وجهة نظر

عندما تقترب الانتخابات

كلما اقترب موعد الانتخابات التشريعية او الجماعية إلا وصاحبته حملة إعلامية منقطعة النظير، يكون فيها الفاعل السياسي، والمدبر للشأن العام تحت المجهر، رصد دقيق للصغيرة والكبيرة، وتتبع للتفاصيل الصغيرة والكبيرة. وهذا أمر طبيعي ومقبول. ذلك ان الذي يخوض تجربة الانخراط في دواليب الدولة بتحمل المسؤولية صغيرة كانت ام كبيرة، لن يسلم القيل والقال، ولن يسلم من النقاش الدائر باستمرار، ما دام انه مهامه مرتبطة بقضايا المواطنين وهمومهم. وفرق كبير بين من يخطئ التقدير في القرارات، ويجتهد في مصالح الناس من اجل اكبر عدد من المكاسب التي تخصهم، وبين يتجرأ على المال العام الى درجة الاختلاس تبديد المال العام، فلا مجال للمقارنة في جميع الحالات.

اعتقد اننا اليوم على أبواب هذه الظاهرة، وستتحرك أقلام جفت لسنوات لتقوم بهذه المهمة، من باب التشويش او الإساءة الى بعض الرموز السياسية، هي صناعة جديدة ستعرف النور قريبا. ولعل الذي لا يعيش ما تعرفه تجربة الشأن المحلي من صعوبات وتحديات واكراهات كثيرة، قد تحول دون تنزيل البرامج والمخططات المسطرة. ولكن الذي يهمني في هذه المناسبة، ان أعرج على جملة من القناعات، استنتجتها من تجربتي المتواضعة ومن انتمائي لحزب العدالة والتنمية والاشتغال من داخل هياكله، علها تقتصر الطريق على من يسعى الى رصد بعض الأمور، او الوقوف على النقائص والسلبيات:

1. إن الانتماء الى حزب العدالة والتنمية هو انتماء لمشروع ولفكرة، اتفقت مع الأفكار الشخصية، وكونت قناعات، الغرض منها الاسهام قدر الإمكان في مناحي الحياة الاجتماعية، سواء من داخل الهياكل التنظيمية او من داخل المجالس المنتخبة. ولم يكن يوما ما الانتماء متعلق بأشخاص بعينهم، هيآت تحكمها احترام القوانين التي تعاقدنا عليها ايوم الأول، وانها دائما تكون اسمى من أي شخص كيفما عنه شأنه في الحزب. ولا ادل على ذلك من من غادرنا من القيادات المؤسسة للمشروع، كالمرحوم عبد الله بها، او عدم انتخاب بنكران لولاية ثالثة على رأس الأمانة العامة.

2. ان خوض غمار مهمة تدبير الشأن المحلي ليس بالأمر اليسير، بل هو في غاية التعقيد والحساسية. وقد لا يصدق البعض ان التواجد في المسؤلية قد لا تجني منه أرباحا مادية كبيرة، بالنظر الى الإحساس بالمسؤولية، وعظم الأمانة، ورقابة الله قبل كل شيء. وبخصوص الحفاظ على المال العام، وهو مربط الفرس هنا، لا يتعلق الامر بالخوف من الهياكل الحزبية التي تنتمي اليها من عدم الاختلاس والنهب والسرقة، وليس خوفا من القوانين الزجرية التي تقودك الى حسابات صعبة، بل الامر متعلق بالخوف من الله أولا وأخيرا، فهو اسمى وارقى ما يمكن ان يستحضره الانسان وهو يدبر الشأن العام. أمانه عظيمة ستسأل عنها امام الله، صغيرة كانت ام كبيرة. وتأتي في المرتبة الثانية المؤسسات والأجهزة والتنظيمات.

3. لا اعتقد ان الاغتناء من خلال المال العام ستكون عواقبه حسنة، بل العكس من ذلك، ويلات ثم ويلات، عقاب دنيوي لما قد يتعرض له الانسان من مشاكل وعقوبات داخل الوسط الذي يعيش فيه، فهي لعنة المال الذي يؤكل بغير حق. سحت يأكله الانسان ويظن نفسه يصنع معروفا في نفسه واسرته. وخزي وعار يتبع هذا الانسان الى اخر رمق من حياته، فلا يمكن لعاقل ان يفكر في اكل ما ليس له فيه حق إلا اذا طمس الله على قلبه، وأعمى بصيرته، فأصبح لا يفرق بين الحلال والحرام، فمن المؤكد انه لا ينام مرتاح البال ما دام على عاتقه أموال الناس. وأما عن تحقيق كل مطالب الحياة المادية منها بالخصوص، وفي ظل عجز الانسان توفير ذلك من عرق جبينه، فعليه بالقناعة بما قسم الله، هو أفضل دواء وعلاج لداء الطمع ومد اليد لما ليس لك فيه حق.

يبقى الضمير الأخلاقي هو الضامن الأساسي والذي يجب ان يحضر بقوة في عالم السياسة، هو فعلا عالم مليء بالمغريات، قد يلفت انتباه الانسان وجعله يطمع في المال العام، لكن عندما يحضر الوازع الأخلاقي ويكون محددا لاشتغال الانسان في تدبير الشأن المحلي، سنضمن حتما تدبيرا معقلنا يجعل من المال العام امانة جسيمة في اعناقهم. الوازع الأخلاقي يجعل الانسان يبتعد عن الشبهات قدر الإمكان، لا يفكر في الظفر فيما ليس له به حق. صحيح ان هذا الميدان حساس جدا، ومهما فعلت واجتهدت في قضاء أغراض الناس فلن تستطيع فعل كل شيء، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، تصيب أحيانا وتخطئ في احايين أخرى، وهذا من طبيعة العمل الجماعي. واحترام القوانين الجاري بها العمل امر ضروري، مادام ذلك لا يترك مجالا لتفسير النيات والمقاصد الخفية، فبعض الأخطاء وان كانت غير مقصودة او بنية اصلاح قد تخلف نتائج وخيمة، وقد تؤدي بصاحبها الى ما لا تحمد عقباه. لايمكن لانسان سوي ان يسعى الى الاغتناء من السياسة ولا تشكيل الثروة بطرق غامضة وملتوية، فالذي يسير يجب ان ينتظر الانتقاد والمواجهة مع أعداء الإصلاح والنجاح، الذين يتقنون مهنة رصد وتتبع أخطاء الناس وهفواتهم. ولا يمكن لمن يدبر الشأن العام ان يسلم من افواه الناس وصحائف السنتهم، لابد ان ينتظر مختلف أساليب السب والقدف أحيانا، خصوصا عندما تغيب ما قد يتحدث فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *