وجهة نظر

هل نجح المغرب في تمرين الحكومة المنفتحة؟

قراءة تقييمية في مؤشرات الأداء.

انخرط المغرب في منظمة الشراكة للحكومة المنفتحة وهي مبادرة متعددة الأطراف تمّ الإعلان عنها في 20 سبتمبر 2011 خلال الجلسة الافتتاحية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، من قبل ثماني دول هي البرازيل، إندونيسيا، المكسيك، النرويج، الفلبين، جنوب إفريقيا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
وتهدف هذه المبادرة بالأساس إلى دفع الدول المنخرطة في المبادرة إلى دعم الديمقراطية التشاركية بوضع المواطن في صلب اهتماماتها عبر تعزيز الشفافية والحصول على المعلومة والنزاهة ومحاربة الفساد واستغلال التكنولوجيات الحديثة.
وقد تكللت هذه الجهود بصدور القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات بالجريدة الرسمية بتاريخ 12 مارس 2018 ، ليستكمل المغرب هذه الشروط ويصبح بتاريخ 26 أبريل 2018 العضو 76 في مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة.
وقد تم إعداد خطة عمل وطنية للحكومة المنفتحة للفترة ما بين غشت 2018 وغشت 2020، بتنسيق مع ممثلين عن القطاعات الوزارية وهيئات الحكامة والمجتمع المدني. وتتضمن هذه الخطة ثمانية عشر (18) التزاما لبلادنا في مجالات الحق في الوصول إلى المعلومة، وشفافية الميزانية، والمشاركة المواطنة، والنزاهة ومحاربة الفساد، والتحسيس والتواصل.
وانخرط في تنزيل هذه الخطة التي تجسد حقيقة تمرينا في الحكامة والإصلاح، والتي يمكن ان تساهم في تقدم مؤشرات التنمية بالمغرب، ولذلك أنشئت الحكومة منصة الكترونية للتعرف على مؤشرات الإنجاز في بوابة الحكومة المنفتحة حيث سجلت نسبة التقدم الاجمالية الى حدود كتابة هذا المقال 62% حيث قد أنجزت الحكومة منها التزامين و16التزام في طور الإنجاز.
تقييم مؤشر الحصول على المعلومات:
يعتمد في تنزيل هذا الالتزام على 6 التزامات انجز منها التزام واحد وبقيت 5التزامات في طور الإنجاز بنسبة تجاوزت 70%، ويعتبر الحق في الولوج للمعلومة ،أحد أهم أسس بناء الحكومة المنفتحة، وقد قامت المملكة المغربية بإصدار القانون رقم 31.13المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات بالجريدة الرسمية في 12 مارس 2018وسيدخل هذا القانون حيز التنفيذ ابتداء من مارس 2019.
وقد التزمت الحكومة في وضع مخطط تواصلي حول قانون الحق في الحصول على المعلومات ويدخل هذا في اطار عملية التحسيس للرأي العام بهذا الحق وتجاوزت نسبة التقدم 57%،وفيما يخص تعيين وتكوين المكلفين بالمعلومات على مستوى الهيئات والمؤسسات المعنية فان نسبة الإنجاز 100%،وفيما يخص الالتزام الثالث المتعلق بإحداث وحدات إدارية مكلفة بالأرشيف وتدريب الموظفين في مجال تدبيره فان نسبة تقدم هذا الأمر تجاوزت 50%وفيما يخص تعزيز نشر البيانات المفتوحة (open data)وإعادة استعمالها .ويشمل هذا الالتزام وضع استراتيجية وطنية خاصة بالبيانات ووضع نواة للسهر على حكامة البيانات المفتوحة من أجل تنسيق محكم لسياسة الانفتاح وتبادل البيانات العمومية وإعادة استعمالها ،وقد تجاوزت نسبة الإنجاز 44%.
اما فيما يخص احداث منظومة لتبادل البيانات ذات الصلة بالبيئة (المراصد الجهوية للبيئة والتنمية المستدامة) فقد تجاوزت نسبة الإنجاز 86 %وفيما يخص احداث بوابة خاصة بالشفافية، فان هذا الالتزام من شأنه ان يقدم طلبات الحصول على معلومات وتتبعها وكذا النشر الاستباقي للمعلومات الإدارية ونشر البيانات المفتوحة بنسبة التقدم المنجزة في 79%.
فمن حيث نقط الضعف في تدبير هذه الالتزامات والمرتبطة بعامل الثقة في المعلومات وكذا طبيعة الإجراءات والاستثناءات التي طرحها نص القانون والذي قيد هذا الحق، مما سيفتح المجال لتفسير النص والتعامل معه بنوع من التضييق في مجموعة من الممارسات، كما ان النص رغم انه وضع مجموعة من التدابير الرامية الى ضمان احترام هذا الحق.
كما اننا نعول على المؤسسة القضائية في تحصين هذا الحق وتحديد الحدود الدنيا والقصوى في التنزيل، بما يضمن ممارسة تحترم الحقوق والمؤسسات.
تقييم مؤشر النزاهة ومكافحة الفساد:
مؤشر النزاهة ومكافحة الفساد تمرين عصيب يؤرق ورغم ان الخطة وضعت 4التزامات الا انها أنجزت التزاما واحدا في الوقت الذي مازالت 3التزامات في طور الإنجاز، ويأتي الالتزام السابع المرتبط بإحداث بوابة خاصة بالنزاهة والتي تهدف مشاركة المواطنين وابلاغهم بالمنجزات المحققة والإجراءات المتخذة على الصعيد الوطني لدعم النزاهة ،واطلاعهم على المنجزات والإجراءات المتخذة على الصعيد الوطني ورغم ان مؤشر الإنجاز يبقى دون المستوى المطلوب بنسبة لم تتجاوز 24%فان هذا الاجراء يحتاج الى دينامية قوية والتقائية القطاعات التي تحتاج الى تكثيف الجهود في هذا المسار ،خصوصا وان النزاهة أصبحت رهان وتحدي أمام الدولة لكسب مسار الإصلاح والحكومة المنفتحة .
وفيما يخص التوفر على اطار للمرافق العمومية المنصوص عليه في المادة 157من الدستور بشكل موحد ويلزم بتدوين الشروط والمراحل الضرورية لتقديم الخدمات الإدارية بشكل موحد ووفق النموذج المنشور بالبوابة الوطنية للخدمات الإدارية، وسيوفر هذا الالتزام ضمانات قانونية للسهر على احترام المساطر الإدارية وقد تم إنجازه بالكامل .
وفيما يخص تحسين فضاءات الاستقبال عبر تعميم منظومة “ادارتي ” على المواقع النموذجية يهدف هذا الالتزام الى وضع آليات ووسائل تنظيمية قائمة على دليل مرجعي رهن إشارة المرافق العمومية، بغية تكريس مبادئ الفعالية والشفافية والمناصفة في التعامل مع المرتفقين.

تقييم مؤشر المشاركة المواطنة
هذا المؤشر يعد بمثابة إطار لدينامية الفعل العمومي وعلاقته بالمواطن وبباقي المؤسسات وقد أعدت فيه الحكومة أربعة التزامات أساسية مرتبطة بتعزيز دينامية المشاورات العمومية على الصعيدين الوطني والجهوي وكذا احداث منصة الكترونية خاصة بالمشاركة المواطنة والتزام آخر مرتبط بتعزيز المشاركة المواطنة من خلال تشجيع المجتمع المدني على تبني آليات الديمقراطية التشاركية وفي التزام آخر يتعلق بتعزيز ولوج جمعيات المجتمع المدني الى برامج خدمات الاتصال السمعي والبصري .،فهذه الالتزامات من شأن أجرأتها ان تساهم في تنزيل هذا المبدأ ،كما ان هذه المشاركة المواطنة مرتبطة بعامل أساسي هو قدرة الفاعل المدني على المواكبة والتأطير المدني .
وقد وصلت نسبة الإنجاز في هذا الالتزام 60%حيث شملت تنظيم تظاهرات جهوية بشراكة مع الجهات الاثنتا عشر لدعم الديمقراطية التشاركية والشروع في احداث هيئات الحوار والتشاور على مستوى مجالس الجماعات الترابية.
كما يظهر ان باقي الالتزامات الأخرى لم يتم الشروع في تنفيذها وخاصة ما يتعلق بتحسين الخدمات والمواكبة للجمعيات واحداث مكتبات الكترونية واعداد دلائل مبسطة لتيسير عمل هيئات التشاور ووضع واختبار نماذج لآليات تساهم في ترسيخ الديمقراطية التشاركية على موقع نموذجي، في أفق تعميم التجربة على مجموع الجماعات والعمالات والاقاليم .
ويبقى ان الجانب التحسيس هو مرتبط باستمرارية الفعل المدني وقدرته على تجاوز الإشكالات المرتبطة بالمعلومة وتقاسمها وقدرته على المبادرة، وتبقى تنظيم دورات تكوينية لفائدة بعض الجمعيات إجراءات مشجعة لكنها في الأخير، غير ان نسبة 78%تبقى جيدة وفاعلة في استمرارية الفعل المؤسس للمشاركة المواطنة.
تقييم مؤشر التواصل والتحسيس بأهمية الحكومة المنفتحة
ويبقى هذا المؤشر بالتزام وحيد مرتبط بقناعة الفاعل الحكومي وقدرته على تسويق هذا المنتوج الجديد على بيئتنا التقليدية، والذي يحتاج الى أجرأته من خلال التزامات واضحة المعالم، ويروم هذا الالتزام إعداد وتنفيذ مخطط تواصلي لمواكبة انضمام المغرب إلى مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة من جهة، وتنفيذ مختلف الالتزامات ذات الصلة من جهة أخرى.
كما يشكل التواصل حول التزامات المغرب في مجال الحكومة المنفتحة على نطاق واسع وسيلة للضغط وللاعتراف بجهود القائمين على تفعيل التزامات مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة، مما يؤثر بشكل إيجابي على جودة مخرجات هذه المشاريع.
ويبدو مؤشر التنزيل لهذا الالتزام في تقدم وصل الى 48%، ورغم ذلك نحتاج الى عمل ينخرط فيه الجميع، الدولة بمؤسساتها، المجتمع المدني، القطاع الخاص، الجميع على اعتبار ان الحكومة المنفتحة ليست غاية الغايات بقدر ماهي بداية لتغيير نمط تقليدي في مجتمع.

تقييم منهجية التنزيل والحكامة في ورش الحكومة المنفتحة:
وضعت الحكومة منهجية لاستدامة المشاريع المتعلقة بالحكومة المنفتحة وتمتلث في:
إحداث هيئة متعددة الأطراف للإشراف على مسلسل الحكومة المنفتحة.
وتمثيلية متساوية للحكومة والمجتمع المدني واختيار ممثلي المجتمع المدني وفقا لمنهجية موضوعية وشفافة يتم وضعها من طرف المجتمع المدني. ومن أجل الاستجابة لهذه المعايير، وبناء على العديد من الدراسات المقارنة، تم وضع نظام حكامة يعتمد أساسا على 3 بنيات:
-لجنة الإشراف.
-لجنة التنفيذ.
-منتدى المجتمع المدني.
وأول ملاحظة تقنية مرتبطة بعمل هذه اللجن انها تمت بشكل لا أقول تم تغييب الجمعيات الفاعلة ولكن طريقة الاختيار تحتاج الى اعادة النظر ،ناهيك انه كان من الأولى ان يتم انتخاب الجمعيات الممثلة للفضاء المدني للحكومة المنفتحة بالمغرب على مستوى الجهات ومن بعدها يتم اختيار وفق المقاربة المجالية للهيئات المركزية مع تمثيل كل جهة بجمعية مهتمة على أساس ان يتم التناوب على عضوية لجنة الاشراف تباعا كل سنتين ومن شان هذا الفعل ان يضمن تنزيل للمبادئ والبرامج على مستوى الجهات ،وليس فقط على مستوى المركز ،ولضمان مشاركة الكترونية مواطنية قادرة على تفعيل وتقدم مؤشراتنا الدولية في المجال خصوصا وان المغرب في التقارير السنوية يظهر انه جد متأخر في هذا المجال وخاصة في تقرير الأمم المتحدة المتعلق بالحكومة المنفتحة .
وفيما يخص تقييم أعضاء لجنة التنفيذ، فأول ملاحظة مطروحة هو ان هناك انتقائية في الاختيار للقطاعات وغياب قطاعات هامة وخاصة التي تشتغل على صياغة الاستراتيجيات، كما ان تنزيل الاستراتيجية المتعلقة بالمغرب الرقمي هي مهمة تلتقي فيها جميع القطاعات، مما يتعين إعادة النظر في هذا الامر.
اما فيما يخص منتدى المجتمع المدني الذي كان الأولى ان يؤسس باستدعاء الهيئات المدنية المشتغلة على ورش الحكومة المنفتحة بما يضمن مشاركة فاعلة في تنزيل هذا الورش الوطني، وكان الأصل ان تبادر الحكومة الى إطلاق حوار ما بعد انخراط المغرب في الحكومة المنفتحة.
ولذلك يبقى محاولة قراءة الأرقام المعلنة في هذه المنصة قراءة علمية تقييمية في غياب مؤشرات ملموسة وذو أثر على الواقع الاجتماعي، مما يطرح سؤال أساسي حول استمرارية الحكومة المنفتحة في غياب استراتيجية واضحة المعالم.

لماذا غابت مؤشرات تقييم عمل الإدارة الالكترونية في خطة عمل الحكومة المنفتحة برسم سنة 2018-2020؟
ما يلاحظ في محاور الخطة المعلنة والتي توصلنا بها من طرف المنظمة الدولية للشراكة من أجل حكومة منفتحة والتي قدمت باللغة الرسمية والفرنسية وهاته الخطة هي تعبير عن برنامج وعن نوايا في الالتزام بالمبادئ التي تتأسس عليها الحكومة المنفتحة ،وبعد اجراء هذا التقييم الذي عرضت فيه مجموعة من الأرقام ونسب التقدم في الإنجاز ،تبقى غير واضحة وغير مشجعة لأن خيار الحوكمة المنفتحة ،هو قرار استراتيجي أي ان جميع القطاعات يجب ان تكون في قدم وساق في التنزيل والمبادرة في التنفيذ لهذه الالتزامات ،لذلك إشكالية الانخراط الفوقي للمؤسسات في مجال الحوكمة المفتوحة هو يدل على عدم انسجام وظيفي بين القطاعات ،وهذا من شانه ان يؤثر على تقدم واستمرارية عضوية المغرب في هذا الملتقى الدولي الذي يعد تمرين أساسي للفاعل الحكومي في الانخراط بشكل يضمن قدرته على التحديث والتأّهيل للمؤسسات .
المحور المغيب في هذا المسار هو تتبع وضعية التحول الرقمي للمؤسسات والقطاعات بشكل متساوي افقيا، لكن القطاع المعني بهذا الأمر رغم توفره على إمكانيات هائلة في الموضوع الا انه لم يستطع ان يبادر الى أجرأة لهذا التحول ولذلك كان تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول تنفيذ استراتيجية المغرب الرقمي برسم سنة 2013مؤرق وبين سوء التنفيذ وقلة الانسجام وبطء العمل وكذا غياب تنسيق بين القطاعات.
ولذلك فان تقارير الأداء في مجال الحكومة المنفتحة التي تعدها هاته المنظمة ومثيلاتها في العالم وخاصة الأمم المتحدة يجعل من الضروري أخذ الأمور بنوع من الحزم والجدية، حتى نستطيع الوفاء بالالتزامات التي أصبحت تعهدات وطنية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *