديوهات، بل إن الأجهزة الأمنية، طبقا لقانون الاتجار بالبشر، ملزمة بالبحث عن ضحايا آخرين محتملين ليست لهم فيديوهات. أكتفي بهذا القدر عسى أن أكون فتحت شهيتك لطرح أسئلة تتخذ اتجاها غير الاتجاه الذي حكم طرح كل تلك الأسئلة الواردة في مقالك. ختاما، أقول إن العناصر المحسوبة على حزب العدالة والتنمية التي تتحرك في اتجاه جلب المناصرة للمتهم، هي اليوم منتشية لأنها استطاعت أن تحشد حول الملف فاعلين محسوبين على التيار التقدمي، وهي اليوم مقتنعة بأنه يكفي تبني بعض الأطروحات لنخر وتشتيت كل التيارات المحسوبة على التقدمية والحداثة.