مجتمع، منوعات

بهيجة امرأة تجاوزت علة السرطان ووهبت حياتها لمعالجة المصابين (فيديو)

“كنت آمل أن لا يصاب حبري بذاك المرض، كما يقصد أصدقائي وأفراد عائلتي تسميته في حضرتي، مخافة أن يؤذوني دون أن يدرون  أن ذاك هو منتهى آذيتي، لكن وفي غفلة مني تسربت العدوى وأصبح الحبر من دمي حبرا يتألم، يكتب، ينتقد، ويهلوس مثلي تحث تأثير اللوكيميا.. من هنا أعلن رسميا اسمه على ديواني المتواضع حتى لا نتفاداه مرة أخرى”، هكذا اختارت بهيجة كومي أن تقدم ديوانها الشعري “سرطان الحبر”، الذي رفضت فيه أن يسمى السرطان الذي أصابها بغير اسمه، وأن تواجهه بدون خوف.

إنها ابنة تازة، المرأة التي ابتهجت في وجه سرطان الدم سنة 2002، الذي اخترق عروقها أثناء حملها بابنها الثالث، فأجبرته على الخروج  مطأطئ الرأس بقوة إرادتها وتشبثها بالحياة، رغم أنه وقت إصابتها لم يكن الدواء متوفرا في المغرب ولم تكن أي جمعية تعنى بهذا المرض.

بهيجة كومي، خلال حوار مصور مع “العمق”، والذي حكت فيه عن لحظة إصابتها بداء سرطان الدم، وطريقة مواجهتها له، ودور المرض في إحيائها من جديد، أبانت عن حبها للحياة، لكن ليس للعيش فقط، بل وهبت كل وقتها للعمل الجمعوي، عبر جمعية أمل لمرضى اللوكيميا بالمغرب التي تترأسها، محاولة زرع روح الأمل في المصابين حتى لا يتمكن منهم اليأس.

فلنرجع بالزمن قليلا، وتحدثينا عن حياتك قبل إصابتك بمرض السرطان؟

قبل إصابتي بالسرطان كنت مواطنة عادية  مثل جميع النساء المغربيات الذين يعيشون بين منزلهم ووظيفتهم، فقد كنت أدور في فلك ربة البيت التي تقابل زوجها وأبنائها في مأكلهم ومشربهم ودراستهم، والموظفة التي تشتغل كأستاذة في شهادة التقني العالي.

هذه الحياة العادية توقفت عند إصابتي بمرض السرطان، ولأن الكلمة آنذاك كانت تعني الموت مباشرة، وهذا ما كنت أعتقده حينها، فجعلني الخوف أتساءل من أنا وماذا أريد؟ أين هي أحلامي؟ ألن أستمتع بمشاهد مستقبل أبنائي وأشاركهم أفراحهم؟، هنا استيقظت في كل الأحلام التي كنت أراها في صغري فأسرعت من أجل تحقيقها قبل وفاتي.

أحلام الكتابة والرواية والشعر، اشتغال الصحافة والمحاماة نبعت من جديد، فأصبحت بعد المرض عن طريق جمعيتي محامية وأم لكل مرضى السرطان بالمغرب أدافع عنهم، بل أصبحت شاعرة وكاتبة وناطقة بصوت من لا صوت له.

متى بدأت الكتابة بالتحديد، هل مع إصابتك بداء سرطان الدم؟

بدأت الكتابة لما كنت في سن الخامسة عشر سنة، وتوقفت بعد زواجي في سن التاسعة عشر، لكن السرطان عوض أن يقتلني فقد أحيا، إلى جانب الإهتمام بالمرضى، الرغبة في الكتابة والرواية والشعر، فأصبح في رصيدي اليوم كتابين باللغة الفرنسية وكتاب باللغة العربية.

ماذا تعني لك الكتابة؟

الكتابة آلية للعلاج من نوع خاص، فقد شغلت وحدتي 41 يوما بمستشفى السويسي بالعاصمة الرباط، واتخذت من القلم ونيسا لي،  والورقة صديقة وفية أدون فيها ما لا أستطيع البوح به للناس. لقد تخليت عن الكتابة لكنها وفية لم تتخل عني، فأنا مدينة لها لأني يوم احتجت لأنها لم تخني ووجدتها بجانبي.

كيف تلقيت خبر إصابتك أول مرة؟

بطبيعة الحال تلقي الخبر كان صدمة كبيرة، من جهة إعلامه خاصة أنني كنت حامل، ثم الطريقة التي أخبرتني بها الطبيبة، لكم أن تتخيلوا أنني واقفة في رصيف المستشفى إذ بالطبيبة تمر من أمامي  لتنزل في الدرج الآلي، وتقول لي ما زال لديك ثلاث أو أربع سنوات وتموتين.

يكفي أن يوقع لك شخص ما شهادة الوفاة فتصبح تنتظر انتهاء تلك المدة، لكن فاجأتها كما تفاجئ الجميع، مرت ثلاث سنوات، فتبدلت كل حروف الألم إلى أمل، نعم كلنا سنموت لا محالة، لكن مادامت مدة الصلاحية لم تنتهي بعد، يجب أن نسأل ما هي بصمتنا في الحياة وما هي رسالتنا للآخر.

ألا ترين أن إصابتك بالسرطان شحذت همتك؟

كان يجب أن أصيب بداء السرطان حتى أصبح ما عليه اليوم، في الأول لا أخفيكم أن تألمت لإصابتي بمرض لا يوجد دواء له،  وعشت حالة يأس ورفض واحساس بالعقاب. لم يدم سؤال لماذا أصابني الله تعالى بهذا الألم المصاحب للمرض طويلا، حتى اكتشفت أنه موت لابد منه للولادة من جديد، وأن يجعلني ربي سبب في غاية كبرى؛ هي العمل من أجل لآخر.

لقد استحضرت وقتها تلك المرأة في أعالي الجبال التي لا تعرف المرض ولا طريقة التعامل معه، أو الذين لا يتوفرون على تغطية صحية من أجل العلاج، أو اللواتي يتركونهم أزواجهم لارتفاع تكاليف العلاج، فأنا كنت محظوظة جدا بزوجي وعائلتي التي ساعدتي كثيرا،  لهذا نهضت من مرضي وأخذت على نفسي عهد مساعدة الآخرين ولو اقتضى الحالى بالدعم النفسي والكلمة الطيبة فقط.

تُرى ما السبب في إحياء هذه الروح من جديد أستاذة بهيجة؟

أستحضر جيدا أنه في 2002 لما أخبرت أننني مصابة بالسرطان، لم يغمض لي جفن مدة ستة أيام، بعد هذه المدة لحقني تعب وإرهاق شديدين، وكان همي مزدوج، كيف سأعيش وكيف سيعيش ابني الذي كنت حاملا به، فقصدت المسجد وصليت وكانت دعوة صادقة إلى الله تعالى، وتحدثت بشكل مباشر بعيون دامعة “يا رب إنه أمرك فالطف فيه، يا رب ارفع أقدارك”، ليرتاح قلبي ليلتها، وأنعم بقسط من النوم بعد بكاء تبعه الرضا.

ثم بعدها كان الناس يأتون لمواساتي بنية توديعي، وكنت أطمئنهم بأن الله تعالى سيرفع عني الداء، لقد كنت واثقة من أن الله تعالى سيشفيني. هنا أريد أن أشير إلى أن الرضا بالقضاء والقدر يلعب دورا كبيرا في تقبل الصدمة أو المصيبة، ليس عيبا أننا نبكي أو نكون ضعفاء، بل الأجمل أن نستمد قوتنا من ضعفنا ونقول الحمد لله برضا تام.

هناك مصابين بمرض السرطان، ينتظرون من رسالة تشجعهم على مقاومة المرض؟

أريد أن أقول لهم أن الله تعالى هو الوحيد الذي يعلم أجل وفاة عباده، والمرض ليس إلا سببا فقط، فإذا سمحنا لليأس أن يتمكن منا فنحن ميتون، لذا يجب علينا الإقبال على الحياة. ولا يوجد من يقدم لك يد العون أكثر من نفسك، بل لا يستطيع الناس أن يساعدوا وأنت مستسلم، وتركت للمرض فرصة التمكن منك. مع العلم أن الدراسات الحديثة أثبتت أن التفكير الإيجابي يساعد في الصحة النفسية والجسدية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *