من العمق

اللهم اسقنا الغيث وارزقنا قنوات لصرف مياهه

يجد المرء نفسه في حيرة من أمره وهو يمر بالعديد من الشوارع الرئيسية بمختلف المدن والقرى ومنها البيضاء والرباط وسلا وما جاورهما، وذلك كلما جادت السماء بالقليل أو الكثير من الماء فهل نستأجر مراكب للتنقل وسط المدينة وكأننا في أسواق الفلبين أو نرتدي البدل والأحذية لبلاستيكية الطويلة (لبوط أو بوتيو …) لنحمي أجسامنا النحيلة، أم نأخذ الكراسي ونقتني صنارات الصيد ونرميها في الغدير لعل وعسى نلتقط بعض الأحياء والآثات المنزلية التي قد تجرفها المياه أم نجتمع بأحيائنا ونعمل جاهدين على توجيه مياه الأمطار إلى منازل المسؤولين الجماعيين والبرلمانيين والعمال ومختلف المسؤولين المفترضين عنا ومؤسساتهم، أم نضربها بنومة في المنازل لنحتسي الشاي ونملئ البطون بالبيسارة أو” لبايسر”، إلى أن تطرق المياه أبوابنا ونوافذنا فنلبي نداء السباحة المجانية والجماعية.

لقد خلفت الأمطار الأخيرة ببلادنا خسائر مادية وبشرية بلغت درجة إزهاق الأرواح الآدمية والحيوانية بجرفها أو إغراقها، كما أدت إلى تشريد عدد من الأسر وإغراق دواويير في الأوحال فضلا عن انهيار إحدى المنازل والقناطر وتخريب الطرقات والمنشآت والممتلكات، وهذا الحدث يتكرر أكثر من مرة في السنة وفي أكثر من مدينة وقرية مغربية، مع تفاوت في عدد المناطق المنكوبة ودرجة تضررها وحجم تساقط الأمطار، كما هو الشأن هذه السنة بالنسبة لأقاليم مختلفة ومدن منها العاصمة الإدارية الرباط.

أمطار تأتي بعد صلاة استسقاء يتوجه فيها المواطنون إلى طلب الغيث من العلي القدير والتي تأتي غالبا بعد دق نقوس الخطر طلبا للرحمة أو من أجل إنقاذ الموسم الفلاحي، من خطر الجفاف وتهديد قوت العيش، أو جراء أمطار وفق تقلبات مناخية أو جوية، وبعد أن يمن الله علينا بالغيث رحمة بالأطفال والضعفاء والدواب والنبات، تغرق العديد من المدن والقرى المغربية في الأوحال والطين وأشياء أخرى…، والسبب بكل بساطة يكمن في انعدام البنيات التحتية أو وجود بنيات متهالكة وبالية تعود إلى غابر الدهور والأزمان، ومنه يجد المواطن نفسه مرغما على مواجهة مشاكله بنفسه وبما أوتي من قدرة وتجربة ووسائل ولو أدى الأمر إلى إزهاق روحه أحيانا، وهذه النتيجة هي أهم ما ميز هذه الفيضانات الأخيرة بحيث أن المواطنين واجهوا الطوفان بسواعدهم.

وهذا يدفعنا في ما يستقبل من الشهور والأيام إلى أن ندعو الله بأن يسقنا الغيث ويرزقنا ببنيات تحتية وآليات للإنقاذ وقنوات لصرف المياه، ولكن قبل ذلك أن نقرأ الفاتحة ترحما على هؤلاء المسؤولين في الجماعات المحلية والبلديات والولايات والعمالات الذين لا يفكر جلهم إلا في أنفسهم وحجاتهم الخاصة كما يبدو أن مصلحة المواطن وأمنه تأتي في آخر اهتمامات بعضهم، وحتى عندما يحرجون بسبب زيارة ملكية أو كارثة إنسانية في مدينة ما، فإنهم يفاجؤننا هنا وهناك ببعض الإطارات القزديرية مكتوب عليها حقيقة نعتذر عن الأشغال الناتجة عن الإزعاج شكرا على تفهمكم وصمتكم فلا تحتاج إلى جهد كبير لكي تلحظ عمليات حفر في العديد من المدن خاصة القديمة منها، في أشغال لا ندري لها بداية ولانهاية، مما يخلق حالة من الفوضى والإزعاج ينتج عنها بعض الأشغال، فتارة يبدو لك أنهم يصلحون وبعد مدة يعودون لنفس المكان ليحفروه مجددا وكأنك في مملكة للفئران وليس للإنسان وهكذا؟

وحقيقة فإن المرء يقف حائرا أمام سؤال وظيفة كل أولائك المسؤولين والهيئات والمؤسسات المنصبة لخدمة المواطن فنحن نستورد الآلات الإلكترونية ونستورد القمح وقطع الغيار والمدربين فما الذي نفلح فيه إذن؟ إشكالات عدة هي التي تعاني منها بنياتنا التحتية المهتزة والمهترءة بدءا بصرف المياه والطرقات والسكك الحديدية وصولا إلى الكهرباء والهاتف وترميم الشوارع والأسوار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *