مجتمع

هكذا غزا الشاي بيوت المغاربة حتى صار مشروبهم الوطني

أن يتحلَّق أفراد الأسرة صغيرهم وكبيرهم على “الصينية”، في ليالي البرد القارسة كما أيام الصيف القائظة فاعلم أنك في بيت مغربي أصيل.

ارتباط المغاربة بالشاي الذي يطلقون عليه “أتاي” وثيق، خاصة لدى مناطق بعينها كالأقاليم الجنوبية والصحراء الشرقية ومنطقة “الحوز” و”عبدة” و”دكالة” و”الشياظمة” وغيرها.

ويتفنن المغاربة في إعداد أقداح شاي لا تقاوم، يشربونه ساخنا ممزوجا بأعشاب عطرية أو بدونها.

يوم عالمي للشاي
يحتفل العالم منتصف شهر دجنبر من كل عام باليوم العالمي للشاي منذ 2005، وخاصة في الدول المنتجة له كبنغلاديش، وسريلانكا، ونيبال، وفيتنام، وإندونيسيا، وكينيا، وملاوي، وماليزيا، وأوغندا، والهند وتنزانيا.

وتم الاحتفال بأول يوم عالمي للشاي في نيودلهي بالهند عام 2005، وتم تنظيم احتفالات لاحقة في سريلانكا عامي 2006 و2008.

أما المغاربة فيحق لهم الاحتفال بهذا اليوم باعتبارهم ثاني أكبر مستهلك للشاي عالميا بعد تركيا.

ويتصدر المغرب قائمة أكثر الدول العربية استهلاكاً للشاي مع أكثر من 4 كيلوغرامات للفرد سنوياً، وتكون له طقوس خاصة بالمناسبات الهامة والدينية على الأخص.

ويرجع أصل الشاي إلى شجيرة ذات أصول صينية، وتمت تسميتها شجرة الشاي، وهي من النباتات دائمة الخضرة طوال العام، من عائلة “الكاميليا.”

وهناك عدة أنواع للشاي، مثل الشاي الأخضر، والشاي الخاص بالأعشاب، والشاي الأحمر، والشاي الأبيض، والشاي الأسود، والشاي الصيني..

بدايات الشاي بالمغرب
يقول الطبيب والمستكشف الفرنسي «لويس طوماس» في كتاب صدر سنة 1918 دَوَّن فيه مشاهداته في الأطلس الكبير المغربي «شرب الشاي عملية تقليدية، وممارسة مقدسة، مليئة بالجدية والدلالة والوقار، إنه المبادرة الأولى في الضيافة المغربية.. حيث يحتلُّ مكانة بالغة الأهمية في حياة المغاربة، فهو مشروب الجميع الغني والفقير».

لظهور «عشبة الشاي» بالمغرب قصة تناقلها المؤرخون، ذلك أن المغاربة لم يكونوا مفتونين بشرب الشاي، إنما كانوا يكثرون من استهلاك القهوة، ويشربونها في كل أوقات اليوم كما هو الشأن في بلاد المشرق، لكن بعد أن قدَّم الإنكليز الشاي هدية إلى سلاطين المغرب، أهدى هؤلاء بدورهم الشاي لأعضاء حاشيتهم، وسرعان ما انتشرت عادة الشاي إلى أن عمَّت طبقات المجتمع.

يقول المؤرخ والرحالة عبدالكبير الفاسي في كتابه «تذكرة المحسنين»، إن أول من شرب الشاي بالمغرب كان عمَّ السلطان محمد بن عبدالله، وكان والياً على منطقة آسفي (وسط المغرب)، وكان شرّيباً للخمر حتى أكسبه الشرب ألماً عجز الأطباء عن معالجته.

تابع الرحالة الفاسي المتوفَّى سنة 1899 ميلادية في كتابه «التذكرة»، أن طبيباً نصرانياً أمعن النظر في حال الوالي السكير عمّ السلطان.

وقال: «لا بد من تخليه عن الشرب، فأتاه بشرب الشاي، ولم يزل يُحسِّنه حتى استَغنى به عن شرب الخمر، وعوفي بقدرة الله»، وفق تعبير المؤرخ، وهكذا عرف المغاربة نبتة الشاي كمساعِدة على التغلب على إدمان الخمور، فما زالت تشيع وتكثر حتى أصبحت منتشرة بجميع مناطق المغرب.

شاي وأنغام
شغف المغاربة بالشاي الذي أصبح مشروبهم الوطني، جعل زجالين وشعراء ينظمون في حبه ولذة مذاقه القصائد، تلقَّفها الفنانون منذ القديم وقدَّموها للجمهور، حيث لاقت رواجاً واستحساناً.

وارتبط ظهور فرقة «ناس الغيوان» ذائعة الصيت بأغنية «الصينية»، يقول مقطع من كلماتها:

«..واعْر (صعب) بْلاه ما ساهل حُب الكاس
واعر بلاهم ما ساهل عشق الناس
آه يا الصينية
..
إلا جاب قدَّامو النَّعناع والشِّيبا

آه يا الصينية..

ومالْ كاسي حزين ما بين الكيسان

أيا نْدامتي

ومال كاسي انِين زاد قَوَّى عْليَّا الحْزان

مال (ما به) كاسي باكي وحدو

مال كاسي نادب حَظو

مال كاسي يا وَعدو

هذا نَكدو غاب سَعدو

آه يا الصينية..»

يحكي الراحل العربي باطما، أحد أقوى وأهم الأصوات بمجموعة «ناس الغيوان» في سيرته الذاتية «الرحيل»، أنه سمع بعض كلمات الأغنية من شخص كان يزور بيتهم كل صباح، يدعى «با سالم»، لتخرج الأغنية للوجود وتنال «الأسطوانة الذهبية» التي تمنحها شركة «فيليبس» في بداية سبعينيات القرن الماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *